رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 فبراير، 2021 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: التّعَفّف عن المسألة

 

عَنْ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا؛ فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ؛ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ». الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/718) باب: النَّهي عن المَسألة.

     ما زال الحديث مستمرًا في باب التعفف عن المسألة؛ حيث قلنا: إن الله -تبارك وتعالى- قد ذكر الإلحَاف في كتابه، في قوله -عز وجل-: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 273)، وذكرنا المباحث التي أوردها العلامة القرطبي في تفسيره لهذه الآية، وهي: عشر مسائل، ذكرنا منهم خمسا، واليوم نكمل الحديث عن تلك المسائل.

المسألة السادسة

قال ابن عبد البر: من أحسن ما روي من أجوبة الفقهاء في معاني السؤال وكراهيته، ومذهب أهل الورع فيه ما حكاه الأثرم عن أحمد بن حنبل وقد سئل عن المسألة، متى تحل قال: إذا لم يكن ما يغديه ويعشيه على حديث سهل بن الحنظلية.

     قيل لأبي عبدالله: فإن اضطر إلى المسألة؟ قال: هي مباحة له إذا اضطر، قيل له: فإنْ تعفف؟ قال: ذلك خير له. ثم قال: ما أظن أحدا يموت من الجوع! الله يأتيه برزقه. ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري «من استعف أعفه الله». وحديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «تعفف». قال أبو بكر: وسمعته يسأل عن الرجل لا يجد شيئا أيسأل الناس أم يأكل الميتة؟ فقال: أيأكل الميتة، وهو يجد من يسأله، هذا شنيع. قال: وسمعته يسأله: هل يسأل الرجل لغيره؟ قال لا، ولكن يعرض، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار فقال: «تصدقوا» ولم يقل أعطوهم. قال أبو عمر: قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «اشفعوا تؤجروا»، وفيه إطلاق السؤال لغيره. والله أعلم.

     وقال: «ألا رجل يتصدق على هذا»؟ قال أبو بكر: قيل له -يعني أحمد بن حنبل- فالرجل يذكر الرجل فيقول: إنه محتاج؟ فقال: هذا تعريض وليس به بأس، إنما المسألة أن يقول أعطه. ثم قال: لا يعجبني أن يسأل المرء لنفسه، فكيف لغيره؟ والتعريض هنا أحب إلي.

المسألة السابعة

     فإن جاءه شيء من غير سؤال فله أن يقبله ولا يرده؛ إذ هو رزق رزقه الله. خرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه وغيرهما: عن ابن عمر قال سمعت عمر يقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خذه وما جاءك من هذا المال وأنت غير مُشرف، ولا سائل؛ فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك». زاد النسائي - بعد قوله «خذه - فتموله أو تصدق به»، وروى مسلم من حديث عبدالله بن السعدي المالكي عن عمر فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أُعْطيت شيئاً من غير أن تسأل، فكل وتصدق»، قال أبو عمر: الإشراف في اللغة رفع الرأس إلى المطموع عنده، والمطموع فيه، وأن يهش الإنسان ويتعرض.

المسألة الثامنة

     الإلحاح في المسألة والإلحاف فيها مع الغنى عنها حرام لا يحل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الناس أموالهم تكثراً؛ فإنما يسأل جمراً؛ فليستقل أو ليستكثر «رواه أبو هريرة. خرجه مسلم، وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله؛ وليس في وجهه مزعة لحم» رواه مسلم أيضا.

المسألة التاسعة

السائل إذا كان محتاجًا فلا بأس أن يكرر المسألة ثلاثًا، إعذارًا وإنذارًا، والأفضل تركه، فإن كان المسؤول يعلم بذلك، وهو قادر على ما سأله، وجب عليه الإعطاء، وإن كان جاهلا به، فيعطيه مخافة أن يكون صادقاً في سؤاله فلا يفلح في رده.

المسألة العاشرة

     فإن كان محتاجاً إلى ما يقيم به سنة، كالتجمل بثوب يلبسه في العيد والجمعة، فذكر ابن العربي: سمعت بجامع الخليفة ببغداد رجلاً يقول: هذا أخوكم يحضر الجمعة معكم، وليس عنده ثياب يقيم بها سنة الجمعة، فلما كان في الجمعة الأخرى، رأيت عليه ثيابا أخر، فقيل لي: كساه إياها أبو الطاهر البرسني أخذ الثناء، انتهى مختصرًا من تفسير القرطبي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك