رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 4 مارس، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب : في يوم الحجّ الأكبر

  • الحديث فيه مَشروعية إرْسال مَنْ يقوم بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المنكر في الحج والمساجد والأسواق وغيرها
  • في الحديث فَضيلةٌ ومَنْقَبةٌ لأبي بَكرٍ وعليِّ بْنِ أبي طالبٍ رضي الله عنهما ثمّ لأبي هريرة  رضي الله عنه
  • مَوسِم الحجِّ تَبرُزُ فيه المُفاصَلةُ التَّامَّةُ مع أهلِ الشِّركِ والكُفرِ ويبدؤها الحاج والمعتمر بقوله: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك
 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عله وسلم- قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. رواه مسلم في الحج (2/982) باب: لَا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولَا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيانٌ، وبيان يوم الحجّ الأكبر.

       يُخبر أبو هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنّ أَبا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - بعثه فِي الحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيها رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عله وسلم-، أي: الحجة التي جعله فيها أميراً ليحجّ بالناس، وذلك سنة تسع من الهجرة، وهي قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ التي حجّها رسول الله - صلى الله عله وسلم-، «فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ» الرهط من الرّجال: ما دون العشرة، لا يكون فيهم امرأة، والرّهط لا واحد له من لفظه، «يؤذنون» أي: يُعلمون الناس، فالمراد هنا الأذان اللغوي وهو الإعلام. وجاء أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عله وسلم- بعث عليَّ بنَ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - بعْدَ أبي بَكرٍ - رضي الله عنه - يَقرَأُ على النَّاسِ سُورةَ بَراءةَ، لِيَنْقُضَ عهْدَ المشركينَ، و(بَراءة) هي سُورةُ التَّوبةِ، وأنْ يُناديَ أيضًا بمِثلِ ما بُعِثَ به أبو بَكرٍ - رضي الله عنه -، فأذَّن عليٌّ - رضي الله عنه - معهم يومَ النحرِ بسُورةِ براءة، وبمِثْلِ ما أذَّنَ أبو هُرَيرةَ وأصحابُه بأَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ. و«يوم النّحر» هو اليوم العاشر من ذي الحجّة.

فوائد الحديث

في الحديث فوائد عدة نذكر منها ما يلي:

الفائدة الأولى

      كان المُشْركون يَحُجُّونَ كلَّ سَنةٍ، وكان بعضُهم يَطوفُ بِالبيتِ عُريانًا، فلمَّا فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ أمَرَ نَبِيَّه أنْ يَمْنَعَ كُلَّ أفْعالِ الجاهِلِيَّةِ حَوْلَ البَيْتِ، وأنْ يُعْلِنَ البَراءَةَ مِنَ الشِّرْكِ والمُشرِكينَ، وقد أمَّرَ النَّبيُّ - صلى الله عله وسلم- أبا بكرٍ - رضي الله عنه - على الحجَّاجِ في العامِ التاسِعِ من الهِجرةِ، وهي الحجَّةُ الَّتي قبْلَ حجَّتِه - صلى الله عله وسلم-، وأمره أن يُعلِنَ في النَّاسِ هذه المبادئَ الإسلاميّة.

الفائدة الثانية

      الحديثُ فيه دلالة على النّهي عن الطّواف بالبيت عُريانًا، وإبْطال ما كان عليه أهلُ الجاهلية مِنَ الطّواف عراةً، قال مجاهد: كان المشركون يطوفون بالبيت عراة، فأنزلَ الله -تعالى-: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، (الأعراف: 28). قال الحافظ ابن كثير: كانت العرب- ما عدا قُريشاً- لا يطُوفُون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنّهم: لا يَطُوفُون في ثيابٍ عَصَوا الله فيها، وكانت قريش- وهم الحُمس- يطوفون في ثيابهم، ومَنْ أعَاره أحْمسي ثوباً، طافَ فيه، ومَنْ معه ثوبٌ جديد، طافَ فيه ثمّ يُلقيه فلا يتملّكه أحَد، فمَنْ لمْ يجدْ ثوباً جديداً ولا أعَاره أحْمسي ثوباً، طاف عرياناً. قال: وأكثر ما كانَ النساءُ يَطفن عُراةً بالليل. وكان هذا شيئًا قد ابْتدعوه مِنْ تلقاء أنفسِهم، واتّبعوا فيه آباءهم، ويَعتقدُون أنّ فعل آبائهم مُسْتندٌ إلى أمرٍ مِنَ الله وشَرْع؛ فأنكرَ اللهُ -تعالى- عليهم ذلك، فقال: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}، فقال -تعالى- ردّاً عليهم: {قلْ} أي: قلْ يا محمد، لمَن ادّعى ذلك: {إنّ الله لا يأمرُ بالفَحْشاء} أي: هذا الذي تَصْنعُونه فاحشةٌ مُنْكرة، واللهُ لا يأمرُ بمثلِ ذلك؟ {أتقُولُون على اللهِ ما لا تعلمون} أي: أتُسْندُون إلى الله مِنَ الأقوال، ما لا تعلمون صحته؟! انتهى. واستدلّ بالآية والحديث، مَنْ قال: إنّ الطواف يُشْترط له سَتْر العَورة، وبه قال الجمهور مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله وغيرهم، وهو القولُ الصّحيح. ولأنّ الطواف بالبيت صلاة، كما جاء عن ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أنَّ النبيَّ - صلى الله عله وسلم- قال: «الطَّوافُ حَولَ البيتِ مِثلُ الصَّلاةِ، إلَّا أنَّكم تتكلَّمونَ فيه، فمن تكلَّمَ فيه فلا يتكَلَّمنَّ إلَّا بخيرٍ». أخرجه الترمذي (960) واللفظ له، والدارمي (1847)، وابن حبان (3836). وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)(960)، فلا شكّ أنّ الطّواف عُرياناً لا يجوز شَرعاً، بل ولا مُروءة وخُلُقاً وأدَباً مع أعظم المساجد في الأرْض، وأبلغها حُرمة عند الله -تعالى.

الفائدة الثالثة

الحديثُ فيه دليل على أنّه يجبُ تَطهير الحَرم من كلّ شِرْكٍ ومُشرك، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (التوبة: 28)، فيَحرُم إدخالُ المُشْرك الحَرمَ. قال النووي -رحمه الله-: «فلا يُمكَّن مُشركٌ من دُخُول الحَرَم بحال، حتى لو جَاء في رسالةٍ أو أمْرٍ مُهم، لا يُمكَّن مِنْ الدُّخُول، بل يَخرُج إليه مَن يَقْضي الأمر المُتعلّق به، ولو دَخل خُفيةً ومرِضَ ومات، نُبشَ وأُخْرج مِنَ الحَرم». (شرح النووي لمسلم) حديث ( 1347). وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «لا يَحجُّ بعد العام مُشْرك» ويدخل في ذلك غير المُشْرك أيضاً، فإذا كان هناك إنْسانٌ كافر، فإنّه لا يحلّ له الحج، وبناءً على ذلك، فإنّ مَنْ لا يُصلّي لا يحلّ له أنْ يحج، ولو حجَّ لم يُقبل منه، فيكون آثِماً، ولعلّ هذا يكون تذكرة لأولئك الذين ابتُلوا بترك الصلاة، حتى يُصلُّوا، ليَتَمكّنُوا مِنَ الحَج». انظر شرحه للبخاري (5/332).

الفائدة الرابعة

      الحديث فيه مَشروعية إرْسال مَنْ يقوم بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المنكر، في الحج والمساجد والأسواق وغيرها؛ ففي هذا الحَديثِ، يُخبِرُ أبو هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - قد أرسل جماعةً -منهم أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يومَ النَّحرِ -ويومُ النَّحرِ هو يومُ عيدِ الأضْحى، وهو اليومُ العاشِرُ من ذي الحجة- يُعلِمونَ النَّاسَ، ويُنادونَ فيهم: ألَّا يَقرَبَ البيتَ الحرامَ بعْدَ هذا اليومِ مُشرِكٌ، وألَّا يَطوفَ بِالبيتِ عُريانٌ. وكان صَدْرُ سُورةِ التوبةِ قد أُنزِلَ على النَّبيِّ - صلى الله عله وسلم- بعد خروجِ أبي بكرٍ - رضي الله عنه - بالحُجَّاجِ إلى مكَّةَ، فبعث رسولُ الله - صلى الله عله وسلم- عليَّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - نائباً عنه يتلوها على النَّاسِ، وقيل: كان مِن عَادةِ العربِ أنْ يقومَ بإبْرامِ العُهودِ أو نقْضِها سيِّدُ القَوْمِ، أو مَن ينُوبُ عنه مِن قَرابَتِه.

الفائدة الخامسة

في الحديث فَضيلةٌ ومَنْقَبةٌ لأبي بَكرٍ وعليِّ بْنِ أبي طالبٍ -رضي الله عنهما-، ثمّ لأبي هريرة - رضي الله عنه .

الفائدة السادسة

أنَّ مَوسِمَ الحجِّ تَبرُزُ فيه المُفاصَلةُ التَّامَّةُ مع أهلِ الشِّركِ والكُفرِ، ويبدؤها الحاج والمعتمر بقوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك