رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 يونيو، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب الصَّدقة على الزَّوج والوَلد

 

عن زينب الثقفية (امرأة عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنهما- قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «تصدَّقنَ يا مَعْشَرَ النِّساءِ، ولو منْ حُليّكنَّ». قالت: فرجعتُ إلى عبد الله بنِ مسعود، فقلت: إنك رجلٌ خفيف ذاتِ اليد، وإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدْ أمَرَنا بالصَّدقة، فائته فاسْأله، فإنْ كان ذلك يُجْزئ عني، وإلا صَرفْتُها إلى غيركم؟ فقال عبد الله: بل ائْتِيه أنتِ، فانطلقتُ فإذا امرأةٌ منَ الأنصار ببابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حاجتِي حاجَتُها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيتْ عليه المَهَابة، فخرجَ علينا بِلالٌ - رضي الله عنه -، فقُلنا له: ائتِ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- فأخْبره أنَّ امرأتين بالباب تَسْألانك، أتُجْزئ الصَّدقةُ عنهما على أزْواجهما، وعلى أيتامٍ في حُجُورهما؟ ولا تخبره مَنْ نحن؟ قالت: فدخل بلال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسأله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «من هما؟». فقال: امرأةٌ من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أي الزيانب؟» قال: امرأة عبد الله بن مسعود. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لهما أجْرانِ: أجْرُ القرابة، وأجْرُ الصدقة»، الحديث رواه مسلم في الزكاة في باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، ورواه البخاري برقم ( 1466).

زينب الثقفية (امرأة عبد الله بن مسعود) صحابية، هي زينب بنت معاوية، ويقال: بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب الثقفية, ويقال لها أيضا: ريطة. روى عنها ابنها أبوعبيدة وعمرو بن الحارث وعدة.

يا معشرَ النساءِ تصدقْنَ

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «تصدَّقنَ يا مَعْشَرَ النِّساءِ، ولو منْ حُليكنَّ». وفي رواية أحمد: «يا معشرَ النساءِ تصدقْنَ ولو من حُليِّكنَّ، فإنكنَّ أكثرُ أهلِ جهنمَ يومَ القيامةِ» قال: فقامت امرأةٌ ليست من عليةِ النساءِ، فقالت: بِمَ نحن أكثرُ أهلِ جهنمَ يومَ القيامةِ؟ قال: فقال: إنكنَّ تُكثرنَ اللعنَ، وتكفرنَ العشيرَ».

تَعَهُّدُ النساء بالموعظة

     كان - صلى الله عليه وسلم- يتعهَّد النساء بالموعظة، كما يَتعهّد الرجال، وكثيراً ما كان يُذَكّرهن باعْوجاجهن وأمراضهن، ويطلب منهن إصلاح أنفسهن، وعلاج أدوائهن، فقال لهن: «يا معشر النساء، تصدقنّ فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تُكْثرن اللّعن، وتَكْفرن العَشير...». وقد جاء أن ذلك كان في يوم الأضحى أو الفطر، وقوله: «تصدَّقنَ يا مَعْشَرَ النِّساءِ، ولو منْ حُليكنَّ» استدلّ به بعض العلماء على عدم وجوب الزَّكاة في الحليِّ، إذْ لو كانت واجبةً في الحليِّ، لما جعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مضربًا لصدقة التطوُّع، وليس فيه دلالة ظاهرة على ذلك، بل تعارضه أحاديث صريحة، في وجوب الزكاة في الذهب الملبوس.

أتُعطينَ زَكاةَ هذا؟

     كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أنَّ امرأةً أتت رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ومعها ابنةٌ لها وفي يدِ ابنتِها مَسكتانِ غليظتانِ مِن ذهبٍ، فقالَ: « لها أتُعطينَ زَكاةَ هذا؟» قالت: لا، قالَ: « أيسرُّكِ أن يسوِّرَكِ اللَّهُ بهما يومَ القيامةِ سوارينِ من نارٍ؟» قالَ: فخلعَتْهما فألقتْهما إلى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وقالت: هما للَّهِ -عزَّ وجلَّ- ولرسولِه. رواه أبوداود وحسّنه الألباني، فالراجح: أنّ فيها الزَّكاة إذا بلغَتِ النِّصابَ، وحال عليها الحَوْلُ، وهو العامُ القمريُّ، وفي الحديث: جواز اتخاذ الحُليّ منَ الذهب للنساء، وهو قول عامة أهل العلم.

وفي الحديث المشهور: قال - صلى الله عليه وسلم -: «حُرِّمَ لباسُ الحريرِ والذَّهبِ على ذُكورِ أمَّتي، وأُحلَّ لإناثِهم». أخرجه الترمذي(1720) واللفظ له، والنسائي(5148)، وأحمد (19533) عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه.

رؤية النبي للنساء بأنهن أكثر أهل النار

     واختلف العلماء في رؤيته - صلى الله عليه وسلم - النساء أكثر أهل النار، هل هي رؤية عين في اليقظة؟ أو رؤية منام؟ أو رؤية علمية؟ والمختار أنها رؤية عين في اليقظة. فقال بعضهم إنه - صلى الله عليه وسلم - رأى النار فِعْلا ليلة الإسراء، وهذا على مذهب أهل السنة، القائلين بأنَّ الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن.

وقيل: إنها مُثّلت له - صلى الله عليه وسلم - النار، ويؤيده حديث أنس في البخاري: «لقد عُرضَت عليَّ الجنة والنار آنفا، في عرض هذا الحائط، وأنا أصلي». وفي رواية:»لقد مُثّلت»، وفي رواية لمسلم «لقد تَصَوَّرت».

وقد وردت أيضاً رؤيته - صلى الله عليه وسلم - الجنة والنار، في صلاة الكسوف، ووردت في الإسْراء، ووردت في صلاة الظهر، قال الحافظ ابن حجر: ولا مانع أنْ يرى الجنة والنار مرتين، بل مراراً، على صور مختلفة. اهـ.

 قولها: «إنك رجلٌ خفيف ذاتِ اليد» كناية عن الفقر والحاجة.

أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصَّدقة

قولها: «وإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدْ أمَرَنا بالصَّدقة، فائته فاسْأله، فإنْ كان ذلك يُجْزئ عني، وإلا صَرفْتُها إلى غيركم « فيه اسْتجابة الصّحابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأوامره وإرشاداته.

قولها: « فقال عبد الله: بل ائْتِيه أنتِ» فيه: اسْتحياء ابن مسعود من هذا السؤال الذي يخصّه.

وفيه: طلبُ الترقي في تَحمِّل العلم، فأمرها أنْ تذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسها، لتتأكد من الفُتيا، وتتحمّلها بأقرب الطرق.

دفع المرأة زكاتها إلى زوجها

     قولها: « أتُجْزئ الصَّدقةُ عنهما على أزْواجهما، وعلى أيتامٍ في حُجُورهما؟» قال ابن بطال: «اختلفوا في المرأة هل تُعْطي زوجَها الفقير من الزكاة؟ فأجازه الشافعي لهذا الحديث، ولأنه داخل في جُملة الفقراء. وقال أبو حنيفة ومالك: هذا ورد في التطوع لا في الزكاة، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز أنْ تنفق على ولدها مِنَ الزكاة، فلما كان إنفاقها على الوَلد من غير الزكاة، فكذا ما أنفقت على زوجها.

     والقول الصحيح: جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها مُطلقًا، إذا كان فقيراً أو محتاجاً، وذلك لقوة الأدلة التي استند إليها أصحاب هذا القول، ولا سيما عموم آية دفع الصدقات، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة: 60، وفي حديث زينب هذا زوجة ابن مسعود -رضي الله عنهما-، دليلٌ واضح فيها، ولم يوجد ما يُخصّص هذين الدليلن، وفي الرواية الأخرى: قال - صلى الله عليه وسلم - لها: «زوجك وولدك أحقُّ مَنْ تصدقتِ به عليهم» قال ابن التين: لم يخصْ فَرْضا من تطوع.

وأيضاً: فإنَّ الأصل أنَّ كلَّ مَنْ لا تجبُ نفقته عليك، فإنه يَجوز أنْ تدفع إليه الزكاة، لذلك لايجوز للرجل أنْ يدفع زكاة ماله لزوجته، ولا لأبنائه، لأنّه بذلك يُسقط حقاً واجباً عليه، وهو النفقة عليهم, لكن لو كان على الابن دَينٌ، فلا بأسَ بسداده من زكاة أبيه، لأنّ الدين خارج عن النفقة.

     قوله: «فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «منْ هما؟». فقال: امرأةٌ من الأنصار، وزينب». قال القرطبي: ليس إخبارُ بلال باسْم المرأتين في الرواية الآتية، بعد أنْ استكتمتاه، بإذاعة سِرٍّ، ولا كشف أمانة، لوجهين: أحدهما: أنهما لم تُلزماه بذلك، وإنما علم أنّهما رأتا ألا ضرورة تَحُوج إلى ذكرهما، ثانيهما: أنه أخبر بذلك جواباً لسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكون إجابته أوجبُ منَ التمسّك بما أمرتاه بعرض الكتمان، وهذا كله بناء على أنّه التزم لهما بذلك، ويحتمل أنْ تكونا سألتاه، ولا يجب إسْعاف كل سائل.

قوله: «لهما أجْرانِ: أجْرُ القرابة، وأجْرُ الصّدقة» أي: أجرُ صِلة الرحم, وأجر ثواب الصّدقة.

من فوائد الحديث

(1) ترغيب وليُّ الأمر الناس في أفعال الخير، سواءً الرجال أم النساء.

(2) موعظة النساء خاصة، فربما كان لهن من الأسئلة ما يخُصُّهن.

(3) جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها، حيث حثّ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء على التصدق من حليهن، وهن بعيدات عن أزواجهن، وهو مَحْمول على التبرعات اليسيرة، التي لا تضرُّ ببيتها وزوجها.

(4) جواز الحديث مع النساء الأجانب للحاجة، عند أمْن الفتنة.

(5) الحثّ على صلة الأرحام والأقارب، وأنهم أولى الناس ببرك وإحْسانك وصدقتك، قال -تعالى-: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (الأنفال: 75)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّحِم شِجْنة مِنَ الرَّحمن، فقال الله: مَن وَصلك وصلتُه، ومَن قطعك قطعته». رواه البخاري. شجنة: أي الرحم مشتقة من اسم الرحمن.

(6) مشروعية الاستئذان، وأنه أدبٌ إسلامي رفيع, ومشروعية اسْتئذان النساء على الرجل وهو مع أهله، وسؤال الرجل قبل الإذن عمن يستأذن عليه، وأنه إذا لم ينسب إليه من يستأذن، سأل أنْ يُنْسب.

(7) أهمية السؤال في الفتيا، وفي طلب العلم من أهله المعتبرين.

(8) على قدْر السؤال، وفَهْم المُفتي تكون الإجابة، لذا على السائل الدقّة في طرح السؤال.

(9) من أوائل مفاتيح العلم السؤال.

(10) حرص هذه الصحابية على بيتها، وزوجها.

(11) فضل الصدقة، ومكانتها في الإسْلام، فهي شَعيرة عظيمة مِنْ شعائره، ودعامة أساسية في التكافل الاجتماعي، وسدّ حاجات المعوزين.

 

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك