رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 يناير، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – في التَّكبير على الجنازة

 

نستكمل ما بدأناه في العدد الماضي من شرح حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَ؛ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ؛ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلى الْمُصَلَّى، وكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ»، وعن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى قال: كان زَيْدٌ يُكَبِّرُ على جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وإِنَّهُ كَبَّرَ على جَنَازَةٍ خَمْسًا؛ فسَأَلْتُهُ فقال: «كَان رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُهَا»، الحديث الأول: رواه مسلم في الجنائز (2/656) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري، ورواه البخاري في الجنائز (3/202) باب: التكبير على الجنازة أربعاً، والحديث الثاني: رواه مسلم في الجنائز (2/659) باب الصلاة على القبر.

     قوله: «فَصَفَّ بِهِمْ, وَكَبَّرَ أَرْبَعا» فيه: مشروعية الصفوف في صلاة الجنازة، وأن التكبيرات فيها أربع تكبيرات، قال النووي: التكبيرات الأربع أركان لا تصح هذه الصلاة إلاّ بهنّ، وهذا مُجمع عليه، وقد كان لبعض الصحابة وغيرهم خِلاف في أن التكبير المشروع خمسٌ أم أربع، أم غير ذلك؟ ثم انقرض ذلك الخلاف، وأجمعت الأمة الآن على أنه أربع تكبيرات، بلا زيادة ولا نقص.

اختلاف السلف في التكيبر

     وقال ابن عبد البر: اخْتَلَف السلف من الصحابة -رضي الله عنهم- في التكبير على الجنازة مِن ثلاث تكبيرات إلى سبع، ثم قال: اتفق الفقهاء أهل الفتوى بالأمصار، على أنّ التكبير على الجنائز أربع، لا زيادة على ما جاء في الآثار المسندة مِن نقل الآحاد الثقات، وما سوى ذلك عندهم شذوذٌ، لا يُلتفت إليه اليوم، ولا يُعرّج عليه .

     ثم قال: فإذا كان السلف في المسألة على قولين أو أكثر، ثم أجمع أهل عصر في آفاق المسلمين بعدهم على قول مِن أقاويلهم، وَجَب الاحتمال عليه، والوقوف عنده، والرجوع إليه، وقد ذكرنا أنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يختلفون في التكبير على الجنائز من سبع إلى ثلاث.

وقد رُوي عن بعضهم تسع تكبيرات، ثم انعقد الإجماع بعد ذلك على أربع. اهـ .

وقال الشيرازي: والتكبيرات الأربع واجبة، والدليل عليه: أنها إذا فاتت لزم قضاؤها، وسيأتي في الحديث الذي بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبّر خمساً .

قضاء التكبيرات الفائتة

- مسألة: كيف يَقضِي مَن فاتته بعض تكبيرات صلاة الجنازة ؟

- الجواب: السُّنة لمن فاته بعض تكبيرات الجنازة أنْ يقضي ذلك؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فما أدْركتم فصلّوا، وما فاتكم فاقْضُوا». متفق عليه، وصفة القضاء: أنْ يعد ما أدركه هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها، كبقية الصلوات؛ فمن دخل مع الإمام في صلاة الجنازة، وقد فاتته التكبيرة الأولى؛ فإنه يدخل مع الإمام ويبدأ بقراءة الفاتحة، ثم يُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم  بعد التكبيرة الثانية؛ فإذا سلّم الإمام، قضى ما فاته من صلاة الجنازة، فيدعو للميت.

     وقال ابن عبد البر: اخْتَلف الفقهاء في الذي يَفوته بعض التكبير على الجنائز: هل يُحْرِم في حين دخوله، أو ينتظر تكبير إمامه؟ فَرَوى أشهب عن مالك، أنه يُكبِّر ولا ينتظر الإمام ليُكَبِّر بتكبيره، وهو أحد قولي الشافعي رواه المزني، وبه قال الليث والأوزاعي وأبو يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد : ينتظر الإمام حتى يُكبِّر فيُكَبِّر بتكبيره؛ فإذا سلّم الإمام قضى ما عليه. ورواه ابن القاسم عن مالك ، والبويطي عن الشافعي .

     واحتج بعض مَن قال هذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم : «ما أدركتم فَصَلّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا». وروي: « فاقضوا» ، واختلفوا إذا رُفِعت الجنازة؛ فقال مالك والثوري: يقضي ما فاته تكبيراً متتابعاً، ولا يدعو فيما بين التكبير، وهو قول سعيد بن المسيب، وابن سيرين، والشعبي في رواية إبراهيم، وحماد وعطاء في رواية ابن جريج، ورواه البويطي عن الشافعي، وعلى هذا جمهور العلماء بالعراق والحجاز في قضاء التكبير دون الدعاء؛ لأن مَن قال : تُقضى تكبيراً متتابعا، لا يدعو عنده بين التكبير. انتهى.

رفع اليدين

مسألة: هل يَرْفَع يديه مع كل تكبيرة على الجنازة ؟

جاء في حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَبَّر على جنازة؛ فَرَفَع يديه في أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسرى. رواه الترمذي وضعفه، وهو كما قال، وضعّفه ابن عبد البر في  (الاستذكار)،

قال الترمذي: واختلف أهل العلم في هذا؛ فَرَأى أكثر أهل العلم مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنْ يَرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وهو قول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحق.

     وقال بعض أهل العلم: لا يرفع يديه إلاَّ في أول مرة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة، وذُكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة: لا يَقبض يمينه على شماله، ورَأى بعض أهل العلم أن يقبض بيمينه على شماله كما يفعل في الصلاة، قال أبو عيسى: يَقبض أحبّ إليّ . اهـ .

وقد رَوى البخاري في (جزء رفع اليدين) مِن طريق يحيى بن سعيد: أن نافعا أخبره: أنَّ عبد الله بن عمر كان إذا صلّى على الجنازة رفع يديه، ورَوى : مِن طريق عبيد الله عن نافع: عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة .

وقال ابن حزم : وأما رَفع الأيدي؛ فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رَفع في شيء مِن تكبير الجنازة، إلاَّ في أول تكبيرة فقط؛ فلا يجوز فعل ذلك؛ لأنه عَمل في الصلاة لم يأت به نَصّ . اهـ .

ونقول : قد ثبَت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في صلاة الجنازة؛ ففعل الصحابي حُجّة، ولاسيما وابن عمر يُعرف بشدة اهتمامه بالسُّنن النبوية، والعمل بها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك