رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 يوليو، 2018 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – باب: ما يُقال عند المريض والميت

  

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قالت: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ، أَوْ الْمَيِّتَ؛ فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ»، قالتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ, قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً»، قَالَتْ: فَقُلْتُ، فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ: مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم .

 شرح الحديث

أم سلمة -رضي الله عنها- من أمهات المؤمنين، وهي هند بنت أبي أمية بن المغيرة، بنت عم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وهي من المهاجرات الأول، وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها أبو سلمة رضي الله عنه .

     وقد نالت أم سلمة بزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم حظّاً وافراً من أنوار النبوة وعلومها، حتى غدت ممن يُشار إليها بالبنان فقها وعلماً، بل كان الصحابة يقصدونها ويستفتونها في العديد من المسائل، ويحتكمون إليها عند الاختلاف، ومن ذلك أن أبا هريرة وابن عباس اختلفا في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها؛ فبعثوا إلى أم سلمة، فقضت بصحة قول أبي هريرة -رضي الله عنهم-.

وبلغ ما روته من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الذهبي: ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثا، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة، و مسلم بثلاثة عشر حديثا.

قوله: «إذا حضرتم المريض».

إذا حضرتم المريض، أي: إذا زرتم المريض، وحضرتم عنده؛ «أو الميت» أي: المحتَضَر، كما يومىء إليه السياق، ونظيره ما في حديث: «لقنوا موتاكم»، أو هو  مَن فارق الحياة، كما هو ظاهر اللفظ.

وقد تعقب القاري في شرح المشكاة الجزم بالشك، وقال: إنْ أُريد بالميت من يؤول إلى الموت؛ فأو للشك، وإنْ أريد به الحقيقة، أي: المقابل للحي؛ فأو للتنويع.اهـ.

فقوله إذاِ: «الميت» أي: الحكمي، أو الحقيقي؛ فأو للتنويع، قال في المرقاة: ولا وجه لما جزم به ابن حجر من أنها للشك، والمراد من الثاني هو الأول.

قوله: «فقولوا خيراً».

قال السندي: أي ادعوا له بالخير لا بالشر، أو ادعوا بالخير مطلقاً لا بالويل ونحوه، والأمر للندب، ويحتمل أن المراد: فلا تقولوا؛ فالمقصود النهي عن الشر بطريق الكناية، لا الأمر بالخير. انتهى.

وقال المظهر: أي ادعوا للمريض بالشفاء، وقولوا: اللهم اشفه، وللميت بالرحمة والمغفرة، وقولوا: اللهم اغفر له وارحمه.

وقال بعضهم: «فقولوا خيراً»، أي:  لا إله إلا الله، مع الإتيان بالدعاء بالخير له، أو لكم، كما يدل عليه ما جاء في أحاديث طلب الدعاء في العيادة، كما سيأتي بعضها.

قوله: «فإنَّ الملائكة».

أي: المكلفين بالاستغفار للمؤمنين، (يؤمنون) بالتشديد من التأمين، والتأمين على دعائهم، أي: يقولون: آمين، «على ما تقولون». أي: من الدعاء له  من خير أو شر، ودعاء الملائكة مستجاب.

وقيل: قوله: «فإن الملائكة». أي: ملك الموت وأعوانه «على ما تقولون». أي من الدعاء خيراً أو شراً.

وفي الحديث: الندب إلى قول الخير عند المريض والمحتضر، من الدعاء والاستغفار وطلب اللطف به، والتخفيف عنه ونحوه، وفيه: حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم. (النووي).

ويحتمل أنْ يقال: إنهم إذا تكلموا في حق الميت بما لا يرضاه الله -تعالى- يرجع تبعته إليهم؛ فكأنهم دعوا على أنفسهم بشر، ويكون المعنى كما في قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) أي: بعضكم بعضا. 

موت أبي سلمة

قالت: فلما مات أبو سلمة، وذلك سنة ثلاث أو أربع من الهجرة؛ فإنَّ أبا سلمة رضي الله عنه شهد أحداً، وكانت في شوال سنة ثلاث؛ فجرح فيها جرحاً فاندمل ثم انتقض؛ فتوفي منه لثلاثٍ خلون من جمادى سنة أربع، كما ذكر ابن عبد البرّ في كتابه (الاستيعاب).

     وأبو سلمة هو: عبدُ اللّه بنُ عبدِ الأَسَدِ بن هلال بن مخزوم القُرَشي المخزومي، يكنى أَبا سلمة، وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أُمه بَرَّة بنت عبد المطلب، وهو أَخو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَخو حمزة بن عبد المطلب من الرضاعة، أَرضعتهم ثُوَيْبَة مولاة أَبي لهب، وهو ممن غَلَبت عليه كُنيتهُ.

وهو زوج أُم سلمة قبلَ النبي صلى الله عليه وسلم ، أَسلمَ بعد عشرة أَنفس، وكان الحادي عشر، قاله ابن إِسحاق، وهاجر إِلى الحبشة، وكان أَول من هاجر إِليها، قاله أَبو عمر.

وقال ابن منده: وهو أَول من هاجر بظعينته إِلى الحبشة وإِلى المدينة.

وقال أَبو نعيم: كان أَبو سلمة أَول من هاجر من قريش إِلى المدينة، قبل بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأَنصار بالعقبة، ومعه امرأَته أُم سلمة، وولد له بالحبشة عمر بن أَبي سلمة.

موقف قريش من أبي سلمة

     ومنعت قريش أبا سلمة من أنْ يصطحب معه زوجته أم سلمة وابنه الصغير سلمة؛ فبقيت قرابة سنة بعده حتى لحقت به، وكان أبو سلمة لما أراد الهجرة، رحّل لها بعيراً وحملها عليه، وفي حِجْرها ابنها سلمة؛ فلما رآه رجال بني المغيرة قالوا: هذه نفسك قد غلبتنا عليها؛ فما بال صاحبتنا ؟ لا ندعك وتسييرها في البلاد، ثم انتزعوا خطام البعير من يده، وأخذوها إليهم؛ فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد بن هلال، وقالوا: والله لا نترك ابنها عندكم؛ إذْ نزعتموها من يد صاحبنا - يعنون أبا سلمة - وتجاذبوا سلمة بينهم، حتى خلعوا يده؛ فكانت مخلوعة حتى مات.

وشهد أبوسلمة بدرًا وأُحدًا، واستخلفه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المدينة لمَّا سار إِلى غزوة العُشَيرة، سنة اثنتين من الهجرة.

قلت: وقد نبّه أهل العلم على قول الحافظ ابن منده: إِن أَبا سلمة شهد بدرًا وأُُحدًا وحنينًا والمشاهد، ثم قال بعد هذا القول: إِنه مات بالمدينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من بدر! فمن مات لما رجع من بدر، كيف يشهد حُنينًا وكانت سنة ثمان؟!

وكذا قوله: إِنه مات لما رجع من بدر، فيه نظر؛ فإِنه شهد أُحدًا ومات بعدها. 

مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم

ومما يدل على مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته له: ما جاء عن أُم سلمة قالت: لما حضر أَبا سلمة الموت، حضره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما شخص أَغمض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عينيه. رواه مسلم، وسيأتي الكلام عليه.

قولها: أتيت النبي فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: «حذف العاطف؛ لأن مرادها الإخبار بما قال من غير قيد اتصال أو انفصال.

قوله: قولي: اللهم اغفر لي وله»، فيه البداءة بالنفس في الدعاء، وهي طريقة الكتاب والسنة، كما في قوله: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا}، وقوله: {ربنا اغفر لي ولوالدي}(إبراهيم: 41)، وغيرها.

قوله: «وأعْقبني عقبى حسنة»،  وأعْقبني بقطع الهمزة: أي: أبْدلني وعوّضني، من أعقب بين الشَّيئين: أتى بأحدهما بعد الآخر، وأعقب أباه في منصبه، تلاه وخلفه فيه من بعده، وأعقب فلانًا خيرًا: جازاه، وعوَّضه وبدَّله.

وأعقب فلانًا ندمًا وحسرةً: أورثه، وأتبعه، وألحقه، كما في قوله -تعالى-{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ}(التوبة).

و«عقبى» بوزن بُشرى، اسم مصدر أعقب,»«حَسَنة». أي: بدلاً صالحاً .

أعقبني الله مَنْ هو خيرٌ

قولها: «فقلت». أي: ما أمرني به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، من الدعاء المذكور، «فأعقبني الله مَنْ هو خيرٌ لي منه»، أبدلت «من» من قولها «محمداً؛ ففيه: حصول ثمرة الامتثال بسرعة من غير توان ؛ فسبحان الملك الوهاب.

      قال عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه : إن أم سلمة لما انقضتْ عدتها خطبها أبو بكر فردّته، ثم خطبها عمر فردّته؛ فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقالت: مرحباً، أخبرْ رسول الله أني غيرى - أي شديدة الغيرة-، وأني مُصْبية -أي ذات أولاد صغار-، وليس أحدٌ من أوليائي شاهدا؛ فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما قولك: إني مصبية؛ فإنَّ الله سيَكفيك صبيانك، وأما قولك: إني غيرى فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء فليس أحد منهم إلا سيرضى بي». أحمد.

 

 من أسباب حسن الخاتمة

 التوفيق لحسن الخاتمة فضل كبير ونعمة عظيمة من الله -تبارك وتعالى-، ومن أسبابُ التوفيق للخاتمة الحسنة أمور عدة أهمها:

 النيةُ الصالحة والإخلاصُ لله؛ لأنَّ النيةَ والإخلاص شرطان للأعمالِ المقبولة.

المحافظةُ على الصلواتِ جماعةً؛ ففي الحديث: «من صلّى البردَين دخل الجنة». رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه ، والبردان هما الفجر والعصر.

الإيمان والإصلاح، الإصلاح للنفس، والإصلاح للغير، كما قال -تعالى-: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}(الأنعام:48).

تقوَى الله في السرِّ والعلن بامتثالِ أمرِه واجتنابِ نهيِه والدوامِ على ذلك، كما قال -تعالى-: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(القصص:83).

اجتنابُ الكبائر وعظائمِ الذّنوب، قال الله -تبارك وتعالى-: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}(النساء:31).

      البعدُ عن ظلم الناسِ وعدَمُ البغي والعدوان عليهم في نفسٍ، أو مال، أو عِرض، قال صلى الله عليه وسلم : «المسلِمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويده، والمهاجِر من هجَر ما حرَّم الله»، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: «واتَّق دعوةَ المظلوم؛ فإنّه ليس بينها وبين الله حِجاب». رواه البخاري وغيره، وفي الحديثِ: «ما من ذَنبٍ أسرَع من أن يعجّل الله عقوبتَه من البغي وقطيعة الرحم».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك