رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 9 أبريل، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (40 ) باب: التشهد في الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

307.عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ».

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: «كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ».

 الشرح: الحديث الثاني في الباب (باب: التشهد في الصلاة): هو حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وقد أخرجه مسلم في الصلاة (1/302) في الباب السابق.

     قوله «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِن الْقُرْآنِ» وهذا يدلُّ على تأكده في الصلاة ولزومه، والتشهد سمي تشهداً لاشتماله على الشهادتين، والتشهدان واجبان، يجب بتركهما سجود السجود؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، كما في حديث النسائي: «قولوا في كلّ جلسة التحيات».

وأمر به المسيء صلاته، كما تقدم.

وقال ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد. وهذا يدل على فرضه عليهم.

     قوله «فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ» هذا التشهد يرويه ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه بعض الاختلاف عن تشهد ابن مسعود رضي الله عنه.

     قال النووي (4/115): واتفق العلماء على جوازها كلها، واختلفوا في الأفضل منها، فمذهب الشافعي وبعض أصحاب مالك: أن تشهد ابن عباس هذا أفضل؛ لزيادة لفظة «المباركات» فيه، وهي موافقة لقول الله عز وجل: {تحية من عند الله مباركة طيبة} (النور: 61).

     ولأنه أكّده بقوله: «يعلّمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن». وقال أبو حنيفة وأحمد وجمهور الفقهاء وأهل الحديث: تشهد ابن مسعود أفضل؛ لأنه عند المحدثين أشد صحة، وإن كان الجميع صحيحا، وقال مالك: تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموقوف عليه أفضل؛ لأنه علمه الناس على المنبر، ولم ينازعه أحد، فدل على تفضيله، وهو: «التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، سلام عليك أيها النبي...» إلى  آخره. انتهى.   

قلت: وتشهد ابن مسعود رواه الشيخان، وفيه: «علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفّي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن».

 قوله: «التحيات» جمع تحية، والتحيّة ما تُحيّا به الملوك، من الحياة أو البقاء والملك، فالله تبارك وتعالى أحقّ به من كل أحد.

وإنما قيل «التحيات» بالجمع؛ لأنّ ملوك العرب كان كل واحدٍ منهم تحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل جميع تحياتهم لله تعالى، وهو المستحق لذلك حقيقة.

ومعنى الحديث: أن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى، ولا تصلح حقيقتها لغيره (النووي).

قوله «المباركات»، من البركة وهي الخير الكثير الفائض.

     قوله «والصلوات لله»، الصلوات جمع صلاة، وهي في اللغة: الدعاء، والمراد بها «الأدعية التي يراد بها تعظيم الله تعالى، هو مستحقها، لا تليق بأحد سواه» كما في «النهاية» لابن الأثير.

قوله «الطيبات» وهي الأقوال والأعمال الطيبة من ثناء على الله وإخلاص وعمل صالح.

وفي «الفتح»: ما طاب من الكلام، وحسن أن يثنى به على الله، دون ما لا يليق بصفاته، مما كان الملوك يحيون به.

     قوله «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» قال النووي: قيل: معناه: التعوذ بالله والتحصن به سبحانه وتعالى؛ فإن السلام اسمٌ له سبحانه وتعالى، تقديره: الله حفيظ وكفيل، كما يقال: الله معك، أي: بالحفظ والمعونة واللطف، وقيل: معناه: السلامة والنجاة لكم، ويكون مصدرا كاللذاذة واللذاذ، كما قال الله تعالى: {فسلامٌ لك من أصحاب اليمين} (الواقعة: 91).

     قال: واعلم أن السلام الذي في قوله «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» يجوز فيه حذف الألف واللام، فيقال: سلام عليك أيها النبي وسلام علينا، ولا خلاف في جواز الأمرين هنا، ولكن الألف واللام أفضل، وهو الموجود في روايات البخاري ومسلم.

وبدأ بنفسه صلى الله عليه وسلم لشرفه ومزيد حظه، ثم بأنفس الصالحين.

وفي رواية الصحيحين: عن ابن مسعود قال: «فلما قبض قلنا: السلام على النبي» أي: قال الصحابة ذلك.

     قال الحافظ ابن حجر: «هذه الزيادة ظاهرها أنهم كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي، بكاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تر كوا الخطاب، وذكروه بلفظ الغيبة، فصاروا يقولون: السلام على النبي (انظر تمام البحث في صفة صلاة النبي للألباني ص 161-162).

قوله «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ» العبد الصالح: هو القائم بحقوق الله تعالى، وحقوق العباد، من الصلاح وهو استقامة الشيء ضد الفساد.

وجاء في الرواية الأخرى: «فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض» وذلك لأن «الصالحين» بدئت باللف واللام الدالتين على الاستغراق والشمول والعموم.

قوله «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وهما الشهادتان اللتان سمّي بهما التشهد.

فائدة: السنة في التشهد إخفاؤه، كما روى ذلك أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك