رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 يوليو، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: الصَّدقة على الأخْوال

 

 

عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ: أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ، كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ». الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/664) في الباب السابق. ورواه البخاري في الهبة (2592)، عن كريب مولى ابن عباس ولفظه: «أنّ ميمونة بنت الحارث أخبرته: أنها أعْتَقَتْ ولِيدَةً ولَمْ تَسْتَأْذِنِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كانَ يَوْمُها الذي يَدُورُ عليها فِيه، قالَتْ: أَشَعَرْتَ يا رسولَ اللَّهِ، أَنِّي أَعْتَقْتُ ولِيدَتِي؟ قال: «أَوَ فَعَلْتِ؟»، قالت: نَعَمْ، قال: «أَما إنَّكِ لو أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ، كانَ أَعْظَمَ لأجْرِكِ».

قوله: «أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً «أي: جارِيَةً مملوكةً، وقوله: «فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -[-» أي: على عهده، وقوله: «فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» أي: أَخبَرتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في الليلةِ الَّتِي خصَّصها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لها، كباقي زوجاتِه -رضي الله عنهن.

لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ

     قوله: «أَشَعَرْتَ يا رسولَ اللَّهِ، أَنِّي أَعْتَقْتُ ولِيدَتِي؟» أي: هل علمتَ أني أعتقتُ خادمي، فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ، كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ» فيه: أنّ الصَّدقة على الأقرَبِين أعظمُ الصَّدقاتِ أجرًا، وأجزلها ثواباً، ولهذا لَمَّا أَعتَقَتْ أُمُّ المُؤمِنين مَيْمُونَةُ -رضِي اللهُ عنها- الخادم، قال لها: «أما إنَّكِ لو أَعطيتِها أخوالَكِ، كان أعظمَ لأجرِكِ». يعني: كان أكثرَ ثوابًا لكِ مِن إعتاقِها.

أفضلُ من العتق

فالصدقة على الأخْوال والأعمام أفضلُ من العتق، ففيه الحثُّ على صِلَةِ الأرحامِ، وما فيها مِن عَظيمِ الأجرِ وجزيلِ الثوابِ، وهذا يدل على أنهم كانوا محتاجين، وقد ذكرنا الحديث الذي يقول النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيه: «الصَّدقة على المِسْكين صَدَقة، وعلى ذي الرَّحم اثنتان: صَدَقةٌ وصِلَة». رواه الترمذي والنسائي وأحمد.

     وهذا يفيد تأكَّد مُساعدة الأقارب والإحْسان إليهم، مما لدى قريبهم من الزكاة والصدقات وغيرها، أما مِنَ الزكاة، ففي الحال التي لا يجبُ عليه أنْ ينفق عليهم، ولو كانوا منْ ذريته أو منْ آبائه وأجداده (فروعه وأصوله) على الصحيح من أقوال العلماء، أما في الحال التي يجب عليه أنْ ينفق عليهم، فيكون من غير الزكاة، لأن عليه أنّ يُنفق عليهم، فلا يُعطيهم الزكاة، ولكن يُنْفِق عليهم من ماله.

تصرّف المرأة بشيءٍ من مالها

وفي الحديث: جواز تصرّف المرأة بشيءٍ من مالها إذا كانت رَشيدة، ولا يضرُّ زوجها، وقد بوّب عليه البخاري: باب: هبة المرأة لغير زوجها، وعتقها إذا كان لها زوج، فهو جائزٌ إذا لم تكنْ سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يَجُزْ، قال الله -تعالى-: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} (النساء: 5). انتهى

وهو قول جمهور العلماء، وأدلتهم كثيرة من الكتاب والسنة، ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجُوز عَطيةُ امرأةٍ في مالها، إلا بإذن زوجها». رواه أبو داود، وقال مالك: لا يجوز لها أنْ تُعطي بغير إذن زوجها، ولو كانت رشيدةً، إلا من الثلث.

باب: صِلَةُ الأمِّ المُشْركة

     عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَوْ رَاهِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَال: «نَعَمْ»، الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/696)، في الباب السابق، وأخرجه البخاري (2620) في الهبة، باب الهدية للمشركين، وقول الله -تعالى-: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الممتحنة: 8.

ولفظة: «قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قال: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ».

قولها: «إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ»

     قولها: «قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ» واسْمها: قُتَيْلة بنت عبد العزى، وكانت زوجة لأبي بكر وطلقها قبل الإسلام، وكانت قد ولدت له عبد الله وأسماء، وقد اخْتُلِف في إسلامها، قال النووي: «اختلف العلماء في إسلام قتيلة: هل أسلمت؟ أم ماتت على كفرها؟ والأكثرون على موتها مشركة». وقال البيهقي: «وليست بأم عائشة»، وقال السيوطي: «واختُلف في إسلامها، والأكثر أنها ماتت مشركة».

قولها: «وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَوْ رَاهِبَةٌ»

     قولها: «وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَوْ رَاهِبَةٌ» قال ابن حجر: «قولها -رضي الله عنها-: «وهي راغبة» أي: في شيءٍ تأخذه وهي على شِركها, ولهذا اسْتأذنت أسماء في أنْ تصلها, ولو كانت راغبة في الإسْلام، لم تحتج إلى إذْن»، وقال النووي: «قدمتْ عليَّ أمي وهي راهبة»، وفي الرواية الثانية: «راغبة» وفيها: وهي مشركة، فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم : أفأصل أمي؟ قال: «نعم صِلي أمك»، ورجّح القاضي عياض رواية «راغبة» فقال: الصحيح راغبة بلا شك، قال: قيل معناه: راغبة عن الإسْلام وكارهة له».

فأسماءُ بنتُ أبي بكرٍ -رضِي اللهُ عنهما- تروي أنَّها قَدِمَت عليها أمُّها وهي مُشرِكةٌ في زمَنِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستَفتَتْه: أتَصِلُها، وهِي لا تَزالُ على كُفْرِها، وهِيَ راغبةٌ في بِرِّ ابنَتِها وصلتها وزيارتها؟ فأجابها - صلى الله عليه وسلم -: «نعَم صِلِيها»، أيْ: ولو كانت كافرةً.

بِرُّ الوالدين

     وهذا لأنَّ بِرَّ الوالدين منَ الأمور الواجبة على المسلم، ولا يختص برّهما بكونهما مُسْلمين، بل حتى لو كانا فاسقين أو كافرين، يجبُ برهما والإحْسان إليهما، ما لم يَأْمرا بشركٍ، أو ارتكاب معصية، كما قال الله -تعالى-: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} لقمان:15، قال ابن كثير: «أي: إنْ حَرصا عليك كلّ الحرص على أنْ تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك منْ أنْ تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسِنًا إليهما».

الرَّحم الكافرة تُوصل

     وقال الخطابي: «فيه أنَّ الرَّحم الكافرة تُوصل منَ المال ونحوه، كما تُوصل المُسْلمة، ويُسْتنبط منه: وجوبُ نفقةِ الأب الكافر والأم الكافرة، وإنْ كان الولد مسلما اهـ، قال الحافظ: «وفيه: مُوادعة أهلِ الحرب ومعاملتهم في زمن الهُدنة، والسفر في زيارة القريب، وتحرّي أسْماء في أمر دينها، وكيف لا؟ وهي بنت الصِدِّيق وزوج الزبير -رضي الله عنهم!».

زمن الصلح

     وهذا الموقف بين أسماء -رضي الله عنها- وأمها كان زمن الصُّلح، أي: ما بين الحديبية والفتح، كما في رواية البخاري: قالت: قدِمَت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد قريش، إذْ عاهدوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومدّتهم، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: إن أمي قدِمت علي وهي راغبة، أفأصِلُ أمي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، صِلي أمك». فأنزل الله -تعالى-: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الممتحنة: 9-8.

لا ينهاكم الله عن البِرّ والصِّلة

فيقول الله في الآية السابقة: لا ينهاكم الله عن البِرّ والصِّلة، والمكافأة بالمعروف، والقِسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم، حيثُ كانوا، بحال لم ينْتَصبُوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أنْ تصلوهم، فإنّ صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة، كما قال -تعالى- عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} لقمان: 15.(تفسير السعدي)، وفي الحديث أيضا: جواز تصرّف المرأة بشيءٍ من مالها ولو بغير علم زوجها، إذا كانت رَشيدة، ولا يضرُّ ذلك زوجها.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك