رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 8 يوليو، 2021 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: إباحة الأخْذ لمَنْ أُعْطيَ مِنْ غيرِ مَسْألةٍ ولا إشْراف

  

 

عَنْ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - الْعَطَاءَ، فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، ومَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ؛ وأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ؛ فَخُذْهُ، ومَا لَا؛ فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ».قَال سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ. الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/73) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري، ورواه البخاري في مواضع أولها: في الزكاة (1473) باب: مَنْ أعْطاه اللهُ شَيئاً مِنْ غيرِ مسْألةٍ ولا إشْراف نَفْس، {وفي أمْوالِهم حَقٌّ للسَّائلِ والمَحْرُوم} (الذاريات: 19).

      قوله: «باب: إباحة الأخْذ لمَنْ أُعْطيَ مِنْ غيرِ مَسْألةٍ ولا إشْراف» والإشْراف: التعرُّض للشَّيء والحِرْص عليه، من قولهم: أشْرَف على كذا؛ إذا تطاول له، وقيل للمكان المُرتفع: شَرَف؛ لذلك، قال أبو داود: سألت أحمد عن إشْراف النفس؟ فقال: بالقلب. وقال يعقوب بن محمد: سألتُ أحمد عنه، فقال: هو أنْ يقول مع نفسه: يَبْعثُ إليَّ فلانٌ بكذا. وقال الأثْرم: يَضيق عليه أنْ يَردَّه إذا كان كذلك. يعني يصعب عليه ردُّ العَطيَّة التي تشوّف لها.

مَنْ أعْطاه الله شيئاً منْ غير مسألةٍ

     وقوله عند البخاري: باب: مَنْ أعْطاه الله شيئاً منْ غير مسألةٍ ولا إشْراف نفس. {وفي أمْوالِهم حَقٌّ للسَّائلِ والمَحْرُوم} (الذاريات: 19). قال الحافظ: ومطابقتها لحديث الباب: مِنْ جهة دلالتها على مَدْحِ منْ يُعْطي السَّائل وغير السَّائل، وإذا كان المُعْطي مَمْدوحاً؛ فعطيتُه مقبُولة، وآخِذُها غير مَلوم. وقد اختلف أهلُ العلم بالتفسير، في المراد بالمحْروم: فروى الطبري: من طريق ابن شهاب: أنَّه المُتَعفّف الذي لا يَسْأل. وأخرجه عن قتادة مثله، وأخرج فيه أقوالا أُخر، وعلى التفسير المذكور تنطبق الترجمة.

وتقدير جواب الشرط: فليَقبل، أي: مَنْ أعْطاه اللهُ مع انتفاء القيدين المَذْكورين؛ فليَقْبل، وإنَّما حَذفه للعِلم به. وأوردها بلفظ العموم وإنْ كان الخبرُ ورد في الإعْطاء منْ بَيتِ المال، لأنَّ الصَّدقةَ للفقير في معنى العَطاء للغَني إذا انْتفى الشَّرطان.

عطاء النبي - صلى الله عليه وسلم- لعمر - رضي الله عنه 

     قوله: «أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ -رَضيَ اللهُ عنه- العطاء» أي: يُعطيهِ شَيئًا مِن العَطاءِ، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «يُعْطِينِي المالَ»، فكان رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطي لِعمَرَ -رَضيَ اللهُ عنه- شيئًا مِن مالِ الزَّكاةِ على أنَّه نَظيرُ عَمَلِه فيها، لا علَى أنَّه صَدَقةٌ، وظنَّ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- يُعطِيه إيَّاه لظَنِّه فَقْرَه، فطلَبَ مِن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُعطيَ هذا المالَ مَن هو أفقَرُ منه.

قوله: «فأقولُ أعطه مَنْ هو أفْقر إليه منِّي» زاد في رواية للبخاري في الأحكام: «حتى أعْطاني مَرَّةً مالاً، فقلتُ: أعْطِه مَنْ هو أفقرُ إليه منِّي، فقال: «خُذه فتَموَّله، وتَصدَّق به».

     وأخرجه مسلم أيضا وزاد فيه: «أنَّ عطيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر؛ بسَبب العَمَالة». ولهذا قال الطَّحاوي: ليس معنى هذا الحديث في الصَّدقات، وإنّما هو في الأموال التي يقسمها الإمام، وليستْ هي منْ جهة الفقر، ولكنْ مِنْ الحقوق، فلمَّا قال عمر: أعْطه مَنْ هو أفقر إليه منِّي، لم يرض بذلك؛ لأنَّه إنَّما أعْطاه لمعنى غير الفقر. قال: ويُؤيده قوله في رواية شعيب: «خُذْه فتَموَّله» فدلَّ ذلك على أنَّه ليس مِنَ الصَّدقات.

      وقال الطبري: اختلفوا في قوله: «فخُذْه» بعد إجْماعهم على أنَّه أمر نَدْب، فقيل: هو نَدب لكلِّ منْ أُعْطي عطيةً؛ أبى قبولها كائناً منْ كان، وهذا هو الراجح، يعني بالشرطين المتقدمين. وقيل: هو مخصوص بالسلطان، ويؤيده حديث سمرة في السُّنن: «إلا أنْ يَسْأل ذا سُلطان».

حكم قَبول العطية من السُّلطان

وكان بعضهم يقول: يَحْرم قَبول العطية من السُّلطان، وبعضُهم يقول: يُكْره. وهو محْمولٌ على ما إذا كانت العطيّة منَ السُّلطان الجائر، والكراهة مَحْمولة على الوَرع، وهو المَشهور مِن تصرف السلف، والله أعلم. انتهى

قال الحافظ: والتحقيق في المسألة: أنَّ مَنْ عَلِم كون ماله حلالاً، فلا تُردُّ عطيته، ومَن علمَ كون ماله حراماً، فتحرم عطيته، ومَنْ شكَّ فيه، فالاحتياط ردُّه وهو الوَرع، ومن أباحه أخذ بالأصل.

     قال ابنُ المنذر: واحتج مَنْ رخَّص فيه: بأنَّ الله تعالى قال في اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (المائدة: 42). وقد رهنَ الشَّارع- يعني النَّبي عليه الصلاة والسلام- دِرْعه عند يهودي، مع عِلمه بذلك، وكذلك أخَذ الجزية منْهم، مع العلم بأنَّ أكثرَ أمْوالهم مِن ثَمن الخَمْر والخِنْزير والمُعاملات الفَاسدة.

قال الحافظ: وفي حديث الباب: أنَّ للإمام أنْ يُعطي بعضَ رعيته إذا رأى لذلك وَجْهاً، وإنْ كان غيره أحْوج إليه منه، وأنَّ ردَّ عطية الإمام ليس مِنَ الأدب، ولا سِيما مِنَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (الحشر: 7).

خُذْه فتَموَّلْه أو تَصدَّقْ به

     فأمَرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَأخُذَه، وقال له- كما في رِوايةِ مُسلمٍ-: «خُذْه فتَموَّلْه، أو تَصدَّقْ به»، فخيَّرَه - صلى الله عليه وسلم - بيْن أنْ يُبقِيَه معه ويَنتفِعَ به، أو يَتصدَّقَ به هو بعْدَ أنْ يَحُوزَه منه، ثمَّ بيَّن له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَببَ أمْرِه له بأخْذِ هذا المالِ؛ وذلك أنَّه إذا جاءَهُ مِن هذا المالِ شَيءٌ وهو غيرُ مُتطلِّعٍ إليه، ولا حَريصٍ عليه، ولا ساعٍ في سَبيلِه، وغيرُ طالِبٍ له، فلْيَأخُذْه، وأمَّا لم يُعطَه، فلا يَنبغِي له أنْ يَطلُبَه أوْ يَسأَلَه ويَتمنَّاه.

فوائد الحديث

- في الحديث أنَّه لم يكُنْ أصحابُ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتهافتِينَ على الدُّنيا، حريصين عليها، ولا كانوا يُريدون بأعمالِهم فيها إلَّا وَجْهَ اللهِ -عزَّ وجلَّ.

- وفيه: مَنقبَةٌ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ -رَضيَ اللهُ عنه-، وبَيانُ فضْلِه، وزُهدِه، وإيثارِه

- وفيه: مَشروعيَّةُ قَبولِ العَطيَّةِ، إذا جاءتْ مِن غيرِ طَلَبٍ ولا تَطلُّعٍ.

- وفيه: المالُ مِن فِتَنِ الحياةِ الدُّنيا التي يَنبغي لِلمُؤمِنِ أنْ يَصُونَ نفْسَه عن الحِرصِ عليه، ويَحترِزَ مِن أنْ يَطلُبَه بغَيرِ ما أحلَّ اللهُ -تعالَى-، أو يُنفِقَه في غَيرِ مَرضاتِه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك