رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 مارس، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – باب: الصلاة على الميت بالمسجد (2)

 

ما زلنا مع حديث أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّها لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ في المَسجِد؛ فَيُصَلِّينَ عليه؛ فَفَعَلُوا؛ فَوُقِفَ بِهِ على حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عليه، أُخْرِجَ بِه مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَان إِلى الْمَقَاعِدِ؛ فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عابُوا ذلِك، وقَالُوا: ما كانَتْ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ؟ فَبَلَغَ ذلِك عَائِشَةَ فقالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ؟ عَابُوا علَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ في المَسْجِد؟ وما صَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي جَوْفِ المَسْجِدِ، واليوم نتكلم عن الأحاديث الواردة في صلاة الجنازة في المصلى.

حديث ابن عمر رضي الله عنه

     ومنها، حديث ابن عمر رضي الله عنه : «أنّ اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم  برجل منهم، وإمرأة زنيا؛ فأمر بهما فرجما، قريبا من موضع الجنائز عند المسجد». أخرجه البخاري (3/ 155)، وترجم له (باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد).

وحديث عن جابر رضي الله عنه

وحديث عن جابر قال: «مات رجل منا فغسلناه، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله بالصلاة عليه فجاء معنا فصلى عليه.

حديث محمد بن جحش رضي الله عنه 

ومنها حديث محمد بن عبد الله بن جحش قال : «كنا جلوسا بفناء المسجد؛ حيث توضع الجنائز ورسول الله صلى الله عليه وسلم  جالس بين ظهرانينا؛ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء»أخرجه أحمد (5/ 289) والحاكم (2/ 24) وقال : صحيح الإسناد، وصححه الشيخ الألباني في كتابه أحكام الجنائز .

حديث أبي هريرة رضي الله عنه

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نَعَى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصفَّ بهم وكبر أربعا». أخرجه الشيخان .

هدي النبي صلى الله عليه وسلم 

وعلى هذا يتبين لك أن هديه صلى الله عليه وسلم الصلاة على الجنائز في مكان خارج المسجد يخصص؛ لذلك هو الأفضل لفعله صلى الله عليه وسلم  والمواظبة على ذلك، والصلاة في المسجد هو لبيان الجواز؛ فينبغي على طلبة العلم أن يبينوا هذه السنة، ويعلموها للناس، ويعملوا بها بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فهذه سنة مهجورة.

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ المرفوع

     أما حديث: أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَه»، وفي لفظ أبي داود: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ»، رواه أبو داود (3191)، وابن ماجة (1517)، وأحمد (9437) والطيالسي في مسنده (2429)، وعبد الرزاق في المصنف (6579)، من طرق عن ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَة .

اللفظ الأول

والمحفوظ اللفظ الأول؛ ويدل عليه رواية الطيالسي وفيها: قال صالحٌ: «وأَدْرَكْتُ رِجَالًا مِمَّنْ أَدْرَكُوا النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم وأَبا بَكْرٍ، إِذَا جَاؤوا فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يُصَلُّوا في المَسْجِدِ، رَجَعُوا فَلَمْ يُصَلُّوا». انظر: “السلسلة الصحيحة” (5/ 462-463).

اختلف فيه أهل العلم

     وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم، وعامتهم على تضعيفه وعدم ثبوته، ومخالفته لما هو أصح منه، وحجة من صححه أنه من رواية ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة، وصالح كان قد اختلط، وسماع من أخذ عنه قبل الاختلاط صحيح، وكان ابن أبي ذئب ممن سمع منه قبل الاختلاط، قال ابن معين: ثقة حجة، فقيل له: إن مالكا ترك السماع منه؛ فقال: إن مالكا إنما أدركه بعد أنْ كبر وخرف، والثوري إنما أدركه بعدما خرف وسمع منه أحاديث منكرات، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف، وقال الجوزجاني: تغير أخيرا؛ فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لسنه وسماعه القديم، وقال ابن عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد، ومن سمع منه بآخره وهو مختلط - يعني فهو ضعيف.(تهذيب التهذيب4/ 406).

- قال النووي: وأجابوا عنه - يعني الجمهور - بأجوبة أحدها: أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به، قال أحمد: هذا حديث ضعيف، تفرد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف .

- والثاني: أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من (سنن أبي داود): «مَنْ صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه»؛ فلا حجة لهم حينئذ .

- والثالث: أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه: «لا شيء له» لوجب تأويله بأن (له) بمعنى: عليه ليجمع بين الروايتين. قال: وقد جاء بمعنى عليه، كقوله -تعالى-: {وإنْ أسَأتم فلها}، أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع، ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه . أنتهى كلام النووي .

جائز دون كراهة

     وإن قلنا بصحة الحديث فإنه لا يقاوم حديث عائشة -رضي الله عنها- هذا الصحيح؛ فالحق أن إدخال الجنازة إلى المسجد والصلاة فيه جائز دون كراهة، لكن لم يكن ذلك من عادته -عليه الصلاة والسلام-؛ بل الغالب عليه الصلاة عليها خارج المسجد؛ فهو أولى. وبنحوه قال الألباني -رحمه الله- في كتاب الجنائز .

علة باطلة

وأيضا من قال: إنّ العلة التي لأجلها كره الصلاة على الميت في المسجد، هي أنه نجس؟ فهي باطلة؟ لما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمنُ لا يَنْجس». رواه البخاري.

وذكر البخاري في صحيحه أيضاً عن ابن عباس تعليقاً : المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميتاً، قال الشوكاني: هذا وقد جاء أنّ عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأنّ صهيباً صلى على عمر في المسجد.

 الصلاة علي أبي بكررضي الله عنه

أما الصلاة علي أبي بكر رضي اله عنه : فقد أخرج ذلك عبد الرازق: عن هشام بن عروة قال: رأي أبي الناس يخرجون من المسجد ليصلوا علي جنازة؛ فقال: ما يصنع هولاء؟ ما صلي على أبي بكر إلا في المسجد. وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين .

وأما الصلاة علي عمر في المسجد: فقد أخرجه مالك في الموطأ: باب الصلاة على الجنازة في المسجد: عن نافع عن ابن عمر أنه قال: ما صلي على عمر إلا في المسجد، وهذا إسناد صحيح كالذهب، وكل هذا يدل على جواز صلاة الجنازة في المسجد .

صلاة المرأة

وعلى هذا: هل يجوز للمرأة أنْ تجمع أهل البيت من النساء وتصلي بهن صلاة الجنازة على ميتهن وهو عندها إذا كان الميت من أهل البيت في ذلك المنزل ؟

- والجواب: نعم، يجوز ذلك، وصلاتها عليه في البيت أفضل، ولو خرجت وصلت مع الناس عليه في المسجد فلا بأس؛ لأن النساء لا يمنعن من الصلاة على الميت، وإنما يمنعن من زيارة القبور، أما إذا كان الميت بالخارج؛ فلا يشرع لها أن تصلي عليه صلاة الغائب .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك