رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 12 يناير، 2021 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: الخازنُ الأمين أحدُ المتصدّقين

 

عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري - رضي الله عنه -: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الْأَمِينَ، الَّذِي يُنْفِذُ- وَرُبَّمَا قَال: يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ»، الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/710) باب: أجر الخازن الأمين، والمرأة إذا تَصدَّقت من بيتِ زوجها غير مُفْسدة، بإذنه الصَّريح أو العُرفي.

قوله: «الخازن المسلم الأمين، الَّذِي يُنْفِذُ أو يُعطي...»

هذه أربعة أوصاف:

الوصف الأول: المسلم

     احترازًا مِنَ الكافر، فالخازن إذا كان كافراً، فإنَّه وإن كان أمينًا وينفذ ما أُمر به، ليس له أجر إلا في الدنيا؛ لأنَّ الكفار لا أجرَ لهم في الآخرة، فيما عملوا من الخير والأعمال الصالحة؛ لأنها فقدت شرط القبول عند الله، وهو الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، قال الله -تعالى- عن أعمال الكفار: {وقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان: 23)، وقال -تعالى-: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 217).

     أما إذا عمل خيرًا وهو كافر، ثم أسلم؛ فإنه يُسْلم على ما أسلفَ منْ خير، ويعطى أجره تامّا، كما قال حكيم بن حزام - رضي الله عنه - لِرَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيْ رسولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنتُ أَتَحَنَّثُ بِها في الجاهِلِيَّةِ، مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيها أَجْرٌ؟ فَقال رسولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ». (متفق عليه)، وفي رواية: عن عُرْوَةَ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الجاهِلِيَّةِ مِائة رَقَبَةٍ، وحَمَلَ علَى مِائَة بَعِيرٍ، ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، وفي رواية لمسلم: قال حكيم: قُلتُ: فَوَالله، لاَ أَدَعُ شَيْئا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ إِلاَّ فَعَلتُ في الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ.

الوصف الثاني: الأمين

يعني الذي أدَّى ما ائتمن عليه، فحَفظ المال، ولم يُفسده، ولم يُفرِّط فيه، ولم يعتد عليه، ولم يخن فينقص منه شيئا.

الوصف الثالث: الذي يُنْفذ ما أُمر به

 يعني يفعله؛ لأنَّ مَن الناس مَنْ يكون أمينًا لكنه متكاسل، لا يقوم بعمله، أما هذا فأمين ومنفذ، يفعل ما أمر به، فجَمَع بين القوة والأمانة.

الوصف الرابع: أنْ تكونَ طيبةً به نفسه

 إذا نفذ وأعْطى ما أمر به، أعطى وهو طيبة به نفسُه، فلا يمنُّ على الفقير أو المُعطَى، أو يُظهر أنَّ له فضلًا عليه، ولا يَحسده، بل يُعطيه طيبة به نفسه، فهذا يكونُ أحد المتصدّقين، مع أنه لم يدفع من ماله فلسًا واحدًا.

     فمن كان كذلك، على الوَصْف الذي قال النبي صلي الله عليه وسلم، فإنَّه إذا تصدَّق صاحب المال بعشرة آلاف، فأعْطاها الخازن بالوصف المذكور، كان له مثلَ أجْره، من غير أنْ ينقص من أجر المتصدق شيئًا، وهذا فضلٌ اللهِ عزَّ وجلَّ يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وقوله: «فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا»

أي: تامَّاً لا ينقص منه شيئاً، وأنْ يعطيه لمن أمر بدفعه إليه، لأنه وكيل ليس له أنْ يتصرف من عند نفسه أو يُخالف أمر الموكّل.

وقوله: «أحدُ المتصَدِّقينِ» خبر

     يعني أنَّ الخازن الذي جمع هذه الأوصاف الأربعة، هو أحد المتصدقين، وقد ضبطُوا «المتَصَدِّقَينِ» بفتح القاف، مع كسرِ النونِ على التَّثنِية، وعلى الجَمْعِ، وكلاهما صحِيحٌ، قال القرطبي -رحمه الله-: لم نَروه إلا بالتثنية، ومعناه أنَ الخازن بما فعل مُتَصدّق، وصاحب المال متصدِّقٌ آخر، فهما متصدقان، قال: ويصح أنْ يقال على الجمع فتكسر القاف، ويكون معناه: أنه متصدقٌ مِنْ جُملة المتصدِّقين.

فوائد الحديث

- الحديث دليلٌ على فضل الأمَانة، وفضل التنفيذ فيما وُكل فيه العامل أو الموظف، وفضل القوَّة في ذلك، وعدم التفريط في العمل.

- وفيه دليلٌ على فضل التعاون على البر والتقوى، الذي أمر الله -تعالى- به عباده في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2)، فيكتبُ الله -تعالى- لمنْ أعان على الخير والبر والتقوى مثل ما يكتب لمنْ فعله، كما في الحديث الصحيح: «الدالُّ على الخَيرِ كفَاعِله» رواه مسلم، وهذا فضل الله الذي يُؤتيه من يشاء.

- وفي الحديث: بشارةٌ عظيمةٌ للموظفين والعاملين في الجمعيات الخيرية، ولجان الصَّدقات والزكاة، الذين يُوصلون الأموال مِنَ الصدقات والزكوات إلى مستحقيها، ويبذلونها بأمانةٍ وصدق، واحتساب للأجرٍ والثواب عند الله -تعالى-، وطيب نفس؛ بأنَّ لهم منَ الأجر والثواب عند الله -عز وجل- مثل ما للمتصدِّق تماماً، ولا ينقص من أجر المتصدق أو المزكِّي شيئاً، ولله -تعالى- الحمد والمنّة على سعة فضله وكرمه مع عباده وإحسانه.

- قال ابن رسلان: «يدخل في الخازن: مَن يتخذه الرجلُ على عياله، مِنْ وكيلٍ وعبد وامرأة وغُلام، ومَنْ يقومُ على طعام الضِّيفان». (نيل الأوطار) (6/458).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك