رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 31 مارس، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: سَفَرُ المرأة إلى الحَجّ مع ذِي مَحْرم

  • لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤمنُ باللهِ العَظيمِ واليوْمِ الآخِرِ الذي فيه الحِسابُ والجنَّةُ والنارُ أنْ تُسافِرَ مَسيرةَ يَومٍ ولَيلةٍ إلَّا أنْ يكونَ معَها رجُلٌ مِن مَحارِمِها
  • وُجودُ الزَّوجِ أو المَحرمِ مع المرأة ليس لدَفْعِ الاعتداءِ عنها إنْ حدَثَ فقَطْ وإنَّما أيضًا لدَفْعِ الرِّيبةِ والشَّكِّ عنها ونحْوِ ذلك
  • النّهي عن سفر المرأة من غير ذي محرم يدلّ على أنّ للمَرأةِ مَكانة عَظيمة في الإسْلامِ وقدْ رفَعَ قدْرَها وحافَظَ عليْها وأمَرَ برعايتِها في كلِّ الأحوالِ
 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ سَفَراً يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِداً، إِلَّا ومَعَها أَبُوهَا، أَوْ ابْنُهَا، أَوْ زَوْجُهَا، أَوْ أَخُوهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - قَال: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، ولَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ». هذه الأحاديث رواها مسلم في الحج (2/975- 978) باب: سَفر المَرأة مع محرم إلى حجٍّ وغيره.

       في هذه الأحاديث نهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وزَجَرَ عنْ أنْ تُسافِرَ المرأةُ بغَيرِ مَحرَمٍ، وأخبَر بحُرْمةِ ذلك، وأنَّه لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤمنُ باللهِ العَظيمِ واليوْمِ الآخِرِ، الذي فيه الحِسابُ والجنَّةُ والنارُ، أنْ تُسافِرَ مَسيرةَ يَومٍ ولَيلةٍ، إلَّا أنْ يكونَ معَها رجُلٌ مِن مَحارِمِها؛ لأنَّ مَنْ كانتْ تُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ لا تَأتي المَناهيَ، ولا تُخالِفُ الأوامِرَ، وكأنَّه تَلميحٌ بالعِقابِ مِنَ اللهِ لمَن خالفَتْ هذا الأمرَ.

سفَر المرأةِ لمدَّةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ

        وقد جاء في الصَّحيحَينِ: مِن حَديثِ ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: النَّهيُ عن سفَرِ المرأةِ لمدَّةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ ولَياليها، إلَّا أنْ يكونَ معَها مَحرَمٌ، فقيل: إنَّ اختِلافَ المدَّةِ هو لاختلافِ السَّائِلينَ، واختلافِ مَواطنِهم، وليس في النَّهيِ عن الثَّلاثةِ تَصريحٌ بإباحةِ اليومِ واللَّيلةِ، وليس في هذا كلِّه تَحديدٌ لأقلِّ ما يقَعُ عليه اسمُ السَّفرِ، ولم يَرِدْ عنه - صلى الله عليه وسلم - تَحديدُ أقلِّ ما يُسمَّى سَفراً، فالحاصلُ: أنَّ كلَّ ما يُسمَّى سَفراً تُنهَى عنه المرأةُ بغَيرِ زوجٍ، أو مَحْرمٍ، سواءٌ كان ثَلاثةَ أيَّامٍ، أو يومَينِ، أو يَوماً، أو نِصفَ يومٍ، أو غيرَ ذلك. قوله: «لا يَحلّ لامْرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر» خصّ المُؤمنة بالذّكر؛ لأنّ صاحبَ الإيمان، هو الذي يَنتفع بخطابِ الشّارع، وينقاد له.

قوله: «مَسْيرة يوم وليلة»

      وقوله: «مَسْيرة يوم وليلة» وفي حديث ابن عمر: «لا تُسافر المَرأة ثلاثة أيام، إلا مع ذي محْرم»، وفي حديث أبي سعيد: «لا تُسافر امرأة مسيرة يومين ليسَ معها زوجها أو ذو محرم»، وفي حديث ابن عباس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحرم، ولا يدخل عليها رجلٌ إلا ومعها مَحرم»، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريدُ أنْ أخْرج في جيشِ كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: «اخرُج معها»، قال الحافظ ابن حجر: «وقد عَمِل أكثر العلماء في هذا الباب بالمُطلق، لاخْتلاف التقييدات. قال ابنُ المنير: وقع الاخْتلاف في مَواطن بحسب السائلين، ويُحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذِكْر ما دونها، فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك، وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد، فعلى هذا يتناول السفر طويل السير وقصيره، ولا يتوقّف امتناع سير المرأة على مسافة القصر». «فتح الباري» (4/ 75).

قوله: «إلا ومعها ذُو محْرم»

       فسّره في حديث أبي سعيد بقوله: «إِلَّا ومَعَها أَبُوهَا، أَوْ ابْنُهَا، أَوْ زَوْجُهَا، أَوْ أَخُوهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا». فمَحرَمُ المرأةِ هو زَوجُها ومَن يَحرُمُ علَيها بالتَّأبيدِ، بسَببِ قَرابةٍ، أو رَضاعٍ، أو صِهْريةٍ، كأبيها، وابنها، وأخيها، فلا يَدخُلُ في المحرَمِ ابنُ العَمِّ ولا ابنُ الخالِ، ولا زوجُ الأختِ، ولا زوجُ العمَّةِ، ولا زوجُ الخالةِ، وما شابَههم، ممَّن يَحِلُّ لهم الزَّواجُ منها لو فارَقَ زَوجتَه. ووُجودُ الزَّوجِ أو المَحرمِ معها ليس لدَفْعِ الاعتداءِ عنها إنْ حدَثَ فقَطْ، وإنَّما أيضًا لدَفْعِ الرِّيبةِ والشَّكِّ عنها، ونحْوِ ذلك، قال الحافظ: «واسْتدلّ به على عدم جواز السّفر للمرأة بلا مَحرم، وهو إجماعٌ في غير الحج والعمرة، والخُروج من دار الشرك، ومنْهم من جعل ذلك من شرائط الحج.

منع الخلوة بالأجنبية

       قوله: «ولا يَدْخل عليها رجلٌ إلا ومعها محرم»، فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، لكن اختلفوا: هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات، والصحيح الجواز، لضَعف التهمة به، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبًا. (فتح الباري) (2/ 568).

حج المرأة مع ذي محرم

     قال شيخ الإسْلام ابن تيمية: «وليس للزّوج منع زوجته من الحجّ الواجب مع ذي مَحْرم، بل عليها أنْ تحج وإنْ لمْ يأذن في ذلك، حتى إنّ كثيراً منَ العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النّفقة عليه مدّة الحج..»، وقال في «الفتاوى المصرية»: إنّ المرأة لا تسافر للحجّ إلا مع زوج أو ذي محرم، والمحرم زوج المرأة، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ، وهو قول أكثر العلماء، واختاره ابن عقيل، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين في التحريم لا المحرمية اتفاقًا، والله أعلم». الاختيارات الفقهية (1/ 465).

من فقه الحديث

       قال الحافظ أبو عمر ابن عبدالبر: «في هذا الحديث من الفقه: أنّ المرأة لا يجوز لها أن تسافر هذه المسافة فما فوقها، إلا مع ذي محرم، أو زوج، وقد اختلفت ألفاظ أحاديث هذا الباب في مقدار المسافة، وسنذكر ذلك والمعنى فيه في آخر هذا الباب إن شاء الله. واختلف الفقهاء في معنى ذي محرم للمرأة، هل هو من السبيل الذي ذكر الله في الحج أم لا؟ فقالت طائفة: المحرم من السبيل الذي قال الله -عزوجل-: {من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران: 97). فمَن لم يكن لديها ذو محرم فتخرج معه، فليست ممن استطاع إلى الحج سبيلاً، لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ تُسافر المرأة إلا مع ذي مَحرم منها. وممّن ذهب إلى هذا إبراهيم النخعي، والحسن البصري، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور، وقال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الرجل، هل يكون محرَمًا لأم امرأته يخرجها إلى الحج؟ فقال: أما في حجة الفريضة فأرجو؛ لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته، وأما في غيرها فلا، وكأنه ذهب إلى أنّه لم يذكر في القرآن، قال أبو عمر: يعني في قول الله -عزوجل-: {ولا يُبْدين زينتهن إلا لبعولتهن} الآية. قال الأثرم: قيل لأحمد: فيَحجُّ الرجلُ بأخت امرأته؟ قال: لا؛ لأنّها ليستْ منه بمحرم، لأنّها قد تحلّ له، قيل له: فالأخ من الرّضاعة يكون محرماً؟ قال: نعم، قيل له: فيكون الصّبي مَحْرماً، قال لا، حتّى يحتلم؛ لأنّه لا يقومُ بنفسه، فكيف تخرج معه امرأة في سفر؟ لا حتى يحتلم، وتجبُ عليه الحدود، أو يبلغ خمس عشرة سنة.

مقدار السفر

       ثم ساق الروايات في الباب في مقدار السفر، ثم قال: وقد اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب، كما ترى في ألفاظها، ومحملها عندي - والله أعلم - أنّها خرجت على أجوبة السائلين، فحدّث كل واحد بمعنى ما سمع، كأنّه قيل له - صلى الله عليه وسلم - في وقتٍ ما: هل تسافر المرأة مسيرة يوم بلا مَحْرم؟ فقال: لا، وقيل له في وقت آخر: هل تسافر المرأة مسيرة يومين بغير محرم؟ فقال: لا، وقال له آخر: هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم؟ فقال: لا. وكذلك معنى الليلة والبريد ونحو ذلك، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى، والله أعلم. ويجمع معاني الآثار في هذا الباب- وإن اختلفت ظواهرها- الحَظْر على المرأة أنْ تُسافرَ سفراً يخاف عليها الفتنة بغير محرم، قصيراً كان أو طويلاً، والله أعلم. انتهى.

الأحاديث متنوعة في هذا

       وقال الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله-: «الأحاديث متنوعة في هذا، فيها يومان، وفيها يوم وليلة، وفيها يوم، وفيها ليلة، وفيها ثلاثة أيام، وفيها مطلق، هذا على اختلاف الأسْئلة يجيبهم على قدر سؤالهم -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الجامع ما رواه الشيخان في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم، ولا تُسَافر المرأة إلا مع ذي محرم؛ فقال رجل: يا رسول الله، إنّ امْرأتي خرجتْ حاجّة، وإني اكتتبتُ في غزوة كذا وكذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انطلق فحجّ مع امرأتك». أخرجه البخاري.

حديث جامع

        والحديث الجامع: «لا تُسَافر إلا مع ذي محْرَم». أي: سفر، يوم أو ليلة، أو يومين، أو ثلاث، أو أكثر، أو أقلّ؛ لأنّها عَورة وفتنة، وإذا لمْ يكنْ معها محرمٌ يَصُونها ويلاحظها عن الخطر العظيم عليها، فالشيء الجامع هو السّفر وما يُعدُّ سفرًا هو الممنوع قد يكون يوماً، قد يكون يومين، قد يكون ثلاثة، وقد يكون أكثر من ذلك. قال: ولا فرق بين الطائرة وبين القطار والسيارة وبين الجمل، فإن الذي أخبر عن هذا يعلم -سبحانه- ما في السماء والأرض، وما يكون في آخر الزمان، والرسول -[- إنّما يخبر عن مشروعية ذلك، لقوله -سبحانه-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:3-4)، فهو يعلم عن شرع الله، ويُخبر عن شرع الله في الحاضر والمستقبل، والله -سبحانه- يعلم ما يكون في آخر الزمان في القرن الرابع عشر، والخامس عشر من الطائرات والسيارات والقطارات، والبواخر العظيمة السريعة وغير ذلك، فحُكْمه واحدٌ بيَّنه لعباده، ولمْ يَقل: إلا إذا كان في آخر الزمان، وجاءت مراكب سريعة فلا بأس، قد جعل الحكم واحداً». انتهى (مجموع فتاويه).

فوائد الحديث

      من فوائد الحديث النَّهيُ عن سَفرِ المرأةِ بغَيرِ مَحرمٍ معَها، سواء يوماً وليلةً أو أكثرَ أو أقل، وهذا النّهي يدلّ على أنّ للمَرأةِ مَكانة عَظيمة في الإسْلامِ، وقدْ رفَعَ قدْرَها وحافَظَ عليْها، وأمَرَ برعايتِها في كلِّ الأحوالِ، في الحَضرِ والسَّفرِ، ومِن أَوْجُهِ المحافَظةِ عليها ما جاء في هذا الحديثِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك