رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 15 أبريل، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 41 ) باب : ما يُسْتَعَاذ منه في الصلاة

   

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

308.عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيّ[ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ». قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ».

 الشرح : قال المنذري: باب ما يستعاذ منه في الصلاة:

     الحديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (1/412) وبوب عليه النووي (5/85): باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم. والحديث رواه البخاري في الصلاة: باب الدعاء قبل السلام (832) فالحديث متفق عليه.

     قولها: «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ» أي: بين التشهد والتسليم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب نفسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا تشهد أحدكم ، فليستعذْ بالله من أربع: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم...».

فكان صلى الله عليه وسلم  يستعيذ من هذه الأمور بين التشهد والتسليم.

     وجاء في الرواية الأخرى الأمر به، وأنه يكون في التشهد الأخير، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر، فليتعوذ بالله من أربع...» فدل على عدم مشروعيته في التشهد الأول؛ ولأنه مبني على التخفيف.

     وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلّمهم هذا الدعاء، كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: قولوا: «اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم...»، وهذا مما يدل على تأكّد هذا الدعاء.

وقال الإمام مسلم بن الحجاج : بلغني أن طاووسا قال لابنه: أدعوت بها في  صلاتك ؟ فقال: لا، قال: أعد صلاتك! لأن طاووسا رواه عن ثلاثة أو أربعة أو كما قال.

     قال النووي: ظاهر كلام طاووس رحمه الله تعالى أنه حمل الأمر على الوجوب ، فأوجب إعادة الصلاة لفواته، وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب، ولعل طاووسا أراد تأديب ابنه، وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه، والله أعلم. انتهى

     قوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» وفيه إثبات عذاب القبر وفتنته – أي سؤال الملكين - وهو ما صرّحت به نصوص القرآن والسنة وهو مذهب أهل الحق، خلافا للمعتزلة وأشباههم، قال عز وجل عن قوم نوح عليه السلام: {مما خطيئاتهم أُغرقوا فأدخلوا نارا}.

وقال عن قوم فرعون: {النارُ يُعرضون عليها غُدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب}.

     وروى مسلم في الباب: من حديث عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أن عجوزين من عُجز يهود المدينة دخلتا عليّ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال صلى الله عليه وسلم : «صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم»، قالت: فما رأيته بعدُ في صلاةٍ إلا يتعوّذ من عذاب القبر. ورواه البخاري في الدعوات (6366).

وفي حديث أسماء رضي الله عنها قال صلى الله عليه وسلم : «إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال».

     قوله: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»، الفتنة: هي الاختبار والامتحان، وفتنة المسيح الدجال من أعظم الفتن وأخطرها، ومن أجل ذلك حذرت الأنبياء جميعا أممها من شره وفتنته، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من فتنته في  كل صلاة، وبين أن فتنته من أكبر الفتن منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة .

وسمي مسيحا: لأنه ممسوح العين مطموسها ، فهو أعور.

     وسمي بالدجال: تميزاً له عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام؛ لأنه كذابٌ يُغطي الحقّ ويستره، ويُظهر الباطل، ومن ذلك: ادعاؤه الألوهية وهو أعور ؟! والله تعالى ليس بأعور؟! ومعه جنةٌ ونار، فجنته نار، وناره جنة، ولا يبقى بلدٌ في الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة تمنعه الملائكة من دخولهما، وغير ذلك مما جاء في أخباره.

  قوله: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»، أي: زمن الحياة والموت، قال ابن دقيق العيد : فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات،وأعظمها – والعياذ بالله – أمر الخاتمة عند الموت.

     قال ابن بطال : هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة، وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في رفع ما نزل ودفع ما لم ينزل، ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع ما ذكر، دفعا عن أمته، وتشريعا لهم ليبين لهم صفة المهم من الأدعية. (الفتح 11/176).

      ومن فتن الحياة ما ذكره الله تعالى بقوله: {زُيّن للناس حبُّ الشهواتِ من النساءِ والبنين والقناطير المقنطرة من الذهبِ والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب}.

وقوله: {إنما أموالكم وأموالكم فتنة}.

واختلفوا في المراد «بفِتْنَةِ َالْمَمَاتِ»، فقيل: فتنة القبر، وقيل: الفتنة عند الاحتضار.

قوله: «من المأثم والمغرم».

والمغرم: أي الدّين، يقال: غرم بكسر الراء أي: أدان، قيل: والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز وفيما لا يجوز ثم يعجز عن أدائه.

وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم  من غلبة الدين.

 قوله: «فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!»، ما أكثر، بفتح الراء على التعجب ، لأنه كان[ يكرر ذلك.

 فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ»، أي: حملته الديون على هذه المخالفات للشرع، لا سيما إذا كان الدين مما يكرهه الله تعالى .

قال الحافظ ابن حجر: وقد استشكل بما ذكر مع أنه معصومٌ مغفور له ما تقدم وما تأخر ، وأجيب بأجوبة:

أحدها أنه قصد التعليم لأمته.

 ثانيها: أن المراد السؤال منه لأمته فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي. ثالثها: سلوك طريق التواضع، وإظهار العبودية والتزام خوف الله وإعظامه، والافتقار إليه ، وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة؛ لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك؛ لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة .

وأما الاستعاذة من «فتنة الدجال» مع تحققه أنه لا يدركه، فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين ، وقيل على الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم إدراكه، ويدل عليه قوله في الحديث الآخرعند مسلم: «إنْ يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه» الحديث. (الفتح 2/319) والله أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك