رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 19 فبراير، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: ثوابُ الحَجّ والعُمْرة

  • جعَلَ اللهُ عزَّوجلَّ الطاعاتِ وسائرَ أعمالِ الخيرِ مُكفِّراتٍ للذُّنوبِ ورافعاتٍ للدَّرَجاتِ ومِن أجلِّ الطاعاتِ في الأجْرِ وأعْلاها في الدَّرجةِ الحجُّ والعُمرةُ
  • فَريضةُ الحجِّ هي الرُّكنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ وهي الفَريضةُ التي تَستوجِبُ مُفارَقةَ المَألوفاتِ والعاداتِ استجابةً لرَبِّ العالَمينَ
  • الحجّ المُستوفي لشُروطِه مُكفِّرٌ للذُّنوبِ جَميعِها صَغائرَ وكَبائرَ إلَّا ما وَرَدَ في حُقوقِ العِبادِ
   

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، والْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». في الباب حديثان: رواهما مسلم في الحج (2/983) باب: في فَضْل الحَجّ والعُمرة ويوم عرفة.

        في الحَديثِ الأول: يُخبِرُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِفضْلِ عِبادةِ العُمْرةِ والحجِّ، أمَّا العُمرةُ فقالَ فيها - صلى الله عليه وسلم -: «العُمرةُ إلى العُمرةِ كَفَّارةٌ لِما بيْنَهما» أي: مَن اعتَمَر عُمَرتَينِ، كانَتِ العُمرتانِ سَببًا في تَكفيرِ ما بيْنَهما مِن الصَّغائرِ، وعدَمِ المُؤاخَذةِ بها يومَ القِيامةِ. والعُمرةُ هي: التعبُّدُ للهِ -تعالى- بالإحْرامِ مِن الميقاتِ والطَّوافِ بالبيتِ، والسَّعْيِ بيْن الصَّفا والمَرْوةِ، والتحَلُّلِ منها بالحَلْقِ أو التَّقصيرِ، أمَّا الحجُّ فإنَّه قَصْدُ المشاعِرِ المقدَّسةِ بمكة وما حولها، لأداءِ المناسكِ وقْتٍ مَخصوصٍ، تَعبُّدًا للهِ -عزَّ وجلَّ.

الحج المبرور ليس له جَزاءٌ إلَّا الجنَّةُ

ثمَّ أخبَرَ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الحجَّ المبرورَ ليس له جَزاءٌ إلَّا الجنَّةُ، قال العُلماء: والحج المبرور له خمسة أوصاف:
  • الأول: أن يكون خالصاً لله -تعالى-، لا رياءَ فيه ولا سُمْعة، ففي صحيح مسلم: من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: قال الله -تعالى-: «أنا أغنى الشُّركاء عن الشِّرك، مَنْ عمِلَ عملًا أشْركَ فيه معي غيري، تَركتُه وشِرْكه».
  • والثاني: أنْ تكونَ نفقته منْ حلال، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيباً». رواه مسلم.
  • والثالث: البُعد عن المعاصي والآثام، كالجِماع ودواعيه، والفُسُوق والجدال المذموم، والبدع والخرافات وغيرها، قال -تعالى-: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: 197).
  • والرابع: حُسْنُ الخُلق ولين الجانب مع الرّفقة، وعلى هذا كان حجّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع الجَمع الغفير، وكذلك كان الصّحابة والسلف.
  • والخامس: تعظيمُ شعائر الله -تعالى-، وهي المناسك كلّها، كالطّواف بالبيت، والصّفا والمروة، وعرفة ومِنى وغيرها، قال -تعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158)، فيُعظِّم المشاعر، ويملؤها بذكر الله -تعالى- والخُضوع والتذلل له.
 

الحرص على تطبيق سُنّة النبي - صلى الله عليه وسلم 

       وكذا الحرص على تطبيق سُنّة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أعمال الحج كلها، قال ابن عبد البر -رحمه الله- في صفة الحج المبرور-: «هو الذي لا رياءَ فيه ولا سُمْعة، ولا رَفث، ولا فُسُوق، ويكون بمَالٍ حلال». انظر «التمهيد» {22/ 39}.

من فوائد الحديث

1- الحديث دليلٌ على فضل الإكثار منَ العمرة؛ لِما في ذلك من تكفير للذنوب، وجمهور العلماء على أن التكفير يقع على الصّغائر دون الكبائر، وأن الكبائر لا بد لها من توبة. 2- الحديث دليلٌ على جواز تكْرار العُمرة في السّنَة مرّتين أو أكثر، خلافًا لمن كره ذلك كالإمام مالك، وبعض السلف كإبراهيم النخعي والحسن البصري، وسعيد بن جبير وابن سيرين، وذلك أنّ حديث الباب يقتضي الفرق بين العمرة والحج؛ إذْ لو كانت العمرة لا تفعل إلا مرةً واحدة في السّنة، لكانت كالحج، ولقيل: «الحجّ إلى الحج»، فلما قال: «العُمْرة إلى العُمْرة»، دلَّ على ذلك على تكرارها، وأنّها ليستْ كالحج. وأيضاً: العُمرة وقتها مطلق في جميع العام، وليست كالحجّ مقيد بوقتٍ لا يكون إلا مرّةً بالسّنة، وبنحو هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، في مجموع فتاوى ابن تيمية (26 / 268 - 269)، وانظر: (بداية المجتهد2 / 231 ). 3- الحديث دليل على فضل الحج المبرور وأنّ جزاءه الجنة. 4- الترغيبُ في الاستِكثارِ مِن الاعتِمارِ. 5- جعَلَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- الطاعاتِ وسائرَ أعمالِ الخيرِ مُكفِّراتٍ للذُّنوبِ، ورافعاتٍ للدَّرَجاتِ، ومِن أجلِّ الطاعاتِ في الأجْرِ وأعْلاها في الدَّرجةِ الحجُّ والعُمرةُ.  

الحديث الثاني

يُبيِّنُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - في الحديث الثاني أنَّ مَن حَجَّ للهِ مُبتغيًا وجْهَه بلا رِياءٍ ولا سُمعةٍ، فلَم يَرفُث، بمعنى: فلم يَفعَلْ شَيئًا مِن الجِماعِ أو مُقدِّماتِه، وقيل: الرَّفَثُ اسمٌ للفُحشِ مِنَ القولِ، ولَم يَفسُقْ، أي: ولَم يَرتكِبْ إثماً أو مُخالَفةً شَرعيَّةً -صَغيرةً أو كَبيرةً- تُخرِجُه عَن طاعةِ اللهِ -تعالى-، وإنَّما صرَّحَ بنَفْيِ الفِسقِ في الحجِّ، مع كَونِه مَمنوعًا في كلِّ حالٍ، وفي كلِّ حِينٍ، لزِيادةِ التَّقبيحِ والتَّشنيعِ، ولزِيادةِ تَأكيدِ النَّهيِ عنه في الحجِّ، وللتَّنبيهِ على أنَّ الحجَّ أبعَدُ الأعمالِ عن الفِسقِ.

        فمَن فَعَلَ ذلك، عادَ بعدَ حَجِّه نَقيًّا مِن خَطاياهُ، كما يَخرُجُ المولودُ مِن بطْنِ أُمِّه، أو كأنَّه خَرَجَ حِيَنئذٍ مِن بَطْنِ أُمِّه، ليس عليه خَطيئةٌ ولا ذَنْبٌ، كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه: أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب، وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر. قاله الحافظ، وإليه ذهب القرطبي والقاضي عياض، وقال الترمذي: هو مخصوصٌ بالمعاصي المتعلقة بحقّ اللّه لا العباد، قاله المناوي في (فيض القدير). وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ حجَّ فلمْ يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»: أنّ الإنسان إذا حجّ واجتنب ما حرّم الله عليه من الرفث، وهو إتيان النساء، والفُسُوق وهو مخالفة الطّاعة، فلا يترك ما أوجب الله عليه، ولا يفعل أيضاً ما حرّم الله عليه، فإن خالف فهذا هو الفُسوق؛ فإذا حجّ الإنسانُ ولمْ يَفْسق ولمْ يرفث، فإنّه يَخْرج منْ ذلك نقيا منَ الذُّنوب، كما أنّ الإنسان إذا خَرَج منْ بطن أمّه، فإنّه لا ذَنْب عليه، فكذلك هذا الرجل إذا حجّ بهذا الشرط، فإنّه يكون نقيا مِنْ ذُنُوبه». (فتاوى ابن عثيمين 21/20).

من فوائد الحديث

1- بَيانُ فضْلِ الحجِّ، وأنَّ الحجَّ المُستوفيَ لشُروطِه مُكفِّرٌ للذُّنوبِ جَميعِها صَغائرَ وكَبائرَ، إلَّا ما وَرَدَ في حُقوقِ العِبادِ. 2- فَريضةُ الحجِّ هي الرُّكنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ، وهي الفَريضةُ التي تَستوجِبُ مُفارَقةَ المَألوفاتِ والعاداتِ استجابةً لرَبِّ العالَمينَ، وقد وَعَدَ اللهُ -تعالى- مَن أدَّاها بحقِّها بأعظَمِ الجَزاءِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك