رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 يوليو، 2018 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – باب : تلقين الموتى : لا إله إلا الله

  

عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «َلقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه»، هذا الحديث رواه مسلم في أول كتاب الجنائز (1/631)، وقد بوّب عليه النووي كتبويب المنذري، ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

والتلقين: هو التعليم والتفهيم، والمراد بتلقين الميت: أن يكون عنده من يذكره بالنطق بـ (لا إله إلا الله)، كما لو كان يُعَلِّم صبياً ويلقنه، والمراد بالميت هنا: المحتضَر الذي نزل به الموت، وليس الميت الذي فارق الحياة؛ فإنه لا ينتفع بذلك، وإنما استُحِب تلقين الميت كلمة الإخلاص في هذه الحال، لأجل أن يختم له بها، وتكون آخر ما ينطق به من الكلام؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها.

وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميقولُ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». رواه أحمد (21529)، وأبو داود (3116).

     وعن أَنَسٍ رضي الله عنه قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ رجُلا مِنْ الأَنْصارِ؛ فقال: «يا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ»، قال: خَالٌ أَمْ عَمٌّ؟! قال: بَلْ خَالٌ، قال: وخَيْرٌ لي أَنْ أَقُولَهَا؟! قال: نَعَمْ». رواه أحمد (13414)، وقال الألباني في أحكام الجنائز: إسناده صحيح على شرط مسلم .

لا ينبغي إيذاء المحتضر

ولا ينبغي إيذاء المحتضر بالإكثار عليه في التلقين ، إذا قال : لا إله إلا الله، ولم يتكلم بعدها بشيء .

     قال النووي: «وكرِهُوا الإِكْثَار عليه والْمُوَالاة، لِئَلا يَضْجَر بِضِيقِ حَاله، وشِدَّة كَرْبه؛ فَيَكْرَه ذلِك بِقَلبِهِ , ويَتَكَلَّم بِما لا يَلِيق. قالوا: وإِذا قالَهُ مَرَّة، لا يُكَرِّر عليه، إِلا أَنْ يَتَكَلَّم بعده بِكلامٍ آخَر؛ فَيُعَاد التَّعْرِيض به؛ لِيَكُونَ آخِر كَلَامه». انتهى. ولَمَّا احْتُضِرَ عبد الله بْنُ المُبَارَكِ -رحمه الله- جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ فأَكْثَرَ عليه.

فقال له: لستَ تُحْسِنُ! وأَخافُ أَنْ تُؤْذيَ مُسلماً بعدي، إِذا لَقَّنْتَنِي؛ فقلتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كلاماً بعدَهَا؛ فَدَعْنِي، فإِذا أَحدَثْتُ كلاماً؛ فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكونَ آخِرَ كَلامي. سير أعلام النبلاء (8/418) .

مسألة: هل التلقين خاصٌ بالمسلم ؟

- الجواب: لا، بل التلقين يُشرع لكلّ أحد، ولو كان الميت كافراً؛ لأنه لو قالها قبل موته، نفعته وأنقذته من الخلود في النار، ولو عُذّب ما عذب قبلها بذنوبه وسيئاته، كما هو معتقد أهل السنَّة والجماعة، وسيأتي صريحا في حديث أبي هريرة.

ومما يدل على أن الأمر بالتلقين يعمّ المسلم والكافر؛ فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمّه أبي طالب، ومع الغلام اليهودي الذي كان يخدمه.

فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب، وقال له: «أَيْ عَمِّ، قُلْ: لا إِله إِلا اللَّهُ، كلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بها عِنْدَ اللَّه». رواه البخاري (3884) ومسلم (24).

وكذلك حضر النبي صلى الله عليه وسلم موت الغلام اليهودي الذي كان يخدمه، وقال له: «أَسْلِمْ». رواه البخاري (1356)، وفي رواية أحمد (12381) قال له: «قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ».

     ويدلّ عليه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقّنوا مَوْتاكم لا إله إلا الله؛ فإنِّه مَنْ كان آخر كلامه: لا إله إلا الله عند الموت، دخلَ الجنةَ يوماً مِن الدهر، وإنْ أصَابه قبل ذلك ما أصابه». رواه ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5150).

فائدة: هل التلقين بلفظ الأمر

هل يكون التلقين بلفظ الأمر، بمعنى أنّ الملقن يأمر المحتضر؛ فيقول له: قُلْ: لا إله إلا الله، أو يتلفّظ بها أمامه؛ بحيث يتذكرها إذا سمع من يقولها أمامه؟

أما إذا كان المسلم قوي النفس، لم يجزع، فلا بأس من أنْ يؤمر بها, ويستدل على ذلك، بحديث الأنصاري المتقدّم، وفيه أمره صلى الله عليه وسلم له بقول: لا إله إلا الله، بقوله: «يَا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ».

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «ينبغي في هذا أنْ ينظر إلى حال المريض؛ فإنْ كان المريض قوياً يتحمَّل، أو كان كافراً؛ فإنه يُؤمر؛ فيقال: قلْ: لا إله إلا الله، اختم حياتك بلا إله إلا الله، وما أشبه ذلك.

وإنْ كان مسلماً ضعيفاً؛ فإنه لا يؤمر، وإنما يُذكَر الله عنده حتى يسمع فيتذكَّر، وهذا التفصيل مأخوذ من الأثر، والنظر.

أما الأثر: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا طالب عند وفاته أنْ يقول: لا إله إلا الله، قال: يا عم قل : لا إله إلا الله.

     وأما النظر؛ فلأنه إنْ قالها فهو خير، وإنْ لم يقلها فهو كافر، فلو فرض أنه ضاق صدره بهذا الأمر ولم يقلها، فهو باق على حاله لم يؤثر عليه شيئاً، وكذا إذا كان مسلماً وهو ممن يتحمل؛ فإن أمرناه بها لا يؤثر عليه، وإن كان ضعيفاً؛ فإن أمرناه بها ربما يحصل به رد فعل؛ بحيث يضيق صدره ويغضب؛ فينكر وهو في حال فِراق الدنيا؛ فبعض الناس في حال الصحة إذا قلت له قل: لا إله إلا الله، قال: لن أقول: لا إله إلا الله؛ فعند الغضب يغضب بعض الناس حتى ينسى؛ فيقول: لا أقول: لا إله إلا الله؛ فما بالك بهذه الحال؟ (انظر الشرح الممتع5/177).

فائدة:  تلقينه (لا إله إلا الله)

التلقين يكون بتلقينه (لا إله إلا الله)، ولم يُنقل تلقينه قول: محمد رسول الله؛ لأنَّ هذا هو الذي وردَ فيه نص الحديث، وهو قوله: «لقّنوا موتاكم: لا إله إلا الله»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً : «مَنْ كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، دخل الجنة».

فكلمة التوحيد هي: لا إله إلا الله، وهي مفتاح الإِسلام، وما يأتي بعدها فهو من مكمّلاتها ومُتمماتها.

     ولو جمع بين الشهادتين؛ فقال له قل: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ فهذا لا يمنع مِنْ أن يكون آخر كلامه من الدنيا (لا إله إلا الله)؛ لأنّ الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، تابعٌ لما قبلها، ومتممٌ لها؛ ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مع الشهادة لله بالألوهية ركناً واحداً، فلا يُعاد تلقينه.

لكن لو اقتصر على قوله: أشهد أنْ محمداً رسول الله؛ فظاهر الأدلة أنه لا يكفي قول المحتضَر ذلك، بل لابدّ أنْ يقول: لا إله إلا الله أولاً؛ لأنها الأصل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك