رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 ديسمبر، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: إعطاء المُؤلفة قُلُوبهم على الإسلام وتَصَبَّر من قوي إيمانه(1)

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ؛ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُم؛ بِذَرَارِيِّهِمْ ونَعَمِهِمْ؛ ومع النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلَافٍ؛ ومعهُ الطُّلَقَاءُ فَأَدْبَرُوا عنهُ؛ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ؛ قال: فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا؛ قال: فالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ؛ فَقَال: يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؛ فقالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَك؛ قَال: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ؛ فَقَال: «يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ» قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَال: وهو على بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ؛ فَنَزَلَ فقال: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ؛ وأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَنَائِمَ كَثيرَةً؛ فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ والطُّلَقَاءِ؛ ولَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا؛ فقالَتْ الْأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى؛ وتُعْطَى الْغَنَائِمُ غَيْرَنَا؟ فَبَلَغَهُ ذَلِك؛ فَجَمَعَهُمْ في قُبَّةٍ؛ فَقال: «يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؛ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» فَسَكَتُوا؛ فَقَال: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؛ أَما تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا؛ وتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟» قالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ رَضِينَا؛ قَال: فقال: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا؛ وسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا؛ لَأَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ».؛ قال هِشَامٌ فَقُلْتُ: يا أَبا حَمْزَةَ؛ أَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قال: وأَينَ أَغِيبُ عَنْهُ؟ الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/735-736) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري. ورواه البخاري فهو متفق عليه.

     قوله: باب: إعْطاء المؤلفة قلوبهم؛ والمراد بالمؤلفة: ناسٌ من قريش أسْلموا يوم الفتح إسلاماً ضعيفاً؛ وقيل: كان فيهم مَنْ لم يسلم بعد؛ كصفوان بن أمية. وقد اختلف العلماء في المراد بـ «المؤلفة قلوبهم» الذين هم أحد أصناف المستحقين للزكاة؛ فقيل: هم كفارٌ يُعطون ترغيباً لهم في الإسلام. وقيل: مسلمون لهم أتباع كفارٌ؛ ليتألفوهم. وقيل: مسلمون دَخلوا في الإسلام حديثاً؛ ليتمكَّن الإسْلام من قلوبهم؛والمراد بالمؤلفة هنا؛ هذا الأخير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية: «فإني أُعْطِي رجالاً حديثي عهدٍ بكُفرٍ أتألّفهم».

أسماء المؤلفة

     وقد سرد أبو الفضل بن طاهر في «المبهمات» له؛ أسماء المؤلفة؛ وهم: أبو سفيان بن حرب؛ وسهيل بن عمرو؛ وحويطب بن عبد العزى؛ وحكيم بن حزام؛ وأبو السنابل بن بعكك؛ وصفوان بن أمية؛ وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش؛ وعيينة بن حصن الفزاري؛ والأقرع بن حابس التميمي؛ وعمرو بن الأيهم التميمي؛ والعباس بن مرداس السلمي؛ ومالك بن عوف النضري؛ والعلاء بن حارثة الثقفي؛ وفي ذكر الأخيرين نظر؛ فقيل: إنهما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة؛ قاله الحافظ.

قوله: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ»

أي: غزوة حُنين؛ ويقال لها: غزوة أوْطاس وهو وادٍ في دار هوازن؛ وهو الموضع الذي كانت به الوقعة في آخر الأمر؛ ويقال لها أيضًا: غزوة هوازن. وكانت في السنة الثامنة من الهجرة.

سبب الغزوة

     وكان سبب هذه الغزوة: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة؛ وخضعتْ له قريش؛ خافَ أشرافُ هوازن وثقيف أنْ يغزوهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فحَشَدوا وعزموا على قتاله؛ واجتمعت إلى هوازن وثقيف جموعٌ كثيرة من القبائل؛ وهم: نصر؛ وسعد بن بكر - وهم الذين اسْتُرضع فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وناسٌ من هلال.

قوله: «بِذَرَارِيِّهِمْ ونَعَمِهِمْ»

ذَراريُّ: جمع ذُرّيّة ذُرّيّة: والجمع: ذُريَّات و ذَراريُّ؛ والذُّرّيَّةُ: نسل الإنسان. والنَّعْم واحد الأنعام؛ وهي ما يرعى الأرض؛ وأكثر ما يقع على الإبل؛ قال القسطلاني: وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبّت في القتال؛ اسْتصحاب الأهالي وثقلهم معهم إلى موضع القتال.

المراد بالطُّلقاء

     وقوله: «ومع النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلَافٍ؛ ومَعَهُ الطُّلَقَاءُ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ» والمراد بالطُّلقاء جمع طليق: وهو مَنْ حصل من النبي - صلى الله عليه وسلم - المنُّ عليه يوم فتح مكة؛ من قريش وأتباعهم. «فأدبروا عنه» أي: ولّوا عنه أدْبارهم؛ ولم يقبلوا على العدو؛ حتى بقيَ - صلى الله عليه وسلم - وحده. قوله: «فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» أي: نادى في الجيش الذين معه؛ والنداء هو الصوت العالي. وقوله: «لم يخلط بينهما شيئا» أي: لم يتكلم بين الندائين بشيء.

قوله: «فالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ؛ فَقَال: يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؛ فقالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَك؛ قَال: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ؛ فَقَال: «يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ» قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ» أي: إننا حاضرون لم نفرّ.

قوله: «وهو على بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ»

     قوله: «وهو على بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ؛ فَنَزَلَ فقال: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ» وفي صحيح البخاري: عن أبي إسحاق قال: سأل رجلٌ البراء -  رضي الله عنه - فقال: يا أبا عمارة؛ أوَليتُم يومَ حنين؟ قال البراء وأنا أسمع: أما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يولِّ يومئذ؛ كان أبو سفيان بن الحارث آخذاً بعَنَانِ بغلته؛ فلما غَشِيه المشركون؛ نزلَ فجعلَ يقول: أنا النبيُّ لا كَذِب؛ أنا ابنُ عبدِ المطلب؛ قال: فما رئي مِنَ الناس يومئذ أشدّ منه.

غَنَائِم كَثيرَة

     قوله: «وأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَنَائِمَ كَثيرَةً؛ فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ والطُّلَقَاءِ؛ ولَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا» قوله: «ولم يعط الأنصار شيئا» ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة؛ وقال القرطبي في «المفهم»: الإجراء على أصول الشريعة: أن العطاء المذكور كان من الخُمُس؛ ومنه كان أكثر عطاياه؛ وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: «ما لي مما أفاءَ اللهُ عليكم إلا الخُمُس؛ والخمسُ مردودٌ فيكم». أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو؛ وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصاً بهذه الواقعة.وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس حيث قال: «إنّ قريشاً حديثُ عهد بجاهليةٍ ومصيبة؛ وإني أردتُ أن أجبرهم وأتألّفهم». قال الحافظ ابن حجر: قلت: الأول هو المعتمد؛ وسيأتي ما يؤكده.

حِكمةُ الله في فتح مكةَ

     وقال الإمام ابن القيم: اقتضتْ حِكمةُ الله أنَّ فتحَ مكةَ كان سبباً لدخول كثيرٍ من قبائل العرب في الإسلام؛ وكانوا يقولون: دَعُوه وقومَه؛ فإنْ غلبهم دخلنا في دينه؛ وإنْ غلبوه كفونا أمره. فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه؛ وكان من الحِكمة في ذلك أنْ يُظهر أنَّ الله نصر رسوله لا بكثرة مَنْ دخل في دينه من القبائل؛ ولا بانْكفاف قومه عن قتاله؛ ثم لما قدّر الله عليه من غلبته إياهم؛ قدّر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عددهم؛ وقوة عُددهم ليتبيّن لهم أنّ النّصر الحق؛ إنما هو من عنده لا بقوتهم؛ ولو قدر أنْ لا يغلبوا الكفار ابتداء؛ لرجع من رجع منهم شامخ الرأس مُتعاظما؛ فقدر هزيمتهم؛ ثم أعْقبهم النَّصر ليدخلوا مكة؛ كما دخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح متواضعاً متخشعاً.

غنائم الكفار

     واقتضت حكمته أيضا: أنَّ غنائم الكفار لما حصلت؛ ثم قسمت على مَنْ لم يتمكّن الإيمانُ من قلبه؛ لما بقي فيه مِنَ الطبع البشري في محبة المال؛ فقَسَمه فيهم لتطمئنّ قلوبُهُم؛ وتجتمع على محبته؛ لأنها جُبلت على حب من أحسن إليها. ومنعَ أهل الجهاد من أكابر المهاجرين؛ ورؤساء الأنصار؛ مع ظهور استحقاقهم لجميعها؛ لأنه لو قَسَم ذلك فيهم؛ لكان مقصوراً عليهم؛ بخلاف قسمته على المُؤلّفة؛ لأنّ فيه استجلاب قلوب أتباعهم؛ الذين كانوا يَرْضون إذا رَضِي رئيسهم؛ فلما كان ذلك العطاء سبباً لدخولهم في الإسلام؛ ولتقوية قلب مَنْ دخل فيه قبل؛ تبعهم من دونهم في الدخول؛ فكان في ذلك عظيم المصلحة.

أموال أهل مكة

     ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها؛ قليلاً ولا كثيراً؛ مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يُعينهم على ما هم فيه؛ فحرّك الله قلوب المُشركين لغزوهم؛ فرأى كثيرهم أنْ يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم؛ فكانوا غنيمةً للمسلمين؛ ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أنّ سوقه معه هو الصواب؛ لكان الرأي ما أشار إليه دريد؛ فخالفه فكان ذلك سبباً لتصييرهم غنيمةً للمسلمين؛ ثم اقتضت تلك الحِكْمة أنْ تُقْسَم تلك الغنائم في المُؤلفة؛ ويُوكَل من قلبه ممتلئٌ بالإيمان إلى إيمانه.

مِنْ تمام التأليف

    ثم كان مِنْ تمام التأليف: ردُّ من سُبِي منهم إليهم؛ فانْشرحتْ صدُورهم للإسْلام؛ فدخلوا طائعين راغبين؛ وجَبَر ذلك قلوب أهل مكة؛ بما نالهم من النّصر والغنيمة؛ عما حصل لهم من الكسر والرعب؛ فصرف عنهم شرّ مَنْ كان يجاورهم من أشد العرب؛ من هوازن وثقيف؛ بما وقع بهم مِنَ الكسرة؛ وبما قيّض لهم من الدخول في الإسلام؛ ولولا ذلك ما كان أهل مكة يُطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها.

قصة الأنصار

     وأما قصة الأنصار: وقول مَنْ قال منهم؛ فقد اعتذر رؤساؤُهم بأنَّ ذلك كان مِنْ بعض أتباعهم؛ ولما شرح لهم - صلى الله عليه وسلم - ما خَفِي عليهم مِنَ الحِكمة فيما صَنَع؛ رجعوا مذعنين؛ ورأوا أنَّ الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عودِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بلادهم؛ فسَلُوا عن الشَّاة والبعير؛ والسبايا من الأنثى والصغير؛ بما حَازُوه من الفوز العظيم؛ ومجاورة النبي الكريم لهم حيَّا وميتا. وهذا دأب الحكيم؛ يُعطي كلَّ أحدٍ ما يُناسبه؛ انتهى ملخصا. يتبع إن شاء الله.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك