رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 فبراير، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – باب: الصلاة على الميت بالمسجد

 

عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّها لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ في المَسجِدِ؛ فَيُصَلِّينَ عليه؛ فَفَعَلُوا؛ فَوُقِفَ بِهِ على حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عليه، أُخْرِجَ بِه مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَان إِلى الْمَقَاعِدِ؛ فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عابُوا ذلِك، وقَالُوا: ما كانَتْ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ؟ فَبَلَغَ ذلِك عَائِشَةَ فقالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، عَابُوا علَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ في المَسْجِد، وما صَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي جَوْفِ المَسْجِد .

     سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه ، هو سعد بن مالك ابن وُهيب بن عبد مناف بن زُهرة، أبوإسحق، جده أهيب بن عبد مناف، عم آمنة أم رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-؛ فهو من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم ، ولد قبل بعثة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بتسعة عشر عاماً، ونشأ في قريش، واشتغل في بري السهام وصناعة القسي، وهو ما أهّله ليكون بارعاً في حياة الصيد والغزو، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله.

أحد السابقين إلى الإسلام

     وكان أحد الثمانية الذين سبقوا الناس للإسلام، وهم: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وقيل: إنّه كان يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا عند إسلامه، وكان ممن أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ومن أوائل المهاجرين مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي رضي الله عنه سنة خمسٍ وخمسين على المشهور، وكان يبلغ من العمر ثلاثاً وثمانين سنة، وهو آخر من توفّي من العشرة.

وفاة سعد رضي الله عنه

     وقولها: لَمَّا تُوفِّي سعدُ بنُ أَبي وقَّاصٍ رضي الله عنه ، أَرسلَ أَزواجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَمرُّوا بجِنازتِه في المَسجدِ فيُصلِّينَ عليهِ، أي: طَلبن من أهله أنْ تَدخُلَ الجِنازةَ إلى المَسجدِ النَّبويِّ؛ ليُصلِّيَ عليهِ أُمَّهاتُ المؤمنينَ أَزواجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فأُدْخِلت الجَنازةُ ووُضِعَت أَمامَ حُجُرات أُمَّهاتِ المُؤمنينَ فَصَلَّين عليهِ؛ لأنَّ حُجرات أمهات المؤمنين كانت تفتح على المسجد النبوي.

قالت: «فَفَعَلُوا ؛ فَوُقِفَ بِهِ على حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عليه» .

     قولها: «ثُمَّ أَخرجَ بهِ مِن بابِ الجَنائزِ الَّذي كانَ إلى المَقاعد». أي: ثُمَّ أَخرجَ مِن بابِ الجَنائزِ الَّذي كانَ مَوضعُه قَريبًا مِنَ المَقاعدِ، وهوَ مَوضعٌ عندَ بابِ المَسجدِ النبوي، وَقيل: كانَت حِجارَة بِقُرب دارِ عُثمانَ يَقْعُد عليها رضي الله عنه ، وقيل: هي الدَّرَجُ؛ فهذا يدل على أنه لا بأس أنْ تصلي المرأة على الميت في بيتها، أو قريباً منه، وإنْ اجتمعنَ وصلين عليه جماعة؛ فهو أفضل.

العَملَ الأشهر

     قولها: «فبَلغَهنَّ أنَّ النَّاسَ عابوا ذلكَ، وقالوا: ما كانتِ الجَنائزُ يُدخلُ بها المَسجد». أي: أنْ عابوا دُخولَ الجَنائزِ إلى المَسجدِ للصَّلاةِ عليها، وهذا يدُلُّ عَلى أنَّ العَملَ الأشهر، أنَّ صَلاةَ الجَنازةِ تَكونُ في الخَلاءِ في مصلى الجنائز خارجَ المَسجدِ، قولها: فبَلَغَ ذلكَ عائشةَ؛ فقالت: ما أَسْرعَ النَّاسَ إلى أنْ يَعيبوا ما لا عِلمَ لَهُم بهِ. أي: ما أَسرَعَ ما نَسُوا السُّنَّةَ النبوية، وقيل: أي : ما أَسرَعَهم إلى الطَّعنِ والعَيبِ، وقيل: أي: ما أَسرَعَهم إلى إنكارِ ما لا يَعلَمون؛ ولذلكَ عابوا عَلينا أنْ يُمرَّ بجَنازةٍ في المَسجدِ، وما صلَّى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم على سُهيلِ بنِ بَيضاءَ إلَّا في جوفِ المَسجد.

قولها: «على ابني بيضاء»

قولها: «على ابني بيضاء»، قال النووي: قال العلماء: بنو بيضاء ثلاثة إخوة: سهل، وسهيل، وصفوان، وأمهم البيضاء اسمها دعد، والبيضاء وصف، وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري .

الأصل والأشهر

     وفي الحَديثِ: أن الصَّلاةُ عَلى الجَنائزِ خارجَ المسجِدِ هو الأصل والأشهر، ويدل على جواز إدخال الميت إلى المسجد، ومَشروعيَّة الصلاة عليه فيه، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحق، والجمهور، وقد بوب الإمام البخاري عليه: باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد .

مصلى الجنائز بالمدينة

قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 3 / 199 ): وحكى ابن بطال عن بن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق انتهى.

     وإن ثبت ما قال، وإلا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيدين والاستسقاء؛ لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيّأ فيه الرجم، وسيأتي في قصة ماعز «فرجمناه بالمصلى»، ودلّ حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معدّ للصلاة عليها؛ فقد يستفاد منه أنّ ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد، كان لأمر عارض أو لبيان الجواز؛ والله أعلم .

الصلاة على الجنائز في المسجد

قال: واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويقويه حديث عائشة: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد. أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور. انتهى.

قال ابن عبد البر في التمهيد (7 / 543): وأجاز ذلك أبو يوسف، وقال الشافعي وأصحابه، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور، وداود: لا بأس أنْ يصلى على الجنائز في المسجد من ضيقٍ وغير ضيق على كل حال، وهو قول عامة أهل الحديث .

مذهب الجمهور

     وقال النووي في شرح مسلم (7 / 22): ومذهبنا ومذهب الجمهور جوازها فيه؛ ويحتج بحديث سهل بن بيضاْ، ويتأول هذا على أن الخروج إلى المُصلّى أبلغ، وإظهار أمره المشتمل على هذه المعجزة، وفيه أيضا: إكثار المصلين؛ وليس فيه دلالة أصلا؛ لأن الممتنع عندهم إدخال الميت المسجد لا مجرد الصلاة .

وقال ابن قدامة: ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد، إذا لم يخف تلويثه. المغني ( 2 / 368 ).

وقال الإمام ابن القيم: وأن سنته وهديه الصلاة على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر، وكلا الأمرين جائز، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد. والله أعلم . زاد المعاد (1 / 483 ).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك