رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 ديسمبر، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ

 

عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه -: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/697) باب: بيان أنَّ اسم الصَّدقة يقع على كلِّ نوعٍ مِنَ المعروف، ورواه البخاري في الزكاة (6021) باب : كل معروفٍ صدقة، عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -ما بمثله.

     قوله : «كُلُّ مَعْرُوفٍ» المعروف في اصْطلاح الشارع: ما عُرف حُسْنُه بالشَّرع، وبإزائه المُنكر، وهو ما أَنْكره وحَرّمه، كذا قال القاضي، وقال الراغب: المعروف اسْمٌ لكلِّ ما عُرف حُسْنه بالشرع والعقل معاً، وقوله: «صدقة»: أي له حُكمها في الثواب، وهي من كلام مَنْ أعطي جوامع الكلام، ويا لها من كلمةٍ عظيمة جامعة للخيرات، وكلام بليغ محيط بأصْناف البر والبركات.

الحث على صنع المعروف وبذله

     وقد جاءت أدلة كثيرة من الكتاب والسنّة، تحث على صنع المعروف وبذله، وعلى تنوع صوره وأشكاله، قال الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنُوا ارْكعوا واسْجُدوا واعْبُدُوا ربَّكم وافْعَلوا الخَيرَ لعلكم تُفْلحون} (الحج: 77)، فقوله {وافعلوا الخير} أمر يشمل كلَّ خير، وقال -تعالى-: {لا خيرَ في كثيرٍ منْ نَجْواهم إلا مِنْ أَمَرَ بصَدقةٍ أو مَعْروفٍ أو إصْلاحٍ بين الناس} (النساء: 114)، وقال -تعالى-: {وأحْسِنُوا إنَّ اللهَ يُحبُّ المُحْسِنين} (البقرة: 195).

المقصود بالمعروف

     فالمعروف المقصود هنا: هو فعلُ الخير وإسداؤه للعباد، سواء كان هذا الخير مالاً كالصدقة، والإطعام، وسقاية الماء، وسداد الديون، أم جاهاً كما في الإصلاح بين المتهاجرين والشفعة لذي الحاجة، وبذل الجاه، والعلم والتعليم، أم سائر المصالح التي يحتاجها الناس، كحسن المعاملة وإماطة الأذى وعيادة المرضى.

تنوع سبل الصدقات

     ومن النصوص التي أشارت إلى تنوع هذه العبادة: ما رواه أبو ذر قال: قلتُ: يا رسول الله، ذهبَ الأغنياءُ بالأجر، يُصلُّون ويَصُومون ويحجون، قال: «وأنتم تُصَلون وتَصومون وتحجُّون» قلت: يَتَصدَّقون ولا نَتَصدَّق، قال: «وأنتَ فيك صدقة، رفعك العَظْم عن الطَّريق صَدَقة، وهدايتك الطَّريق صَدَقة، وعَونِك الضعيفَ بِفْضل قُوَّتك صَدقة، وبيانك عن الأرثم (الذي لا يبين الكلام) صدقة، ومُبَاضَعتك امرأتك صدقة» قال: قلتُ: يا رسول الله، نأتي شَهْوتنا ونُؤجر؟ قال: «أرأيتَ لو جعلته في حَرام أكانَ تأثم؟» قال: قلت: نعم، قال: «تَحْتَسبُون بالشَّر، ولا تَحْتَسبُون بالخير؟». رواه أحمد (20856).

     وعن أبي موسى الأشعري: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «على كلِّ مُسْلم صَدَقة»، فقالوا: يا نبي الله، فمَنْ لم يجد؟ قال: «يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق»، قالوا: فإنْ لم يَجِد؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف»، قالوا: فإنْ لم يجد؟ قال: «فليَعْمل بالمعروف، وليُمْسك عنْ الشَّر، فإنَّها له صَدقة». رواه البخاري (1445)، مسلم (1008).

     وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «كلُّ سُلامى عليه صدقة كل يوم، يُعين الرجل في دابته يحامله عليها ، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة وكل خُطْوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ودلَّ الطريق صدقة». البخاري (2891)، مسلم (1009).

المعروف باب واسع

     فدلَّت الأحاديث السابقة: أنَّ المعروف باب واسع، فمن المعروف: إماطة الأذى عن الطريق، وعزل العظم والشوكة، وجميع ما يؤذي، ومن المعروف: هداية الأعمى إلى المساجد والطرق، وهداية الحيران والتائه، وأنْ تسمع الأصم، وتطعم الجائع، وتسقي الظمآن، وتغيث المكروب واللهفان، ومن المعروف: إعانة أصحاب الحوائج من الأقارب والأباعد والجيران، والعفو عمن ظلمك ، ومقابلة الإساءة بالإحسان.

الدعوة إلى الطعام و الشراب

     ومن المعروف: الدعوة إلى طعام أو شراب، للأغنياء والفقراء، والبعداء والأقرباء، وسماحك لمن ينتفع بشيء من ملكك من ماء وماشية ونخلٍ وشجر، بلبن أو خوصٍ، أو حطب أو ثمار، وإعانة المسلم بكتابةِ وعمل صنعة، ونقل متاعٍ، ومن المعروف بذل الفضل في البيع والشراء والسماحة فيها.

الإحسان إلى المماليك والخدم

     ومن المعروف: الإحسان إلى المماليك والخدم ، وسائر الحيوان، ففي كل كبد حرَّاء أجر، ومن المعروف أن تبذل لغيرك دواءً نافعًا، أو تباشره بطب، أو تصف له حِميَةً أو دواءً ناجعًا، فكل ما أوصلته إلى الخلق من البر والإحسان والتكريم، فإنه داخل في خطاب الله الكريم: { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المزمل: 20).

فوائد الحديث

- في الحديث الحث على فعل الخير مهما أمكن، وأنه لا ينبغي للمسلم أنْ يحتقر شيئًا من المعروف.

-  والمعروف كما قال الماوردي: «نوعان: قولٌ، وعمل؛ فالقول: طيبُ الكلام، وحسن البشر، والتودّد بجميل القول، والباعث عليه حسن الخُلُق، ورقة الطبع. والعمل: بذل الجاه، والإسْعاف بالنفس، والمعونة في النائبة، والباعث عليه حبُّ الخير للناس، وإيثار الصلاح لهم، وهذه الأمور تعود بنفعين: نفعٌ على فاعلها في اكتساب الأجر، وجميل الذكر، ونفعٌ على المعان بها، في التخفيف والمساعدة، فلذلك سماه هنا: صدقة».

- وفي الحديث: يُسْرُ الشريعة، واستيعابها للناس كافة وقدراتهم؛ ففعل المعروف وتحصيل الثواب؛ لا يختصُّ بأهل اليساروالغنى؛ بل كلّ مسلم قادر على أنْ يفعل أنواعًا من المعروف؛ منْ ذِكْرٍ وتسبيحٍ ودعاء، ونصيحة، وأمرٍ بمعروف، ونهي عن منكر، وإرشاد ضال، ومواساة محزون إلى غير ذلك من صنوف المعروف.

-  على المسلم أنْ يجتهد في فعل المعروف، وأن يأتي منه ما يستطيعه ولا يشق عليه، فبفعل المعروف يعظم أجره، وتكثر حسناته، ويطيب عيشه، وتطمئن نفسه، وتتوثق صلته بمن حوله، إنْ صلحت نيته.

- وكما دخل في هذا الحديث أنواع الإحسان الدنيوي، يدخل فيه الإحسان الديني، فمن علَّم غيره علمًا، أو أهدى له نصحًا، فقد تصدَّق عليه، ومن نبَّهه على مصلحة دينية أو دنيوية، أو حذَّره منْ مضرة، فقد أحسن إليه.

فيا أيها العبد، لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، ولو أنْ تلق أخاك بوجه طلق، وتباشر جليسك بالبشاشة وحُسن الخلق، ولو أن تفرغ الدلو للمستقي والمتوضئ، ولو أن تُعير حبلاً أو إناء للمستعير، وكلما كانت العاريَّةُ أنفعَ كان أجرها أفضل.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك