رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 19 يناير، 2021 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – باب: أنفقي ولا تحصي ولا توعي

 

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَال: «ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ»، راوي الحديث: أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-، صحابية من السابقين الأولين في الإسلام، وهي ابنة أبي بكر الصديق، وزوجة الزبير بن العوام، وأخت عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكانت أسنَّ من عائشة ببضع عشرة سنة، وهي أم عبد الله بن الزبير الذي بويع له بالخلافة، وأول مولود للمهاجرين بالمدينة. لُقبت بذات النطاقين؛ لأنها شقَّت نطاقها وربطت به سُفرة النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد وأبي بكر حين خرجا مهاجرين إلى المدينة.

     تزوجت الزبير بن العوام، وهاجرت معه -وهي حامل بعبد الله- إلى المدينة، وولدت له خمسة أبناء هم: عبد الله، وعروة، والمنذر، وعاصم، والمهاجر، وثلاث بنات هن: خديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة. شهدت معركة اليرموك مع ابنها وزوجها، ثم طلقها الزبير، عاشت أسماء إلى أن وَلي ابنها الخلافة ثم إلى أن قتل، وصارت كفيفة، وماتت وقد بلغت مائة سنة، وهي أخر المهاجرات وفاةً، سنة (73)هـ.

من عظيم أمانتها

     قولها: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ» أي: ليس لها مال، إلا ما أعطاني زوجي الزبير - رضي الله عنه -، وقوله: «ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ» «ارضخي» بكسر الهمزة من الرَّضْخ بمعجمتين، وهو العطاء اليسير، والقليل من الطعام ونحوه. فالمعنى: أنْفقي بغير إجحاف ولا إسراف، وهذا من عظيم أمانتها أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا السؤال؛ لكيلا تقع في محظور هي في غنى عنه، فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا السؤال بقوله: «ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ « معناه: أعطي مما يرضى به الزبير, فالرَّضخ مراتب فافعلي أعلاها, أو يكون معناه ما استطعت مما هو ملك لك.

وقوله: «ولا تُوعى»

‏وقوله: «ولا تُوعى» المعنى: لا تَجمعي في الوعاء، وتبْخلي بالنفقة وتمنعي العطاء، فتجازي بمثل ذلك، وفي رواية: قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا ُتحْصي فيحصي الله عليك، ويوعي عليك» هو من باب مقابلة اللفظ باللفظ للتجنيس، كما قال تعالى: {ومكروا ومكر الله} ومعناه: يمنعك كما منعت، ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضله عنك كما أمسكته، وقيل: معنى «لا تُحصي» أي: لا تعديه فتستكثريه فيكون سبباً لانقطاع إنفاقك.

الحث على النفقة في الطاعة

     وقال النووي: معناه الحث على النفقة في الطاعة والنهي عن الإمساك والبخل، وعن إدخال المال في الوعاء، هذا محمول على ما أعطاها الزبير لنفسها بسبب نفقة وغيرها، أو مما هو ملك الزبير، ولا يكره الصدقة منه، بل رضي بها على عادة غالب الناس. (شرح مسلم). وعلى المرأة إذا أنفقت أنْ تُراعى حال زوجها، فلا تَعمد إلى كل شيء في البيت فتخرجه، ولا تأخذ شيئاً يعز عليه أو يُحبُّه وتتصدق به، فإنَّ ذلك يغضبه ويؤذيه، ويحمله على منعها مِنَ الخير، وليس بلازم أنْ تكون الصدقة بالكبير أو من الكثير، ولكنه بما تيسر.

باب: إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زوجهَا

عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالَت: قَالَ رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا؛ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، ولِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، ولِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا».

قوله: «إذا أنفقت المرأة»

     أي تصدَّقت، كما في رواية للبخاري. «غير مُفسدة»: أي: غير مُسْرفة في التصدّق، وهذا محمولٌ على إذن الزوج لها بذلك صريحًا، أو دلالة، وقيل: هذا جار على عادة أهل الحجاز، فإنَّ عاداتهم أنْ يأذنوا لزوجاتهم وخدمهم بأنْ يُضيِّفوا الأضْياف، ويُطْعموا السائل والمسكين والجيران، فحرض رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أمته على هذه العادة الحَسنة، والخَصلة المستحسنة.

التصدق من مال الزوج

     قوله: «كَان لها أَجْرُهَا بِما أَنْفَقَتْ، ولِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لا ينقص بعضهم أجر بعض» أي: شيئاً من النقص، أو من الأجر، فإذا أنفقت من طعام أُعدَّ للأكل، وجُعِلت مُتصرفة به، وجُعِلت له خازناً، فإذا أنفقت المرأة منه عليه، وعلى مَنْ يعوله، أو على غيرهم، مَنْ غير تَبْذير، كان لها أجرها بما أنفقت، وقال محيي السُّنة: عامة العُلماء على أنَّه لا يجوز لها التصدق من مال زوجها بغير إذنه، وكذا الخادم، والحديث الدال على الجواز أُخرج على عادة أهل الحجاز، يطلقون الأمر للأهل والخادم في التصدق والإنفاق عند حضور السائل، ونزول الضيف، كما في الصحيح للبخاري: «لا تُوعي فيُوعي الله عليك».

إذا تصدّقت المرأة من بيت زوجها

     قال ابن العربي: اختلف السَّلف فيما إذا تصدّقت المرأة من بيت زوجها: فمنهم من أجازه، لكن في الشيء اليسير الذي لا يُؤْبه له، ولا يظهر به النقصان، ومنهم مَن حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاري، ويحتمل أن يكون ذلك محمولاً على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه، ومنهم مَنْ قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن، النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأنْ يفتئتوا على ربِّ البيت بالإنفاق على الفقراء بغيرِ إذن، ومنهم مَنْ فرَّق بين المرأة والخادم، فقال: المرأة لها حقٌ في مال الزوج، والنظر في بيتها، فجاز لها أنْ تتصدَّق بخلاف الخادم، فليس له تصرف في متاع مولاه، فيُشْترط الإذن فيه، وهو متعقب بأنَّ المرأة إذا استوفت حقَّها فتصدقت منه؛ فقد تخصصت به، وإنْ تصدَّقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت. والله أعلم.

من فوائد الحديث

- الأوصاف المذكورة في الحديث شروط لحصول هذا الثواب، فينبغي أن يعتنى بها، ويحافظ عليها.

- وأنَّ الأصل الشَّرعي: لا يَجوز لأحدٍ أنْ يتصدَّق مِنْ مالِ غيره بغير إذْنه.

- يجوز للمرأة أنْ تأخذ ما يكفيها دون إذن الرجل إذا كان بخيلاً لا يَنفق عليها وعلى ولدها، وإذا كان لها النَّظر في بيتها جاز لها الصَّدقة بما لا يكون فيه إضاعة للمال، ولا إسْراف فيه، وهذا يتحدّد بمقدار العُرف والعادة، وما تعلم أنه لا يضر زوجها، وتطيب به نفسه.

- وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنها تُؤجر على ذلك، ويُؤْجر زوجها بما كسَب، ويُؤْجر الخادم المُمْسك لذلك، وهو الخازن المذكور في الحديث، إلا أنَّ مقدار أجر كلّ واحدٍ منهم لا يعلمه إلا الله، والأظهر أنَّ الكاسب للمال أعظمهم أجرًا.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك