رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 نوفمبر، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الزكاة من صحيح مسلم – الدُّعاء لمن أتَى بصدقته

 

عن عَبْدِ اللَّهِ بن أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قال: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَال: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ»؛ فأَتَاهُ أَبِي، أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ؛ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ علَى آلِ أَبِي أَوْفَى». الحديث رواه مسلم في الزكاة (2/756) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري.

اللهم صل عليهم

     قوله: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: اللهم صل عليهم؛ فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته؛ فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»، هذا الدعاء وهو الصلاة، امتثال لقول الله -عز وجل-وهو ما أمر الله -تعالى- به رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(التوبة : 103).

صدقة تطهرهم

     قال أبو جعفر الطبري: يقول -تعالى- ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد، خُذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها (صدقة تطهرهم)، من دنس ذنوبهم (وتزكيهم بها)، يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها, إلى منازل أهل الإخلاص (وصل عليهم)، يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم, واستغفر لهم منها (إن صلاتك سكن لهم)، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم (والله سميع عليم)، يقول: والله سميعٌ لدعائك إذا دعوت لهم، ولغير ذلك من كلام خلقه (عليم)، بما تطلب بدعائك ربّك لهم ، وبغير ذلك من أمور عباده.

الدعاء لدافع الزكاة سُنةٌ

     قال النووي: ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة: أنَّ الدعاء لدافع الزكاة سُنةٌ مستحبة ليس بواجب، وقال أهل الظاهر: هو واجبٌ، وبه قال بعض أصحابنا، حكاه أبو عبد الله الحناطي - بالحاء المهملة -، واعتمدوا الأمر في الآية، قال الجمهور: الأمر في حقّنا للندب؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً وغيره لأخذ الزكاة، ولم يأمرهم بالدُّعاء، وقد يجيب الآخرون: بأنَّ وجوب الدعاء، كان معلوماً لهم من الآية الكريمة، وأجاب الجمهور أيضا: بأنَّ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته سكنٌ لهم، بخلاف غيره، واسْتحب الشافعي في صفة الدعاء أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طَهُوراً ، وبارك لك فيما أبقيت .

الصلاة على الناس

     أما الصلاة على الناس: فقال النووي: قال أصحابنا: لا يُصَلّى على غير الأنبياء إلا تَبَعا؛ لأنَّ الصلاةَ في لسان السلف مخصوصة بالأنبياء - صلاة الله وسلامه عليهم -، كما أنّ قولنا :  -عزّ وجل- مخصوصٌ بالله -سبحانه وتعالى-؛ فكما لا يُقال: محمد -عزّ وجل- وإنْ كان عَزيزاً جليلاً، ولا يقال: أبو بكر رضي الله عنه وإنْ صحَّ المعنى، واختلف أصحابنا في النَّهي عن ذلك، هل هو نهي تنزيه؟ أم محرم؟ أو مجرد أدب؟ على ثلاثة أوجه: الأصحّ والأشهر أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعارٌ لأهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود، قال: واتفقوا على أنّه يجوز أنْ يجعل غير الأنبياء تبعاً لهم في ذلك؛ فيقال: اللهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته وأتباعه؛ لأنّ السلف لم يمنعوا منه، وقد أمرنا به في التشهد وغيره . انتهى.

وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: وفصل الخطاب في هذه المسألة أنّ الصلاة على غير النبي، إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم؛ فإنْ كان الأول؛ فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجائزة مفردة .

الملائكة وأهل الطاعة

     وأما الثاني: فإنْ كان الملائكة وأهل الطاعة عموما، الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم، جاز ذلك أيضا؛ فيقال: اللهم صل على ملائكتك المقربين، وأهل طاعتك أجمعين، وإنْ كان شخصاً معيناً، أو طائفة معينة، كُره أنْ يَتَّخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجهٌ، ولاسيما إذا جعلها شعاراً له.

لا يجعل ذلك شعاراً

     وأما إنْ صلّى عليه أحياناً؛ بحيث لا يجعل ذلك شعاراً، كما صلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر: للميت صلى الله عليه، وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي مِن صلاته على عمر؛ فهذا لا بأس به، وبهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب، والله الموفق. (جلاء الأفهام) (ص 465- 482).

الصلاة على غير الأنبياء

     وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بعد ذكر الخلاف ملخصاً هذا الخلاف: وأما الصلاة على غير الأنبياء؛ فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث: «اللهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته»؛ فهذا جائز بالإجماع، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم .

القول بالجواز

     فقال قائلون: يجوز ذلك، واحتجوا بقوله:  {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُه}، وبقوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}، وبقوله -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفَى، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صلِّ عليهم»، وأتاه أبي بصدقته؛ فقال: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى». أخرجاه في الصحيحين، وبحديث جابر: أن امرأته قالت: يا رسول الله، صلِّ عَلَيَّ وعلى زوجي؛ فقال: «صلى الله عليكِ وعلى زوجك».

قول الجمهور

     وقال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفْراد غير الأنبياء بالصلاة؛ لأن هذا قد صار شعاراً للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: قال أبو بكر -صلى الله عليه-، أو قال: علي -صلى الله عليه-، وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: قال محمد -عز وجل-، وإن كان عزيزا جليلا؛ لأن هذا من شعار ذكر الله، -عز وجل- وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم؛ ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى، ولا لجابر وامرأته، وهذا مسلك حسن .

وقال آخرون : لا يجوز ذلك؛ لأنَّ الصلاة على غير الأنبياء، قد صارت من شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم؛ فلا يقتدى بهم في ذلك، والله أعلم .

اختلاف المانعين

     ثم اختلف المانعون من ذلك : هل هو من باب التحريم، أم الكراهة التنزيهية، أم خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار، ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون: أنه مكروه كراهة تنزية؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود، قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أنّ الصلاة صارت مخصوصة في اللسان بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-، كما أن قولنا: -عز وجل-، مخصوص بالله -سبحانه وتعالى-؛ فكما لا يقال: محمد -عزّ وجل-، وإنْ كان عزيزاً جليلا لا يقال : أبو بكر - أو: علي -صلى الله عليه.

قول النووي

     قال - أي النووي -: وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال : -علي عليه السلام-، وسواء في هذا الأحياء أم الأموات، وأما الحاضر فيخاطب به؛ فيقال: سلام عليكم، أو سلام عليك، أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى ما ذكره .

ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة

     قلت (ابن كثير): وقد غلب هذا في عبارة كثير من النُّسّاخ للكتب، أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: -عليه السلام-، من دون سائر الصحابة، أو: -كرم الله وجهه- وهذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم؛ فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه، -رضي الله عنهم أجمعين.(تفسير ابن كثير) عند قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(الأحزاب: 56).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك