رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 28 يناير، 2021 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: ما أنفقَ العَبدُ مِنْ مَالِ مَوْلاه

 

عن عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ -رضي الله عنهما- قال: أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا، فجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ، فعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي، فَأَتَيْتُ رسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذلكَ لَهُ، فَدَعَاهُ فَقَال: «لِمَ ضَرَبْتَهُ؟» فَقَال: يُعْطِي طَعَامِي بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ؛ فَقَال: «الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا».

في الباب حديثان: رواهما مسلم في الزكاة (2/711):

الحديث الأول

- باب: ما أنفقَ العبد مِنْ مال مولاه، وعمير مولى آبي اللحم من غفار، ويقال: مولى بن أبي اللحم، له صحبة، حجازي، وآبي اللحم الغفاري، وليست هذه بكنية له، ولكنّها صارت له كالكنية. وقيل: إنما قيل له ذلك؛ لأنه كان لا يأكل اللحم. وقيل: لأنه كان لا يأكل ما ذبح على النُّصُبِ.

الاختلاف في اسم آبي اللحم

     وقد اختلف في اسمه مع الاتفاق على أنّه منْ: غِفَار؛ فقال خليفة بن خياط: هو عبدالله بن عبد الملك. وقال الكلبي: آبي اللحم هو خَلَفُ بن مالك بن عبد الله بن حارثة بن غفار، من ولده: الحويرث بن عبد الله بن آبي اللحم. وقال الهيثم: اسمه خلف بن عبد الملك. وقيل: عبد الله بن عبد الله بن مالك بن عبد الله بن ثعلبة بن غفار، وذكره الدُّولَابِيُّ، وابْنُ السَّكَنِ في حرف اللام مِن كُنى الصحابة، وتبعهما ابن منده، وأنكر ذلك أبو نعيم فأصاب، قال: «آبي» اسم فاعل مِنَ الإباء كما تقدم، وليست أَداة كنية.

     قال ابنُ الأَثِيرِ بعد حكاية قول أَبِي نُعَيْمٍ: ذكره المُعَافِرِيُّ، وتوَهّم أنه كنيته وهو لقَب، لا ريب في أنه ليس بكنية، وإنَّ ذكره في الكنَى وَهْمٌ. قلت: لكن إفراد ابْن مِنْدَه بالوهم فيه ليس بإنصاف؛ فإنه قلّد ابن السكن، وابن السَّكن، عمدة فاللوم عليه أشدّ منه على ابن منده، قال المرزباني: اسمه عبد الله بن عبد ملك، كان شريفًا شاعرًا أدرك الجاهلية، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر. «أسد الغابة»ـ وروى حديثه الترمذي، والنسائي، والحاكم؛ وروى بسنده عن أبي عبيدة قال: آبِي اللحم اسمه عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن غِفَار، وكان شريفًا شاعرًا، وشهد حُنينًا ومعه مولاه عُمير. (الإصابة في تمييز الصحاب).

قوله: «أَمَرَنِي مَوْلَايَ»

     قوله: «أَمَرَنِي مَوْلَايَ» يفيد أنه كان مولى، و«أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا» أي: أُجففه له، والقديد: هو اللحم المُجفف، وقوله: «فجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ، فعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي» هذا محمولٌ على أنَّ عميراً تصدَّق بشيءٍ يظن أنّ مولاه يرضى به، ولم يرضَ به مولاه؛ فلهذا ضربه.

وقوله: «فَأَتَيْتُ رسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذلكَ لَهُ، فَدَعَاهُ فَقَال: «لِمَ ضَرَبْتَهُ؟» أي أنه شكى مولاه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاسْتدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأله عن ذلك.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الأجر بينكما»

     وفي البخاري: أأتصدَّقُ منْ مالِ مواليَّ بشيءٍ؟ قال: «نعم، والأجرُ بينكما نصفانِ»، أي: فلعمير أجر؛ لأنه فعل شيئاً يعتقده طاعة بنية الطاعة، ولمولاه أجر؛ لأنَّ ماله تلف عليه، ليس معناه أنَّ الأجر الذي لأحدهما يزدحمان فيه، بل معناه أنّ هذه النفقة والصدقة التي أخرجها المملوك أو الخازن أو المرأة ونحوهم بإذن المالك، يترتب عليها ثواب على قدر المال والعمل، فيكون ذلك مقسوماً بينهما، لهذا نصيب بماله، ولهذا نصيب بعمله، فلا يزاحم صاحب المال العامل في نصيب عمله، ولا يزاحم العامل صاحب المال في نصيب ماله، واعلم أنَّه لابد للخادم والخازن وللزوجة والمملوك مِنْ إذن المالك في ذلك، فإنْ لم يكن إذن أصلاً؛ فلا أجر لأحدٍ من هؤلاء الأربعة، بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه.

الإذن ضربان

     قال النووي: والإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم من اطِّراد العُرف والعادة ، كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به، واطرد العرف فيه، وعُلم بالعرف رضاء الزوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإنْ لم يتكلم، وهذا إذا علم رضاه لاطراد العرف، وعَلِم أنَّ نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك، والرضا به، فإن اضطرب العرف، وشك في رضاه، أو كان شخصا يشحُّ بذلك، وعلم من حاله ذلك، أو شك فيه، لم يجز للمرأة وغيرها التصدَّق من ماله إلا بصريح إذنه . انتهى

الحديث الثاني

عن أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ؛ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ».

قوله: «لَا تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ»

     شاهد أي: حاضر، والمقصود بذلك صيام التطوع، وأمّا صوم الفرض، وكذا القضاء الذي عليها من رمضان، أو كان عليها نذر فإنه يجب عليها أنْ تصومه ولو كان زوجها شاهداً، بل ولو كان غير راضٍ؛ لأنه لا خيار لها في ذلك، وطاعة الله -تعالى- مقدمة على طاعة الزوج، لكن صيام المرأة التطوع بحضرة زوجها إذا كان شاهداً ، يعني: غير مسافر وغير غائب، فإنه يكون فيه مظنة لتضييع وتعطيل حقوقه، فهي إذا صامت قد تفتر عن القيام بواجباته وحقوقه التي عليها، وكذلك أيضاً تتعطل عن الاستمتاع، فهذا حقّه، فلا يجوز لها أنْ تصوم إلا بإذنه؛ لأنّ ذلك يتصل بحقه.

     وإذا علمت المرأة أنَّ زوجها يأذن، وأنّه لا يمانع من هذا، فهي لا تحتاج أنْ تستأذن في كلّ مرة، كذلك لو كان الزوج قد تزوج بأخرى مثلاً، فهو يوم عند هذه ويوم عند هذه، فصارت تصوم يوماً وتفطر يوماً، فلها ذلك، ولا إشكال عليها، ولا تحتاج إلى الاستئذان منه، مع أنَّ زوجها حاضر؛ لأنه لا يحصل له بذلك تعطيلٌ لمصالحه.

قوله: «ولا تأذن في بيته إلا بإذنه»

لأنَّ للزوج سلطانا في بيته، ولا يجوز أنْ يدخل بيته أحدٌ لا يرتضيه، لا امرأة ولا رجل، لا من المحارم ولا من غير المحارم، وهذا من رعايتها لحق زوجها، فالمرأة راعية في بيتها، وهي مسئولة عن رعيتها.

     وقوله - صلى الله عليه وسلم-: «وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له» معناه: من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذنٌ عام سابق، متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن الذي قد أولناه سابقاً، إما بالصريح وإما بالعرف، ولا بد من هذا التأويل، لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل الأجر مناصفة، وهذا في القدر اليسير الذي يعلم رضا المالك به في العادة ، فإن زاد على المتعارف لم يَجز، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة» فأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أنَّه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة، ونبَّه بالطعام أيضا على ذلك؛ لأنَّه يسمح به في العادة، بخلاف الدراهم والدنانير في حقّ أكثر الناس، وفي كثير من الأحوال، وألا يكون فيه مفسدة على الزوج ولا ضرر لبيته وولده.

فوائد الحديث

- من فوائد الحديث أنَّ حقّ الزَّوجِ على زَوجتِه عظيمٌ، وطاعتُه في غيرِ معصيةِ اللهِ -تعالى- لازمةٌ.

- وفي هذا الحديثِ يُبيِّن الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - بعضَ حُقوقِه وبعضَ ما يلزمُ الزَّوْجةَ طاعتُه فيه، حيث نهى أنْ تَصومَ المَرأةُ وزَوجُها حاضِرٌ إلَّا بإذنِهِ.

- وكذلك نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الزَّوجةَ أنْ تُدْخِلَ أحَدًا بيتَ زوجِها، سواء كان رَجُلًا أم امرأةً إلَّا بإذنِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ إذا أنفَقَتِ المَرأةُ مِنْ كَسْبِ زَوجِها عن غيرِ أمْرهِ فله نِصفُ الأجرِ.

- وفي الحديث: أنَّ حَقَّ الزَّوجِ آكَدُ على المرأةِ مِنَ التَّطوُّعِ بالخيرِ؛ لأنَّ حقَّه واجبٌ، والقيامُ بالواجبِ مُقَدَّمٌ على القيامِ بِالتَّطَوُّعِ.

- وفيه: إثابةُ الإنسانِ على الخَيرِ إذا كان سببًا فيه، ولو لم يَعلَمْ.

- قال النووي -رحمه الله- بعد أنْ ذكر روايات عدة في هذا المعنى: «معْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيث: أَنَّ المُشَارِك في الطَّاعَة: مُشَارِكٌ فِي الْأَجْر، ومعْنَى المُشَارَكَة: أَنَّ له أَجْرًا كما لصَاحِبِهِ أَجْر، وليْس معْنَاهُ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي أَجْره، والمُرَاد المُشَارَكَة فِي أَصْل الثَّوَاب، فَيَكُون لِهَذَا ثَوَاب وَلِهَذَا ثَوَاب، وإِنْ كَانَ أَحَدهمَا أَكْثَر، ولَا يَلْزَم أَنْ يَكُون مِقْدَار ثَوَابهمَا سَوَاء، بل قَدْ يَكُون ثَوَاب هذا أَكْثَر، وقَدْ يَكُون عَكْسه، فَإِذَا أَعْطَى المَالِك لِخَازِنِهِ أَو اِمْرَأَته أَوْ غيرهما مِائَة دِرْهم أَوْ نحوها؛ لِيُوصِلها إِلى مُسْتَحِقّ الصَّدَقَة على باب دَاره أَوْ نَحْوه؛ فَأَجْر المَالِك أَكْثَر، وإِنْ أَعْطَاهُ رُمَّانَة أَوْ رَغِيفًا ونَحْوهما مِمَّا لَيْسَ له كَثِير قِيمَة، لِيَذْهَب بِه إِلى مُحْتَاج فِي مَسَافَة بَعِيدَة، بِحَيْثُ يُقَابِل مَشْيَ الذَّاهِب إِلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيد عَلَى الرُّمَّانَة والرَّغِيف، فَأَجْر الوَكِيل أَكْثَر، وقَدْ يَكُون عَمَله قَدْر الرَّغِيف مَثَلًا، فَيَكُون مِقْدَار الْأَجْر سَوَاء» انتهى.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك