رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 5 ديسمبر، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: من جمع الصدقة وأعمال البر

 

 

 

543.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، ومَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، ومَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، ومَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ». قال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما علَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّها؟ قَال رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ».

الحديث الثاني في الباب:

- قوله: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قال الحسن: زوجين: درهمين، دينارين، عبدين، من كل شيء اثنين.

- أي: مَن تصدَّق بعَدَد اثنين مِن أيِّ شيءٍ، من النُّقودِ كدينارين أو دِرهمينِ، أو من الملبوساتِ كثوبين أو قميصين، أو من الطَّعام، كرَغيفين، أو حمل على دابتين، لمَن هو في حاجةٍ إليهما؛  ابتغاءَ رضْوانِ الله -تعالى-، نادَتْه الملائكةُ مِن أبواب الجنة، مرحِّبةً بقُدومِه إليها، وهي تقول: لقد قدَّمتَ يا عبد الله خيرًا كثيرًا، تُثاب عليه اليومَ ثوابًا كبيرًا. وقد جعَل لكلِّ عبادةٍ في الجنَّة بابًا مخْصُوصًا.

تكرار العمل

وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ أنْفقَ مِنْ ماله زوجين في سَبيل الله؛ ابْتَدَرته حَجَبة الجنة». رواه ابن عبد البر في (التمهيد).

وقال: وكذلك- والله أعلم- من تابع من عمل البر بأقل متابعة، لمن صلى ركعتين ثم ركعتين، ونحو هذا، وصام يومين في سبيل الله، ونحو هذا، يدل على ذلك قوله: «دُعِيَ مِنْ باب الصلاة»، «ومِنْ باب الصيام» وإنما أراد- والله أعلم- أقل التكرار، وأقل وجوه المداومة على العمل من أعمال البر؛ لأن الاثنين أقل الجمع.انتهى

فالمُكثِرون من الصَّلاة يُنادَون مِن باب الصَّلاة، ويَدخُلون منه، وهكذا الأمرُ بالنِّسبةِ إلى سائرِ العباداتِ مِن جِهادٍ، وصدَقة.

المكثرون من الصوم

والمُكثِرون مِنَ الصَّومِ تَستقبِلُهم الملائكةُ عند باب الريَّان، داعيةً لهم بالدُّخول منه، وسُمِّي بذلك؛ لأنَّه مَن دخَله لم يَظمَأْ أبدًا.

وفد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ للجنة باباً يُدْعى: الريان، لا يَدْخل منه إلا الصائمون».

المكثرون من الصدقة

والمُكثِرون من الصَّدقةِ، يُدْعَونَ إلى دُخولِ الجَنَّةِ مِن بابِ الصَّدقةِ، وهكذا.

-وقوله: «فمَن كان مِنْ أهل الصلاة» فإنه يريد- والله أعلم- مَنْ كان الغالب منْ عمله الصلاة؛ دُعي من بابها، لأنه مَنْ أكثر من شيءٍ، دُعي به، ونُسِبَ إليه، لأنَّ الجميع مسلمون من أهل الصلاة.

المكثرون من الجهاد

وكذلك من أكثر من الجهاد، ومن الصيام، ومن الصدقة على هذا المعنى، وإنْ كان له في سائر أعمال البر حَظٌّ، قاله ابن عبدالبر.

- فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: «بأبي وأمِّي يا رسولَ اللهِ، ما على مِن دُعِي مِن تلكَ الأبوابِ مِنْ ضرورةٍ» أي: ليس على المدعوِّ مِن كلِّ الأبوابِ مَضرَّةٌ، أي: قدْ سَعِد مَن دُعِيَ مِن أبوابِها جميعًا. وقيل: معناه أنَّه مَن دُعِي مِن بابٍ واحدٍ فقدْ حَصَل مُرادُه، وهو دخولُ الجَنَّة، وليس هناكَ ضرورةٌ عليه أنْ يُدُعى مِن تِلك الأبوابِ كلِّها.

ثم سألَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - فقال: فهل يُدْعَى أحدٌ مِن تلك الأبوابِ كلِّها؟ فأجابَه - صلى الله عليه وسلم -: «نعم»، أيْ: يوجَد مِن المؤمنين؛ مَنْ يُدْعى مِن أبواب الجنة الثَّمانيةِ؛ لكثرةِ عِباداتِه، وتنوُّعِها، واختلافِها.

-وقوله: «وأرْجو أنْ تكونَ منهم»؛ فيه بشارةٌ لأبي بكرٍ - رضي الله عنه -، وذلك لاجتهاده في كلِّ العِبادات والطاعات، وحِرصِه على فِعل الخيراتِ.

وفيه أيضا فضل ظاهر لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - كبير، وشهادة بأنَّ له من كلِّ عمل منْ أعمال البر نصيباً.

وفي الحديث من الفوائد:

-أنَّ أعمالَ البِرِّ لا تفتح في جميعها لكلِّ إنسان في الأغْلب، وأنَّه إنما فُتِح فيها كلّها لقليلٍ من الناس، وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - من ذلك القليل.

- ومما يُشبه هذا: ما جاوب به الإمام مالك بن أنس ؛ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر العمري العابد الزاهد، فإنه كتب إلى مالك يحضُّه على الانفراد، والعمل وترك مجالسة الناس في العلم وغيره، فكتب إليه مالك: إنَّ الله -تعالى- قَسَم بين عباده الأعْمال، كما قسم الأرزاق، فربُّ رجلٍ فُتِح له في الصَّلاة، ولم يُفْتح له في الصَّوم، وآخرُ فُتِح الله له في الجَهاد، ولم يُفْتح له في الصَّلاة، وآخر فُتِح له في الصدقة، ولم يُفْتح له في الصيام، وقد علمتَ أنَّ نشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال، وقد رضيت بما فَتَح اللهُ لي فيه، وقسم لي منه، وما أظنّ ما أنا فيه، دون ما أنت فيه من العبادة، وكلانا على خير إنْ شاء الله.

وقال ابن القاسم: قال مالك، قال أبو الدَّرداء: إنَّ الله -تعالى- يؤتي الرجل العلم، ولا يؤتيه الحلم، ويؤتيه الحلم، ولا يؤتيه العلم، وإن شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم.

قوله: «نُودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خَير» يُريد هذا خيرٌ نلته وأدْركتَه لعملك، ونفقتك في سبيل الله.

وفي هذا الحديث: دليل على أنّ للجنة أبوابا، وأنها ثمانية.

وفي أحاديث أخرى: منها حديث عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما مِنْكم مِنْ أحدٍ يتوضأ فيُحْسنُ الوضوء، ثم يقول حين يَفْرغ من وضوئه: أشهدُ ألا إله إلا الله، وَحْده لا شَريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِحتْ له أبوابُ الجنَّة الثَّمانية، يَدْخُلُ مِنْ أيِّها شاء».

أبوابُ جهنَّم سبعة

وأما أبوابُ جهنَّم سبعة، أجارنا اللهُ منها، ففي كتابِ الله -تعالى- أنَّها سَبعة، قال الله -عز وجل-: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} (الحجر: 48).

أي: قد كتب لكل بابٍ منها جزءٌ مِنْ أتباع إبليس يَدخلونه، لا محيدَ لهم عنه- أجارنا الله منها- وكل يدخل منْ باب بحسبِ عمله، ويستقرّ في درك بقدر فعله. (ابن كثير).

قال عكرمة: (سبعة أبواب) سبعة أطباق.

وقال ابن جريج: (سبعة أبواب) أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم سعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.

وروى الضحاك عن ابن عباس نحوه. وكذا روي عن الأعمش بنحوه أيضا.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك