رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 فبراير، 2020 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: الأمْرُ بإخْراج زَكاة الفِطْر قبلَ الصَّلاة

 

عن عبد اللَّهِ بنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ، الحديث أخرجه مسلم في الزكاة (2/679)، وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري، ورواه البخاري في الزكاة (3/375) باب: الصدقة على العيد.

     قوله: «أمَرَ بزكاة الفطر أنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناس إلى الصلاة»، أي: قبل خروج المسلم إلى (الصلاة) أي: صلاة العيد، والأمْر منه صلى الله عليه وسلم يفيد الوجوب، كما هو قول أهل الأصول عامة، وفيه دليل لقول جمهور أهل العلم: لا يجوز تأخير الفطرة لما بعد صلاة العيد، إلا مِنْ عُذر، وأنّ الأفضل إخْراجها قبل الخُروج إلى المصلى وتَجوز قبله.

نزلت في صَدقة الفطر

     وقد احتج بعض أهل التفسير: بقوله -تعالى-: {قد أفلحَ مَنْ تَزكّى وذَكرَ اسْمَ ربِّه فَصَلَّى}(الأعلى: 14-15)؛ فعن عطاء وأبي العالية وقتادة، نزلت في صَدقة الفطر. (انظرابن جرير، وزاد المسير: 9/91)، وقال أبو العالية: وقال: إنّ أهل المدينة لا يرون صدقةً أفضلَ منها، ومن سقاية الماء، وقال عكرمة: كان الرجل يقول: أقدّم زكاتي بين يدي صلاتي؛ فقال سفيان: قال الله- تعالى-: {قد أفلحَ مَنْ تَزكّى وذَكرَ اسْمَ ربِّه فَصَلَّى}، وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر: أن ذلك في صدقة الفطر، وصلاة العيد. الدر المنثور(15/370).

قد أفلح من تزكى

     وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله -تعالى-: {قد أفلح من تزكى} قال: «أخرج زكاة الفطر»، {وذكر اسم ربه فصلى} قال: «صلاةُ العيد»، أخرجه البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي - كما في الدر المنثور- (15/369) لكن سنده ضعيف، وقيل: المراد بالآية زكاة الأموال كلّها، قاله أبو الأحْوص وعطاء، وهذه السورة مكية في قول الجمهور، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر، قال القشيري: ولا يَبْعد أنْ يكون أثْنى على مَنْ يمتثل أمْره في صَدقة الفطر وصلاة العيد، فيما يأمر به في المستقبل. (تفسير القرطبي).

وقت إخراج صدقة الفطر

ولإخْراجِ صَدَقة الفِطْر وقتُ جَواز، ووقتُ وُجوب .

وقت الجواز

     أما وقت الجواز؛ ففي رواية للبخاري: عن نافع قال: فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يُعْطِي التمر؛ فأعْوَز أهل المدينة مِن التمر فأعْطَى شعيراً؛ فكان ابن عمر يُعْطِي عن الصغير والكبير، حتى إنْ كان يُعْطِي عن بَنِيّ، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يُعْطِيها الذين يَقبلونها، وكانوا يُعْطُون قبل الفِطر بِيوم أو يومين، وعند أبي داود، من طريق نافع أيضا، عن ابن عمر قال: أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِزَكاة الفطر، أنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناس إلى الصلاة، قال: فكان ابن عمر يُؤدِّيها قبل ذلك باليوم واليومين، وعند مالك في الموطأ: بيومين أو ثلاثة.

وقت الوجوب

     أما وقت الوجوب: قال ابن قُدامة: فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَهُوَ وقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رمضانَ؛ فإِنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَمَنْ تَزَوَّجَ أَوْ مَلَكَ عَبْدًا، أَوْ وُلِدَ له وَلَدٌ أَوْ أَسْلَمَ قَبل غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ فعليه الفِطْرَةُ، وإِنْ كان بَعْدَ الْغُرُوبِ، لم تَلْزَمْهُ.

حرمة تأخيرها

     قال ابن قدامة: المُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاةِ.اهـ، لكن حديث ابن عباس رضي الله عنه يدلُّ على حرمة تأخيرها لما بعد صلاة العيد، وهو قوله: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْر،ِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فهيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ؛ ومَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فهيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ». الحديث أخرجه ابن ماجة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وحسّنه الألباني في الإرواء (843).

     أما وقت الجواز: قبل يوم العيد بِيوم أو بِيومين، قال ابن قدامة في المغني: وإِنْ قَدَّمَهَا قَبلَ ذلك بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ، وجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يجوزُ تَقْدِيمُ الْفِطْرَةِ قبلَ العِيدِ بِيَوْمَيْنِ، لا يجوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذلك، ثم ذَكَر الخلاف في المسألة، أما قبل ذلك؛ فلا دليل على تقديم زكاة الفِطر عن هذا الوقت .

سَبَبُ وُجُوبِها

     قال ابن قدامة: ومَتَى قَدَّمَهَا بِالزَّمَانِ الكَثِيرِ لم يَحْصُلْ إغْنَاؤُهُمْ بِها يومَ العِيدِ، وسَبَبُ وُجُوبِها: الفِطْرُ، بدَلِيلِ إضَافَتِهَا إليه، وزكَاةُ المَالِ سَبَبُهَا: مِلْكُ النِّصَابِ، والمَقْصُودُ: إغْنَاءُ الْفَقِيرِ بِها فِي الحَوْلِ كُلِّهِ؛ فجازَ إخْرَاجُهَا في جَمِيعِه، وهذه المَقْصُودُ منها: الإِغْنَاءُ في وَقْتٍ مَخْصُوصٍ؛ فلمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الوَقْتِ. اهـ .

     وقد روى الدارقطني والبيهقي من رواية أبي مِعْشر، عن نافع، عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال: «أغْنُوهم في هذا اليوم»، وفي رواية البيهقي «أغْنُوهم عن طواف هذا اليوم»، لكن الحديث ضعيف، لضعف أبي معشر. وضعفه الألباني في الإرواء (844)، وما سبق من الأحاديث يغني عنه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك