رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 فبراير، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: في زكاة الفِطْر على المُسلمين مِنَ التَّمر والشعير

 

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، الحديث أخرجه مسلم في الزكاة(2/677)، وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري، وأخرجه البخاري في الزكاة (1503) وغيرها، باب فرض صدقة الفطر، ورأى أبوالعالية، وعطاء وابن سيرين صدقة الفطر فريضة.

     قوله: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَض الفَرْض يأتي بِعِدّة معاني، ومِنه: القَطْع والوجوب، والفَرْض هنا بمعنى الواجب، وهو ما قال به أبوالعالية وعطاء وابن سيرين، كما نقل البخاري عنهم، لتصريحهم بذلك، وإلا فقد قال ابنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ تُحْفَظُ عنه مِنْ أَهْلِ العِلْمِ ، على أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرْض، وقال إِسْحَقُ: هو كالإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، نَقَله ابن قدامة في المغني، قال البيهقي: وقد أجمعَ العلماء على وجوب صدقة الفطر.

الأمر بزكاة الفطر

     وقال ابن عبد البر: فأما قوله في حديث ابن عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فمعْنَاهُ عندَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا أَوْجَبَهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَبِأَمْرِ اللَّهِ أَوْجَبَهُ، وما كَانَ لِيَنْطِقَ عَنِ الْهَوَى؛ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وقال جُمْهورٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ ومَنْ بَعْدَهم: هِيَ فَرْضٌ واجِبٌ، على حَسَبِ مَا فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ . اهـ .

     وقال ابن قدامة: وقالَ بعضُ أَصْحابِنَا: وهَلْ تُسَمَّى فَرْضًا مَعَ القولِ بِوُجُوبِهَا؟ على رِوَايَتَيْنِ، والصَّحِيحُ: أَنَّهَا فَرْضٌ، لِقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، ولإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ علَى أَنَّهَا فَرْضٌ؛ وَلأَنَّ الْفَرْضَ إنْ كان الْوَاجِبَ؛ فهِيَ وَاجِبَةٌ، وإِنْ كَانَ الوَاجِبَ المُتَأَكِّدَ؛ فهِيَ مُتَأَكِّدَةٌ، مُجْمَعٌ عليها . اهـ .

وقال النووي: زكاة الفطر واجبةٌ عندنا، وعند جماهير أهل العلم، وقد قال الحنفية: بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم في التفرقة بينهما.

الأقوات المذكورة

     قوله: «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ؛ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»، الأقوات المذكورة في هذا الحديث، وفي حديث أبي سعيد الآتي بعده، ليست على سبيل الحَصر، وإنما هي على سبيل المثال، فلو أُخْرِج ما في حُكمها مما يَقتات عليه الناس ويُدّخر، أجزأه ذلك .

عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ

     قوله: «عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ»، فيه: أنَّ زكاة الفطر مِن رمضان، يجب أنْ تُؤدّى عن الصغير والكبير، والعبد والْحُرّ، ويُخاطَب بها الوليّ والسِّيِّد، ويُخْرِجها الرَّجل عن نفسه، وعن أهله وأولاده، ومَن تَجِب عليه نَفَقتُهم، وروى نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- حديث صدقة الفطر، ثم قال نافع: فكان ابن عمر يُعطي عن الصغير والكبير، حتى إنْ كان يُعطي عن بَنِيّ، وقال الزهري في المملوكين للتجارة: يُزَكّى في التجارة ويزكى في الفطر، إذاً لا يُخاَطب العبد المملوك ولا الصغير بِزكاة الفِطر، وإنما يُخاطَب بها ولِيُّه .

عنْ نَفْسِهِ وعَنْ عِيَالِهِ

     قال ابن قدامة: ويَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عنْ نَفْسِهِ، وعَنْ عِيَالِهِ، إذا كان عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وعِيَالُ الإِنسانِ: مَنْ يَعُولُهُ. أَيْ: يَمُونُهُ فَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُمْ، كَما تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ، إذا وَجَدَ ما يُؤَدِّي عنهم، لحدِيثِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِير، حُرٍّ وَعَبْدٍ، مِمَّنْ تَمُونُونَ. اهـ، والحديث الذي ذكره، أخرجه الدارقطني (220) والبيهقي (4/161) وغيره، وهو حديث حسن بطرقه، وانظر: نصب الراية (2/413)، والإرواء (835).

أحسن ما سمعت

     قال الإمام مالك: أحسن ما سمعت: أنّ الرجلَ تلزمه زكاة الفطر عمّن تلزمه نفقته، ولابُدّ له مِنْ أنْ يُنفق عليه، وعن مكاتبه ومُدَبّريه ورقيقه، غائبهم وشاهدهم ، للتجارة كانوا أو غير تجارة، إذا كان مسلمًا، وقال ابن القصار: لم يَختلف علماء الأمصار: أنّ على السّيد أن يُخرجَ زكاة الفطر عن عبيده المسلمين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «ليسَ في العَبْد صَدَقةٌ، إلا صَدقة الفِطْر». رواه مسلم ، كذلك الخَادم في المنزل، والعَامل لديك ليس في حُكم الرقيق، تخرج عنه زكاة الفطر، ما دمت قائما بطعامه وشرابه .

زكاة الزوجة

     وأما الزوجة فعند الأئمة الثلاثة والليث وإسحق: أنّ الزوج يلزمه إخْراج زكاة الفطر عن زوجته؛ لأنها تابعة للنفقة، وهو الصحيح، وذهب أبو حنيفة إلى أنّ ظاهر قوله: «ذكر أو أنثى» أنها تجب على المرأة بنفسها، سواءً أكان لها زوج أم لا، وأنها تجب على الزوجة في نفسها، ويلزمها إخراجها مِنْ مالها، وهو مذهب الظاهرية، وقوله في الحديث: «مِمَّنْ تَمُونُونَ» ردٌ عليهم .

اليتيم والجنين

     وتَجِبُ زكاة الفطر على الْيَتِيمِ، إذا كان له مال، قال ابن قدامة: وتَجِبُ على الْيَتِيمِ، ويُخْرِجُ عنه وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ، لا نَعْلَمُ أَحدًا خَالَفَ في هذا. اهـ ، ويُستَحب أن تُخرَج عن الجنين في بطن أمه، عند أحمد وغيره، ولا تَجِب عنه ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين.

لا تجبُ عن الكافر

     قوله: «مِنْ الْمُسْلِمِينَ»، فيه: أنها لا تجبُ عن الكافر، كما لا تَجب عليه، ويُخرج غير المسلمين جميعاً مِن ذِمِّي وكِتابِيّ وغيرهم، ولا يَصِحّ إخْراجها عن الذِّمِّي، ولا عن المملوك إذا كان كافراً، قال الإمام الشافعي: وفي حديث نافع دلالة على أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَفرضها إلاّ على المُسلمين؛ وذلك موافقة لكتاب الله -عز وجل-؛ فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا ، والطهور لا يكون إلاّ للمسلمين، وقال: لا زكاة فِطر إلاّ على مسلم. اهـ، وقال ابن عبد البر بعد ذِكر آثار في المسألة: فهذهِ الآثَارُ كُلُّها تَشْهَدُ بِصِحَّةِ مَنْ قال: إِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لا تَكُونُ إِلاَّ عَنْ مُسْلِمٍ. اهـ، وقال ابن قدامة: وَلا يُعْطَى الْكَافِرُ مِنْ الزَّكَاةِ، إلاَّ لِكَوْنِهِ مُؤَلَّفًا. اهـ. وقال النووي: قال أصحابنا: شروط وجوب الفطرة ثلاثة: الإسلام ، والحرية، واليسار.

مسألة

هل يَصِح أن يُعْطَى الكافِر مِن زكاة الفِطر، أم لا ؟

والجواب: الأصل أنه لا يُعْطَى الكافِر مِن زكاة الفِطر، ولا مِن زكاة المال، إلاّ مَن كان مِن المؤلَّفَة قلوبهم .

وإذا قِيل: إنّ صدقة الفِطر تابعة للبدَن، وتُسمى: زكاة البدن، وزَكاة الـنَّفْس، وكانت طُهْرَة للصائم مِن اللغو والرفث؛ فلِماذا تُخرج عن الصغير؟

- الجواب: الصغير دخل في التغليب، سواء كان مِمّن يُعوَّد على الصيام أم لا، ولم تُشرع ابتداء في حق الصغير، وإنما جاء تبعًا للكبير، كذلك يَرى العلماء أن زكاة الفطر تابعة للجَسد؛ فتُخرَج حيث يَكون الشخص، ويجوز إخراجها في غير بلد الشخص، إذا دَعَتْ الحاجة، أو سافَر ووكَّل غيره.

القيمة لا تجزيء

     لا يُجزئ إعطاء القيمة بَدَل الطعام، وهذا قول جمهور أهل العلم، قَالَ أَبو طَالِبٍ: قال لِي أَحْمَدُ: لا يُعْطِي قِيمَتَهُ، قِيل له: قَوْمٌ يَقُولُونَ، عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ كان يَأْخُذُ بِالقِيمَةِ؟ قال: يَدَعُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَيَقُولُونَ قَال فُلانٌ! قال ابنُ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وقَال اللَّهُ -تعالَى-: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، وقَال قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ: قال فُلانٌ، قال فُلانٌ. انتهى، وسيأتي الكلام عليه.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك