رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 25 مايو، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في المَوَاقِيت في الحَجِّ والعُمْرة

  • أهل مكة يُحْرمون لنُسُكهم منْ مكة ولا يلزمهم الخُروج إلى الحلّ للإحرام منه وكذا كلّ مَن كان بيته داخل حُدود المواقيت فإنّه يُحْرم مِنْ بيته
  • المواقيتُ حدّدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل الآفاق فلا يجوز لمُسلمٍ يُريد الحَجّ أو العُمرة أنْ يتجاوزها دُون إحْرام وهذه الأماكن تختلف قُرْباً وبُعداً عن مكة فأبعدها ذُو الحُليفة
 

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، ولِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ. قَالَ: «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ والْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وكَذَا فَكَذَلِكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا»، وعن أَبي الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: يُسْأَلُ عَنْ المُهَلِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ- أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، والطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ، ومُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، ومُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، ومُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

     المواقيت: هي جَمع ميقات، وأصل التوقيت أنْ يُجْعل للشيء وقتٌ يَختصّ به، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضاً، ومواقيتُ الحَجّ: المُراد بها هنا: ما حدّدته الشّريعة مِنَ الأماكن التي لا يجوزُ أنْ يتجاوزها مَنْ أرادَ الحَجّ أو العُمرة إلا مُحْرماً، فهي الأماكن التي وقْتَتها وحدّدتها الشريعة للإحْرام منْها.

قوله: «وقّتَ لأهْلِ المَدينة ذا الحُليفة»

     أي: جَعَل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وفرض لهم ذلك الموضع ميقاتاً للإحرام. وذو الحليفة: قريةٌ بينها وبين المَدينة نحو أربعة أميال، وتسمى الآن (آبار عليّ) وبها مسجد كان يعرف بمسجد الشجرة، وقد جُدّد بناؤه، وقد أحْرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من عنده.

قوله: «وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ»

     والجحفة: هي قريةٌ كانت جنوبي شرق رابغ، على نحو ميلين، وتسمى مهيعة، فأجْحف السيل بها فسُمّيت الجُحفة، ولمَّا خَربت ونضب ماؤها، اتفقّ المسلمون على أنْ يكون الإحْرام مِنْ «رابغ» بدلاً منها، لأنّها قبلها بقليل، وبها ماء للاغتسال. وبين رابغ والمدينة نحو (275 كيلو مترا). وقوله: «ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ» ونَجد: هي ما ارتفع من بلاد العرب، ومنه قول الأعشى:

نَبيٌّ يَرَى ما لا يَرَونَ وذِكْره

                                    أغَارَ لعَمْرِي في البِلاد وأنْجَدَا

     والمصطلح عليه عند عامة العرب، أنّ نَجداً ما وَقع من بلاد العرب شَرقي جبل حضن، ولذلك قيل: من رأى حضنًا فقد أنْجد، يعني دَخل أرض نجد، وحضن: شرقي الطائف، ونجْدٌ الآنَ تُمثِّلُ قلْبَ الجَزيرةِ العربيَّةِ، تَتوسَّطُها مَدينةُ الرِّياضِ عاصمةُ المَملكةِ العَربيَّةِ السُّعوديةِ، وتَشمَلُ أقاليمَ كثيرةً، منها: القَصيمُ، وسديرُ، والأفلاجُ، واليَمامةُ، والوشمُ، وغيرُها.

قرن المنازل

     وقرن المنازل: هو المعروف الآن بالسيل الكبير، وهي قرية بها ماء على مرحلتين من مكة شرقيها وتوازي (وادي مَحْرم) الواقع على طريق الطائف (الهدا) وعنده مسجدٌ يُحْرم منه القادمون من الطائف، ونجد إلى مكة عن طريق الهدا. ويَبعُدُ عن مكَّةَ المُكرَّمةِ (75 كم).

قوله: «ولِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ»

        ويلمْلم: ويقال فيه ألَمْلم ويرموم، وهو بتهامة على مرحلتين من مكة جنوباً، وبالقرب منها الآن قرية (السّعديّة) يُحْرم الناس القادمون مِنَ اليمن، وتَبعد عن مكة بحوالي (105) كيلو متراً جنوباً، وفي حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: «ومُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ» وذات عرق اخْتُلِف فيها، هل هي توقيفية أو اجتهادية؟ يعني: هل جاء النص فيها عن النبي -[- أو وقّتها الصّحابة عندما فُتِحت العراق؟ قال الشافعي -رحمه الله في الأم-: «هو غير منصوص عليه». وروى البخاري: من طريق نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما فُتِحَ هذان الْمِصْرَان، أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَدّ لأهلِ نَجدٍ قَرْناً، وهو جَور عن طريقنا، وإنّا إنْ أرَدْنا قرناً، شقّ علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فَحَدّ لهم ذات عرق. وما رواه مسلم: في الباب من طريق أبي الزبير أنّه سمع جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- يُسأل عن المهل، فقال: سمعت- أحسبه رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال: «مهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق من ذات عرق... الحديث. فقال الحافظ النووي في «المجموع»: «وأمّا حديث جابر في ذات عرق فضعيف، رواه مسلم في صحيحه، لكنّه قال في روايته عن أبي الزبير أنّه سمع جابرا يسأل عن المهل فقال: سمعت- أحسبه رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ومهل أهل العراق من ذات عرق، فهذا إسناد صحيح، لكنّه لم يجزم بِرَفْعِه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - فلا يثبت رفعه بمجرد هذا. انتهى. وقال الإمام ابن عبدالبر: أجْمع أهل العلم بالحجاز والعراق والشام وسائر أمصار المسلمين- فيما علمت- على القول بهذه الأحاديث واستعمالها، لا يخالفون شيئا منها، واختلفوا في ميقات أهل العراق، وفيمن وقَّتَه. وقال القرطبي في التفسير: «وأجمعَ أهل العلم على القول بظاهر هذا الحديث واستعماله، لا يخالفون شيئا منه، واختلفوا في ميقات أهل العراق».

قوله: «هنَّ لهنّ»

أي: هذه المَواقيت للبلاد المَذْكورة. «ولمَنْ أتَى عَلْيهنّ» أي: ولمَنْ مَرّ على المواقيت المذكورة من غير أهل البلاد المذكورة. «مِنْ غيرِ أهلهن» أي: من غير البلاد التي وقتتْ لها هذه المواقيت. وهو دليلٌ واضح على أنّ مَن مَرّ بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة، وجبَ عليه الإحْرام منها، سواءً كان مِنْ أهلِ المواقيت الأخْرى أو لمْ يكنْ منْها، فلو مرّ الشّامي أو اليمني أو النجدي بذي الحليفة فهي ميقاتُه، وإنّما يكون الميقات المحدّد لأهل بلده هو إذا مرّ به، ولم يمر بميقاتٍ قَبله. قوله: «ممّن أرادَ الحجّ والعُمرة» أي: ممّن قَصَد بمُرُوره على هذه الأماكن: نُسك الحجّ والعُمرة. قوله: «فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وكَذَا فَكَذَلِكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» أي: ومَنْ كان مسكنه، أو كان عزمه على الحجّ أو العمرة أدنى لمكة من هذه المواقيت. «فَمِنْ أَهْلِهِ» وفي رواية: «فمن حيثُ أنشأ» أي: فإحرامه مِنَ المكان الذي عَزَم فيه على النُّسُك، كأهل جدة وبحرة ونحوها من الأماكن التي تقع داخل المواقيت، فيكون إحْرام الشخص من المكان نفسه الذي يَعزم فيه على أداء النسك، وهو معنى: «وكَذَا فَكَذَلِكَ»، «حتى أهل مكة يُهلّون منها» أي: حتى أهل مكة يُحْرمُون لنُسُكهم من بُيوتهم بمكة.

فوائد الحديث

1- هذه المواقيتُ حدّدها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الآفاق، فلا يجوز لمُسلمٍ يُريد الحَجّ أو العُمرة، أنْ يتجاوزها دُون إحْرام، وهذه الأماكن تختلف قُرْباً وبُعداً عن مكة، فأبعدها ذُو الحُليفة. 2- الإحْرام مِنَ هذه المواقيت هو تعظيمٌ لحُرْمة البيتِ العتيق. 3- مَنْ مرّ بميقاتٍ من هذه المواقيت، وهو لا يُريد الحج أو العُمرة، فإنّه لا يجبُ عليه الإحْرام منه. 4- إن أهل مكة يُحْرمون لنُسُكهم منْ مكة، ولا يلزمهم الخُروج إلى الحلّ للإحرام منه، وكذا كلّ مَن كان بيته داخل حُدود المواقيت، فإنّه يُحْرم مِنْ بيته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك