رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 16 نوفمبر، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: من جمع الصدقة وأعمال البر

  


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَنَا، قَالَ: « فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَنَا، قَال: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَال أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ؛ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

  الشرح:

في الباب حديثان: رواهما مسلم في الزكاة (2/712-713) باب: مَنْ جَمَع الصَّدقة وأعْمَال البِّر.

قوله: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ...» قد تدلُّ على أنه قالها لأصحابه ضُحىً أو بعد صلاة الظهر، أو نحوها.

وفيه: تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - وانبساطه في الحديث مع أصحابه.

مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا?

     وقوله: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا» يدل على فضل الصَّوم، وأنه عباد ة عظيمة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ به، ومما يدل على فضله، أنه لم تخل أمةٌ من وجوبه عليها، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183.

وهو أحد فرائض الإسلام الخمسة كما هو معلوم.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «منْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» متفق عليه.

قال القُرْطُبِيُّ: «سَبِيلُ اللَّهِ: طَاعَةُ اللَّهِ، فالمُرَادُ مَنْ صَامَ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ».

مَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟

     قوله: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً» واتباع الجنائز عملٌ صالحٌ، وهو من حقّ المُسلم على أخيه المسلم كما جاء في الحديث، وفي حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَال: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ». قِيل: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَال: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» متفق عليه.

َمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟

قوله: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا» فيه حثٌ على إطعام الطعام، قال -تعالى-: {ويُطْعمُون الطَّعامَ على حُبِّه مَسْكيناً ويتيماً وأَسِيراً } الإنسان: 8.

وقال: { إنما نُطعمُكم لوجْه الله لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكورا} الإنسان: 9.

وقال: {وأطعموا البائس الفقير} الحج: 28.

     وعن علي - رضي الله عنه -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ في الجّنّة غُرَفاً تُرى ظُهورُها منْ بطونها، وبُطونها منْ ظهورها». فقام أعرابي فقال: لمَنْ هي يا رسول الله؟ قال: «لمَنْ أطابَ الكلام، وأطْعمَ الطَّعام، وأدامَ الصيامَ، وصلى لله بالليل والناس نيام». رواه الترمذي.

مَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟

قوله: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا» وهو أيضاً من حقّ المُسلم على أخيه المسلم، وكان هو من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - المستمرّة مع أصحابه، وفيه أحاديث، منها:

     حديث علِيٌّ - رضي الله عنه -: سمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً، إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً؛ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ». أخرجه الترمذي.

والخريف: هو البستان.

وفي الحديث من الفوائد

- فضل الصَّديق أبي بكر - رضي الله عنه -، الذي قام بهذه الأعمال كلّها في يوم واحدٍ، قبل أنْ يعلم بفضل مَنْ جَمَع ذلك في يومٍ واحد، ونحنُ نعلم بذلك، والكثير منّا لم يوفق للجمع بينها في يومٍ واحد.

وهي بشارةٌ للصديق بالجنّة، وهي إحْدى البشارات الكثيرة له - رضي الله عنه -، ومنها أيضاً:

- ما أخرج الترمذي (2987) من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «النبيُّ في الجنَّة، وأبُو بكرٍ في الجنَّة، وعُمر في الجنة...» الحديث.

-ومنها ما أخرج البخاري: عن أبي موسى - رضي الله عنه -: «كنتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائطٍ منْ حيطان المدينة، فجاء رجلٌ فاستفتح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «افتحْ له وبشِّره بالجنة». ففتحتُ له، فإذا هو أبو بكر، فبشرته..». وغيرها من الأحاديث الكثيرة.

-وفيه جواز الإخبار بالعمل للحاجة، وأنّ هذا لا يلزم أنْ يكون رياءً بإطْلاق، وإنْ كان الإخْفاء أقرب للإخْلاص، فقلوبنا أضْعف مِنْ أنْ تُخلص والناس ينظرون، كما قال الثوري -رحمه الله.

-وفيه الحرص على سُلوك دُروب الخير ما استطاع إليه سبيلاً، والقيام بمختلف العبادات والقُربات، وشغل الأوقات بذلك.

- اتباع الجنائز خاصٌ بالرجال، أما النساء فلا يَجوز لهن اتباع الجنائز؛ لأنه منهيٌ عنه، كما دلَّت عليه السُّنة الصحيحة.

كراهية اتباع النساء للجنائز

قال ابن قدامة -رحمه الله-: ويُكره اتباع النساء الجنائز؛ لما روي عنْ أم عطية قالت: نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا. (متفق عليه). وكره ذلك ابن مسعود وابن عمر وأبو أمامة وعائشة ومسروق والحسن والنخعي والأوزاعي وإسحاق.

     وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج فإذا نسوة جلوس قال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة قال: هل تغسلن؟ قلن: لا. قال: هل تحملن؟ قلن: لا. قال: هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا. قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات. رواه ابن ماجه. انتهى. وهذا الحديث فيه ضعف، انظر الضعيفة (2742) للألباني.

وقال النووي: قَال الْقَاضِي: قال جُمْهُور الْعُلَمَاء بِمَنْعِهِنَّ مِنْ اِتِّبَاعهَا، وأَجَازَهُ عُلَمَاء المَدِينَة، وَأَجَازَهُ مَالِك، وَكَرِهَهُ لِلشَّابَّةِ. اهـ.

اختلاف العلماء

وقال القاضي عياض: اختلف العلماء في إباحة اتِّباع النساء الجنائز؛ فجمهُورهم على مَنعه لظاهر النهي في الحديث، واختاره جماعةُ علماء المدينة، ومالك يجيزه ويَكرهه للشابة، وفى الأمر المستنكر.انتهى

ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لعنَ اللهُ زوَّاراتِ القُبور». رواه أحمد، وصححه الألباني.

لأن النساء فيهن رقة قلب، وكثرة جزع، وقلة احتمال للمصائب، وهذا مظنه لبكائهن ورفع أصواتهن والنياحة.

وأحاديث نهي النساء عن اتباع الجنائز صريحة، فلا تُعارض بمثل دلالة حديث الباب، فيحتمل أنْ يكون هذا الحديث خاصًا بالرجال، فلا يكون للنساء مَدخل فيه، ويُؤيده قوله في آخر الحديث: «ما اجْتَمعن في امْرئ...».

وينبغي للمرأة أن تفعل ما يُشرع لها الجَمع بين الخصال الواردة في الحديث، من الصيام، وإطعام المسكين، وعيادة المريض، وغيرها من القُربات، فإنَّ الله -تعالى- لا يُضِيع أجرَ المحسنين، وهو -سبحانه- ذُو الفضل العظيم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك