رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 20 أبريل، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 132 ) باب: قـصـر الصـــلاة بمـــنى

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

440- عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ، وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمَانُ ثَمَانِيَ سِنِينَ، أَو قال: سِتَّ سِنِينَ .

قال حَفْصٌ (يعني ابن عاصم): وكان ابنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَين، ثُمَّ يَأْتِي فِرَاشَهُ ، فقلْتُ: أَيْ عَمِّ ، لَوْ صَلَّيْتَ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ، قال: لَوْ فَعَلْتُ لَأَتْمَمْتُ الصَّلَاةَ.

 الشرح :

 قال المنذري: باب: قصر الصلاة بمنى.

والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ( 1/483 ) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المصنف.

      قوله: «صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  بِمِنًى، قال النووي: قوله «بمنى» أو غيره هكذا في الأصول وغيره، وهو صحيح؛ لأنّ منى تذكر وتؤنث، بحسب القصد، إنْ قصد الموضع فمذكر، أو البقعة فمؤنثة، وإذا ذُكر صرف وكتب بالألف، وإذا أنث لم يصرف وكتب بالياء، والمختار تذكيره وتنوينه، وسُمي منى: لما يمنى به من الدماء، أي : يُراق.

قوله: «صَلَاةَ الْمُسَافِر»، أي: ركعتين، وهذا منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .

قوله: «وأَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ ثَمَانِيَ سِنِينَ، أَو قال: سِتَّ سِنِين»، أي: جروا على هذه السنة النبوية، ثمانيَ سنينَ، أَو قال : ستَّ سنينَ، ثم أتم عثمان -رضي الله عنه- الصلاة بمنى بعد ذلك.

     وقد روى البخاري (1084) في تقصير الصلاة، باب: الصلاة بمنى: عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى بنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فاسترجع، ثم قال: «صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصليتُ مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بمنى ركعتين، وصليتُ مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بمنى ركعتين، فليتَ حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان». متفق عليه .

     وقد اختلف العلماء في المقيم بمنى: هل يقصر أو يتم؟ فقيل: يقصر الصلاة، بدليل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة قصراً، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لبينه لهم .

     القول الثاني: يتمّ أهل مكة بمنى، وذلك أنّ المكي غير مسافر، فحكمه حكم المقيم، فيتم الصلاة ولا يقصر، وإنما يقصر من كان سفره سفراً تُقصر في مثله الصلاة. وهذا مذهب الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، واختاره بعضهم احتياطاً.

     أما إنَّ عثمان صلى بعد أربعاً، فقد تأول العلماء إتمام عثمان -رضي الله عنه- للصلا تأويلات عدة، ذكرها الحافظ في الفتح وغيره، ورد بعضها لبعده أو لكونه مخالفا لما هو أصح منه، ومن تلك التأويلات: إنَّ سبب إتمام عثمان -رضي الله عنه- بمنى: أنه تأهَّل بمكة، أي: تزوج بها ، فلم يكن مسافراً ، فصلى صلاة المقيم، فدل على أن أهل مكة يتمون بمنى ولا يقصرون.

وقيل: إنه لم يكن يرى أنّ القصر واجبا.

وقيل: إن عثمان كان يرى القصر مختصاً بمن كان شاخصا سائراً، وأما من أقام في مكان أثناء السفر، فله حكم المقيم فيتم.

     ومنها: أن عثمان كان يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر؛ لأنه أخذ بالأيسر على أمته، وأخذ عثمان بالشدة. وهذا التأويل صححه ابن بطال كما يقول الحافظ، ورجّحه جماعة منهم القرطبي. 

     ومنها: أن عثمان صلى بمنى أربعا؛ لأن الأعراب كثروا في ذلك العام؛ فأحبّ أنْ يعلمهم أن الصلاة أربع. قال الحافظ: روى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه: عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال: إنّ القَصر سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ولكنه حَدَث طغام - يعني: جهال لا علم لهم، بفتح الطاء والمعجمة - فخفت أنْ يستنوا، وعن ابن جريج : أنّ أعرابياً ناداه في منى: يا أمير المؤمنين، ما زلتُ أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين. وهذه طرق يقوي بعضها بعضا. انتهى

وبناء على ما تقدم، فإنّ إتمام عثمان للصلاة له ما يسوغه، وإنْ كان الحديث المشار إليه في المسند ضعيف.

       وحديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال الحافظ: «قوله باب الصلاة بمنى أي في أيام الرمي، ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها، وخص منى بالذكر؛ لأنها المحل الذي وقع فيها ذلك قديما . واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم ، بناء على أنَّ القصر بها للسفر أو للنسك ؟

وقوله: «ثم أتمها»، وفي رواية عند مسلم: «ثم إنّ عثمان صلى أربعا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلى وحده صلى ركعتين».

      وقوله: «فاسترجع»، أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الحافظ: «إنما استرجع ابن مسعود، لما وقع عنده من مخالفة الأولى. ويؤيده ما روى أبو داود». أن ابن مسعود صلى أربعا، فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا. فقال: الخلاف شر» فتح الباري (2/ 564) .

 قوله: قال حَفْصٌ يعني ابن عاصم ، هو ابن عمر بن الخطاب العمري، تابعي ثقة ، روى له الستة .

      قوله: «وكان ابنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَين، ثُمَّ يَأْتِي فِرَاشَهُ، فقلْتُ: أَيْ عَمِّ، لَوْ صَلَّيْتَ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، قال: لَو فَعَلْتُ لَأَتْمَمْتُ الصَّلَاةَ، قال النووي: «قوله لو كنت مسبحا أتممت صلاتي المسبح هنا المتنفل بالصلاة، والسُبحة هنا صلاة النفل، وقوله: «لو كنت مسبحا لأتممت» معناه: لو اخترت التنفل، لكان إتمام فريضتي أربعا، أحب إليَّ، ولكني لا أرى واحدا منهما، بل السُنة القصر ، وترك التنفل».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك