رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 22 أبريل، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: حجّ الصّبي وأجْر مَنْ حَجَّ به

  • الإسلامُ وضعَ شُروطًا للتَّكليفِ وإيجاب الفرائضِ على المسلمِ ومِن ذلك أنَّه جَعَلَ الحجَّ غيْرَ واجبٍ إلَّا على البالغِ العاقلِ الحُرِّ المُستطيعِ
 

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: «مَنْ الْقَوْمُ؟»، قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَال: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ». يَرْوي عبداللهِ بنُ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - «لقي ركباً بالرّوحاء فقال: من القوم؟» الرّكب: هم الجماعةُ المُسافِرون، وهم أصْحاب الإبل خاصّة، وأصله أنْ يُسْتعمل في عشرةٍ فما دونها، و«الروحاء» مكان على ستةٍ وثلاثين ميلاً من المدينة. وكان ذلك في طَريقِ الرُّجوعِ مِن حَجَّةِ الوَداعِ، كما بيَّنَت رِوايةُ النَّسائيِّ.

 

قوله: «فَقَالَ: «مَنْ الْقَوْمُ؟»

      قوله: «فَقَالَ: «مَنْ الْقَوْمُ؟» فأجابوه بأنَّهم مِن جَماعةِ المسلمين، وقوله: «فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟» قال القاضي عياض: يحتمل أنّ هذا اللقاء كان ليلاً فلمْ يعْرفوه - صلى الله عليه وسلم -، ويَحتمل كونه نَهاراً، لكنّهم لمْ يروه - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك لعدم هِجرتهم، فأسْلموا في بلدانهم ولمْ يهاجروا قبل ذلك.

ألهَذا حَجّ؟

       قوله: «فرفعتْ امرأةٌ صَبيا لها فقالت: ألهَذا حَجّ؟ الصَبيّ هو الصغير هو الَّذي لمْ يصل سِنَّ البلوغِ. قال: «نعم، ولك أجْر». قال النووي: فيه حجّة للشّافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء: أنّ حَج الصّبي مُنعقدٌ صحيح، يُثاب عليه، وإنْ كان لا يُجْزيه عن حجّة الإسْلام، بل يقع تطوعاً، وهذا الحديث صَريحٌ فيه، وقال أبو حنيفة: لا يصحّ حجّه؟ قال أصْحابه: وإنّما فعلوه تمريناً له ليعتاده، فيقع إذا بلغ، وهذا الحديث يردّ عليهم، قال القاضي: لا خلافَ بين العلماء في جواز الحجّ بالصّبيان، وإنّما مَنَعه طائفة مِنْ أهل البدع، ولا يُلتفت إلى قولهم، بل هو مَردُود بفعل النّبي - صلى الله عليه وسلم - وأصْحابه، وإجماع الأمة، وإنما خلاف أبي حنيفة في أنه هل ينعقد حجه وتجري عليه أحْكام الحج، وتجبُ فيه الفدية، ودم الجُبران، وسائر أحْكام البالغ، فأبو حنيفة يمنع ذلك كله، ويقول: إنّما يجبُ ذلك تمريناً على التعليم، والجمهور يقولون: تجري عليه أحْكام الحج في ذلك، ويقولون: حجّه منعقدٌ يقع نفلاً؛ لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل له حجّاً. قال القاضي: وأجْمعوا على أنه لا يُجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسْلام، إلا فرقة شذّت فقالت: يُجزئه؟ ولمْ تلتفت العلماء إلى قولها. انتهى. فلمَّا عَلِموا أنَّه رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، رَفَعَت إليه امرأةٌ منْهم وسَأَلت: «أَلِهذا حَجٌّ؟» أي: يَحصُلُ لِهذا الصَّغيرِ ثوابُ حَجٍّ، فأجابَها - صلى الله عليه وسلم -: نَعَمْ» لَه حجُّ النَّفلِ، «ولَكِ أَجرٌ» أي: بسَببِ تَجنيبِها إيَّاه ما يَجتنِبُه المُحرِمُ، وفِعلِ ما يَفعَلُه المُحرِمُ، وتَعليمِه إنْ كان مُميِّزاً، أو أجْرُ النِّيابةِ في الإحرامِ، والرِّميِ، والإيقافِ، والحملِ في الطَّوافِ والسِّعيِ، إنْ لم يكُنْ مُميِّزًا، وفي قولِه: «ولكِ أجْرٌ» تَرغيبٌ لها. فالحَجُّ يَصِحُّ مِن الصَّبيِّ، ويُثابُ عليه، ولكنْ لا يَكفِيه عن الفريضةِ، وعليه حَجُّ الفريضةِ بعْدَ البلوغِ.

فوائد الحديث

  • الإسلامُ وضعَ شُروطًا للتَّكليفِ وإيجاب الفرائضِ على المسلمِ، ومِن ذلك أنَّه جَعَلَ الحجَّ غيْرَ واجبٍ إلَّا على البالغِ العاقلِ، الحُرِّ المُستطيعِ.
  • مشروعية الحج بالصغير مُطلقاً، سواء كان مُميّزاً أم لا.
  • وفيه: أنَّ الصَّبيَّ يُثابُ على طاعتِه، ويكُتَبُ له حَسناتُه.
  • وثُبوتُ الأجرِ لوليِّ الصَّبيِّ إذا حجَّ به.
  • وفيه: أنَّ مَن جَهِل شيئًا فعليه أنْ يَسألَ أهلَ العلمِ عمَّا يَجهَلُه مِن الأحكام، قال الله -تعالى-: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل: 43).
  • وفيه: أنَّ مَن أعان شخصًا على طاعةٍ فله أجرٌ.
  • ومشروعية الزّيادة في الجواب عن السُّؤال زيادة في الفائدة، وهو مِنْ عادة الشّرع، والبلغاء والعُلماء.
  • وفيه: أنّ على النّساء أنْ يسألن عمّا يَجهلنه منَ الأحْكام كالرجال، وأنْ يتفقّهن في الدّين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك