رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 15 يناير، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – باب: في التَّكبير على الجنازة


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَ؛ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ؛ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلى الْمُصَلَّى؛ وكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ»، وعن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى قال: كان زَيْدٌ يُكَبِّرُ على جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا؛ وإِنَّهُ كَبَّرَ على جَنَازَةٍ خَمْسًا، فسَأَلْتُهُ فقال: كَان رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُهَا، الحديث الأول: رواه مسلم في الجنائز (2/656) وبوّب عليه النووي بمثل تبويب المنذري، ورواه البخاري في الجنائز (3/202) باب: التكبير على الجنازة أربعاً، والحديث الثاني: رواه مسلم في الجنائز (2/659) باب الصلاة على القبر.

     النعي يطلق على الإخبار بموت الميت وإذاعة ذلك، ويطلق أيضاً على ما قد يُصاحب ذلك من تعداد مناقب الميت، قال ابن الأثير في النهاية (5/85): «نعى الميت: إذا أذاعَ موته، وأخبرَ به، وإذا نَدَبه»، وقال الترمذي في جامعه: «والنعي عندهم: أنْ يُنادى في الناس: أنَّ فلاناً مات؛ ليشهدوا جنازته».

     قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَ» وفي رواية لمسلم: «النجاشي صاحب الحبشة»، وفي رواية له أثنى عليه وسمّاه؛ فقال: «ماتَ اليوم عبدٌ صالحٌ: أصْحَمة»، وفي رواية قال: «إنَّ أخاً لكم» وفي أخرى «إنّ أخاكم». وهُوَ أصحمة بن أبجر الحبشي النجاشي، ملك الحبشة، ومعنى: أصحمة: عطية، وقيل: عطية الله، وقيل: عطاء.

     روى ابن إسحق في السيرة بسند صحيح: عن أمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَت: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ: النَّجَاشِيَّ؛ أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا؛ وعَبَدْنَا اللَّهَ لَا نُؤْذَى، ولَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ... القصة مطولة. ومن طريقه رواه الإمام أحمد فِي المسند (1/202، 5/291).

فيه مشروعية النّعي

     قال الحافظ النووي: وفيه: استحباب الإعلام بالميت؛ لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام الصلاة عليه، وتشييعه وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا؛ وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها. اهـ؛ وقد بوّب عليه الإمام البخاري بـ «باب الرجل يَنْعَى إلى أهل الميت بنفسه».

النَّعْي ليسَ مَمْنُوعًا كُلّه

وقال الحافظ في (الفتح): «النَّعْي ليسَ مَمْنُوعًا كُلّه، وإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا كَان أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَصْنَعُونَهُ فكانُوا يُرْسِلُونَ مَنْ يُعْلِن بِخَبَرِ مَوْت الْمَيِّت على أَبْوَاب الدُّور والأَسْوَاق.

     قال سعِيد بن مَنْصُور: أَخبرنَا اِبن عُلَيَّة عن اِبن عَوْن قال قُلْت لإِبراهِيم: أَكَانُوا يَكْرَهُونَ النَّعْي؟ قال: نعم. قال اِبن عَوْن: كانوا إِذا تُوُفِّيَ الرَّجُل؛ رَكِبَ رَجلٌ دَابَّة؛ ثُمَّ صَاحَ في النَّاس: أَنْعِي فُلانًا؛ وقال اِبن سِيرِينَ: لا أَعلَم بأْسًا أَنْ يُؤْذِن الرَّجُل صدِيقه وحَمِيمه، وحاصِله أَنَّ مَحْض الإِعْلام بِذلك لا يُكْرَه، فإِنْ زَادَ على ذلك فَلا» انتهى.

وفي حديث أنس - رضي الله عنه -: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نَعَى جعفراً وزيداً؛ قبل أنْ يجيء خبرهم؛ وعيناه تذرفان». رواه البخاري، وفي حديث الباب: نَعَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجَاشِيَّ في اليومِ الَّذِي مَاتَ فِيه.

وأما النهي: فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة: عن حذيفة بن اليمان قال:«إذا مِتّ فلا تُؤذنوا بي، إني أخافُ أنْ يكون نَعْيًا، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَنهى عن النَّعْي».

كراهة النعي

قال الترمذي: وقد كَرِه بعض أهل العلم النعي، والنعي عندهم أنْ يُنادى في الناس أنّ فلانا مات، ليشهدوا جنازته، وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يُعلَم أهل قرابته وإخوانه. ورُوي عن إبراهيم أنه قال: لا بأس بأن يُعْلِم الرجل قرابته.

     قال ابن عبد البر عن نَعي النجاشي: وفيه إباحة الإشعار بالجنازة والإعْلام بها؛ ليجتمع إلى الصلاة عليها، وفي ذلك ردّ قول مَن تأوّل نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النعي أنه الإعلام بموت الميت للاجتماع إلى جنازته، ورُوي عن ابن عون قال: قلت لإبراهيم: أكان النعي يُكره؟ قال: نعم. قال: وكان النعي أن الرَّجل يَركب الدابة فيطوف ويقول: أنعي فلانا.اهـ.

حالات النعي

وقال القاضي ابن العربي: يُؤخذ مِن مجموع الأحاديث ثلاث حالات:

- الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح؛ فهذا سُنة.

- الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة، فهذه تُكْرَه.

- الثالثة: الإعلام بنوع آخر، كالنياحة ونحو ذلك فهذا يَحْرُم. اهـ.

فالصواب إذاً قول من قال مِنْ أَهلِ العلمِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ المنهي عنه؛ النَّعْيُ الْمَعْرُوفُ فِي الجَاهِلِيَّةِ.

الإسراف المنهي عنه

وأما دفع المبالغ الطائلة والأموال الكثيرة في نشر خبر وفاة أحد، في جريدة أو وسيلة إعلام؛ فذلك مِن الإسراف المنهي عنه، وهو مِن نعي أهل الجاهلية أيضاً، ولاسيما إذا تضمّن ذِكْر محاسن الميت، أو مدحه.

مِن علامات النبوة

     قوله: «في الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» فيه علامة مِن علامات النبوة؛ ودليل من دلائل الوحي؛ إذْ أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بموته باليوم نفسه؛ مع أنه ليس عنده؛ بل ببلد آخر، قال ابن عبد البر: وفي هذا الحديث عَلَم مِن أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم- كَبير، وذلك أنه عَلِم بموته في اليوم الذي مات فيه على بُعد ما بين الحجاز وأرض الحبشة، ونَعَاه للناس في ذلك اليوم، وكان ذلك فيما قال الواقدي وغيره مِن أهل السير: في رجب سنة تسع من الهجرة.

الصلاة على الميت

قوله: «فخَرَجَ بِهِمْ إلى الْمُصَلَّى» فيه: أنَّ السُّنة الصلاة على الميت في المُصَلَّى، كمصلى العيد، قال ابن عبد البر: قال مالك: لا يُعجبني أنْ يُصلَّى على أحدٍ في المسجد.

قال ابن بطال: وهو قول ابن أبي ذئب وأبي حنيفة وأصحابه، ورُوى مثله عن ابن عباس.

     فإن صُلِّي على الميت في المسجد، فلَه أصل، قالت عائشة -رضي الله عنها-: ما أسرع ما نَسي الناس، ما صَلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل ابن البيضاء إلاّ في المسجد. رواه مسلم، وقال الترمذي: العمل على هذا عند بعض أهل العلم، قال الشافعي: قال مالك: لا يُصَلَّى على الميت في المسجد، وقال الشافعي: يُصلَّى على الميت في المسجد، واحتج بهذا الحديث. اهـ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك