رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 فبراير، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: في التَّرغيب في الصّدقة (1)

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا، تَأْتِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ، وعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا دِينَارٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ عَلَيَّ». في الباب حديثان: الحديث الأول: أخرجه مسلم في الزكاة (2/687) باب تغليظ عقوبة مَنْ لا يُؤدي الزكاة.

قوله: «فقال: يا أبا ذر، فقلت: لبيك يا رسول الله» زاد في رواية عند أحمد: «فقال: يا أبا ذر، أي جبلٍ هذا؟ قلت: أحد» وفي رواية في الزكاة: «يا أبا ذر، أتُبْصُر أحُداً؟» قال: فنظرتُ إلى الشَّمس ما بقي من النهار، وأنا أرى أنْ يُرسلني في حاجة له، فقلت: نعم.

قوله: ما يسرني أنَّ لي أحداً ذهباً

     قوله: «ما يسرني أنّ عندي مثل أحُد ذَهَبا، تأتي علي ثالثة، وعندي منه دينار»، وفي رواية «ما أحبُّ أنّ لي أُحُداً ذهبا، يأتي علي يومٌ وليلة أو ثلاث، عندي منه دينار»، وفي رواية «ما أحبُّ أنّ لي أُحدا ذاك ذَهَبا»، وفي رواية البخاري في الاستئذان: «فلما أبصرَ أحُدا، قال: ما أحبُّ أنه تحوّل لي ذهبا، يمكثُ عندي منه دينار فوق ثلاث»، تحوّل لي ذهبا: أي صار، وقد اختلفت ألفاظ رواته عن أبي ذر أيضا، ففي رواية بعد قوله: قلت أحد؟ قال: «والذي نفسي بيده، ما يسرّني أنه ذهب قطعا، أنفقه في سبيل الله، أدع منه قيراطا»، وفي رواية: «ما يسرني أنَّ لي أحداً ذهباً، أموتُ يوم أموت، وعندي منه دينار أو نصف دينار».

قوله: «تمضي علي ثالثة»

قوله: «تمضي علي ثالثة» أي: ليلة ثالثة، قيل: وإنّما قيد بالثلاثة لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا ويعكر عليه رواية «يوم وليلة» فالأولى أن يقال الثلاثة أقصى ما يحتاج إليه في تفرقة مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن.

قوله: «إلا شيئا أرْصده لدينٍ»

     قوله: «إلا شيئا أرْصده لدينٍ» أي: أعدّه أو أحْفظه، وهذا الإرْصاد أعمّ من أنْ يكون لصاحب دينٍ غائب، حتى يحضر فيأخذه، أو لأجل وفاء دين مُؤجّل، حتى يحل فيوفى، ووقع في رواية: «إلا دينار» بالرفع والنصب والرفع جائزان، لأنَّ المستثنى منه مطلق عام، والمستثنى مقيد خاص، فاتجه النصب، وتوجيه الرفع أن المستثنى منه في سياق النفي، وجواب «لو» هنا في تقدير النفي، ويجوز أنْ يُحمل النّفي الصريح في «أنلا يمر عليَّ حمل إلا على الصفة، وقد فسّر الشيء في هذه الرواية «بالدينار». ووقع في رواية» وعندي منه دينار أو نصف دينار»، وفي رواية: «أدع منه قيراطا» قال: قلت: قنطارا؟ قال: «قيراطا»، وفيه» ثم قال: يا أبا ذر، إنما أقولُ الذي هو أقلّ»، ووقع في رواية «ما أحبُّ أن لي مثل أحُد ذهباً، أنفقه كله، إلا ثلاثة دنانير» فظاهره نفيُ محبّة حصول المال، ولو مع الإنفاق وليس مرادا وإنما المعنى نفي إنفاق البعض مقتصراً عليه، فهو يحب إنفاق الكل إلا ما استثنى ، وسائر الطرق تدل على ذلك، ويؤيده أنّ في رواية عن أبي هريرة عند أحمد: «ما يَسُرني أنَّ أحُدَكم هذا ذهباً، أنفق منه كل يوم في سبيل الله، فيمر بي ثلاثةُ أيام وعندي منه شيء، إلا شيءٌ أُرْصده لدين». ويحتمل أن يكون على ظاهره، والمراد بالكراهة الإنفاق في خاصة نفسه، لا في سبيل الله، فهو محبوب.

قوله: «إلا أنْ أقول به في عباد الله»

     هو اسْتثناء بعد استثناء فيفيد الإثْبات، فيؤخذ منه أنّ نفي محبة المال، مُقيدة بعدم الإنفاق، فيلزم محبة وجوده مع الإنفاق، فما دام الإنفاق مُستمراً لا يكره وجود المال، وإذا انتفى الإنفاق، ثبتت كراهية وجود المال، ولا يلزم من ذلك كراهية حصول شيءٍ آخر، ولو كان قَدْر أحُد أو أكثر مع اسْتمرار الإنفاق.

قوله: «هكذا وهكذا وهكذا»

     وقوله: «هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه» هكذا اقتصر على ثلاث، وحمل على المبالغة، لأنَّ العطية لمن بين يديه هي الأصل، قال الحافظ: والذي يظهر لي أنَّ ذلك من تصرفات الرواة ، وأن أصل الحديث مشتملٌ على الجهات الأربع، ثم وجدته - أي كذلك- في الجزء الثالث من «البشرانيات»، فاشتملت هذه الروايات على الجهات الأربع، وإنْ كان كل منها اقتصر على ثلاث، وقد جمعها عبد العزيز بن رفيع في روايته ولفظه «إلا من أعطاه الله خيراً -أي مالا- بنون وفاء ومهملة، أي أعطى كثيراً بغير تكلف- يمينا وشمالا وبين يديه ووراءه»، وبقي من الجهات فوق وأسفل، والإعْطاء من قبل كل منهما ممكن، لكنْ حُذف لنُدوره، وقد فسّر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية، وليس قيدا فيه، بل قد يَقْصِد الصحيحُ الإخْفاء، فيدفع لمن وراءه مالا يعطي به من هو أمامه.

     وقوله «هكذا» صفة لمصدر محذوف، أي أشار إشارة مثل هذه الإشارة، وقوله: «من خلفه» بيان للإشارة وخصّ عن اليمين والشمال، لأن الغالب في الإعطاء صدوره باليدين، وزاد في رواية عبد العزيز بن رفيع «وعمل فيه خيرا» أي: حسنة، وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرًا. وفي قوله «وعمل فيه خيرا» فمعنى الخير الأول المال والثاني الحسنة.

رواية البخاري

     زاد في رواية للبخاري: «ثم مَشى ثم قال: ألا إنّ الأكْثرين هم المُقلّون يوم القيامة» في رواية في الاستئذان «هم الأقلون» بالهمز في الموضعين، وفي رواية: «إن المكثرين هم المقلون» بالميم في الموضعين، ولأحمد: «إنّ المكثرين الأقلون» والمراد: الإكثار من المال، والإقلال من ثواب الآخرة، وهذا في حق من كان مكثرا، ولم يتَّصف بما دلّ عليه الاستثناء بعده من الإنفاق، قال: «وقليلٌ ما هم» ما: زائدة مُؤكدة للقلة، ويحتمل أنْ تكون موصوفة، ولفظ قليل: هو الخبر، وهم هو المبتدأ، والتقدير: وهم قليل: وقدم الخبر للمبالغة في الاختصاص.

الحديث الثاني

524.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَال: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟ قَال: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ» قَالَتْ يا رسولَ اللَّهِ ، وما نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَال: «أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فهذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيَالِي ما تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ»، الحديث، أخرجه مسلم في الإيمان (1/86-87) باب بيان نقْصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النَّعمة والحقوق، وقد رواه أيضًا: عن جَابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ قال: شَهِدْتُ مع رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلَّم الصَّلاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا على بِلالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، ووَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَال: «تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ» فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: «لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» قال: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ في ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ. رواه مسلم (885).

 

يتبع إن شاء الله

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك