رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 أغسطس، 2021 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – من أخَذَ أموالَ الناسِ بغيرِ حقٍّ فإنَّه يَأكُلُ سُحتًا وحَرامًا لا بركة فيه – باب: إعطاء من يسأل بغلظة

 

عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَال: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبِيَةً، وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يا بُنَيَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، قَال: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي، قَال: فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وعلَيه قَبَاءٌ مِنْها، فَقَال: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» قَال: فَنَظَرَ إِلَيْهِ؛ فقَال: «رَضِيَ مَخْرَمَةُ». رواه مسلم في الباب السابق نفسه، ورواه البخاري في اللباس (5800) باب: القُباء وفرّوج الحَرير وهو القباء، ويقال: هو الذي له شَقٌ مِنْ خَلْفه.

     المسور بن مخرمة هو ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي، ولد سنة (2) هـ في مكة، وكان أبوه مخرمة بن نوفل من سادات بني زُهرة بن كلاب، وأم المسور هي: عاتكة، وقيل الشّفاء بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف. هاجر وأسرته إلى المدينة النبوية في ذي الحجة سنة (8) هـ، فأدرك المَسور النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير، وسمع منه، لذا فهو يُعد من صغار الصَّحابة.

قوله: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبِيَةً»

أي: قسمها على أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية: «قدِمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أقْبية»، وفي رواية: «أهْديتْ للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - أقبيةٌ مِنْ ديباجٍ، مزْرُورة بالذَّهب، فقَسَمها في ناسٍ منْ أصحابه».

     والقباء: بفتح القاف وبالموحدة مَمدود، فارسي مُعرَّب، وقيل: عربي واشْتقاقه مِنَ القبو وهو الضَّم. ويقال: الذي هو له شقّ مِنْ خلفه، أي فهو قباء مَخْصوص، وبهذا جزم أبو عُبيد ومَنْ تبعه من أصْحاب الغَريب نظراً لاشتقاقه. وقال ابن فارس: هو قميص الصَّبي الصغير. وقال القرطبي: القباء والفروج كلاهما ثوبٌ ضيّق الكمَّين والوسط، مشْقوق منْ خلف، يُلبس في السفر والحرب، لأنَّه أعون على الحركة.

قوله: «ولم يُعط مَخْرمة شَيئا»

     أي: في وقت تلك القِسمة، لأنه وقع في رواية: «وعَزَل منْها واحداً لمَخْرمة». ومَخْرمة هو والد المسور، قال الحافظ: «كان منْ رؤساء قريش، ومِنَ العارفين بالنَّسب وأنصاب الحَرم، وتأخَّر إسْلامه إلى الفتح، وشهد حُنيناً، وأعْطي مِنْ تلك الغنيمة مع المُؤلَّفة، ومات سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وخمس عشرة سنة، ذكره ابن سعد».

قوله: «انطلقْ بنا»

     في رواية: «عَسَى أنْ يُعطينا منْها شَيئا». أي: عَلِم مخرمة بذلك، وأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُوزِّع على أصحابِه أقبية، فأَخَذ ابْنَه المِسْوَرَ وذَهَبَا إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وزاد البخاريُّ في روايةٍ أُخرى أنَّه قال لابنِه: عسى أن يُعطِيَنا منها شيئًا، فلما ذَهَبا وَجَداه في بَيْتِه.

قوله: «ادخل فادْعُه لي»

في رواية: «فقام أبي على الباب فتكلّم، فعرفَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صوته» قال ابن التين: لعلّ خروج النبي - صلى الله عليه وسلم  صلى الله عليه وسلم - عند سماع صَوت مخرمة، صادَف دخول المِسور إليه.

قوله: «فخَرَج إليه وعليه قباء منْها»

     ظاهره اسْتعمال الحَرير، قيل: يجوز أنْ يكون قبل النَّهي، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ بعْدَه، فيكونُ إعطاؤُه له لِيَنْتَفِعَ به؛ بأنْ يَبِيعَه أو يَكْسُوَه النِّساءَ، ويكونُ معنَى قولِه «فخَرَج وعليه قَبَاءٌ»، أي: على يَدِه، فيكونُ مِن إطلاقِ الكُلِّ على البَعْضِ. ويحتمل أنْ يكون المُراد أنَّه نَشره على أكتافه ليراه مخْرمة كلّه، ولم يقصد لبْسه. قال الحافظ: قلت: ولا يتعين كونه على أكتافه، بل يكفي أنْ يكون منْشوراً على يديه، فيكون قوله عليه من إطلاق الكل على البعض، وقد وقع في رواية» فخرج ومعه قباء، وهو يريه محاسنه»، وفي رواية: «فتلقاه به واستقبله بإزاره».

قوله: «خبأت هذا لك»

يعني: احْتَفَظْنَا به لك. وزاد في رواية حماد: يا أبا المِسور، هكذا دعاه أبا المِسْور، وكأنه على سبيل التأنيس له، بذكر ولده الذي جاء صحبته، وإلا فكنيته في الأصل أبو صفوان، وهو أكبر أولاده، ذكر ذلك ابن سعد.

قوله: «فنظر إليه فقال: رضِي مخرمة»

     زاد في رواية: «فأعطاه إياه»، وجزم الداودي أن قوله: «رضي مخرمة» من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ: وقد رجحت في الهبة أنه من كلام مخرمة، زاد حماد في آخر الحديث: «وكان في خَلْقه شِدّة». قال ابن بطال: يستفاد منه استئلاف أهل اللسن، ومن في معناهم، بالعطيَّة والكلام الطيب.

فوائد الحديث

في هذا الحديثِ فوائد منها:

- ما يَدُلُّ على أنَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان أكثَرَ النَّاسِ تَواضُعًا، وكان عامَّةُ أصحابِه -رِضوانُ اللهِ عليهم- يَعرِفون تَواضُعَه.

- وفيه: حُسنُ تلَطُّفِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأصحابِه.

- وفي الحَديثِ: دُعاءُ الخَليفةِ والعالمِ وإخراجُه من بيته لِقضاء حاجاتِ النَّاسِ، وأنَّ ذلِك مِن التَّواضُعِ والفَضْلِ.

- وفيه: الاكتفاء في الهبة بالقبض.

- وفيه: الاستدلال به على جواز شهادة الأعمى، لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عَرَف صوت مخرمة، فاعتمد على معرفته به، وخرج إليه ومعه القباء الذي خبأه له، واستنبط بعضُ المالكية منه جواز الشهادة على الخط، وتعقب بأنَّ الخطوط تشتبه أكثر مما تشتبه الأصوات.

- وفيه: رد على مَن زَعَم أنَّ المِسْور لا صحبة له. (انظر الفتح).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك