رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 يناير، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – باب: أينَ يَقوم الإمام من الميت للصلاة عليه؟

 

عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُب رضي الله عنه قال: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ، مَاتَتْ وهِيَ نُفَسَاءُ؛ فَقَامَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَسطَهَا، الحديث رواه مسلم في الجنائز ( 2/664) وبوّب عليه النووي كتبويب المنذري، ورواه البخاري في الجنائز (3/201) باب: أين يقوم من المرأة والرجل؟

وأم كعب هي الأنصاريّة: صحابية ذكرها أبو نعيم، وأبو موسى، وتوفيت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: «فقام وسْطها» بسُكون السين، وهو من وسْطُ الشيء: وهو ما بين طَرَفَيْهِ وهو منه.

أما الوَسَطُ: فهو المعتدلُ من كل شيء، وهو من وَسَطِ قومه: من خيارهم، ومنه سُميت: الصلاة الوسطى؛ لأنها من أفضل الصلوات وأعظمها أجراً؛ ولذا خُصت بالمحافظة عليها.

     قال القرطبي في المُفْهم: الصحيح تقييدنا فيه بالسُّكون، وكذا ضبطه أبو بحر والجياني. والصواب أنّ الساكن (ظرف) والمفتوح (اسم)؛ فإذا قلتَ: حفرت وسط الدار بئراً، كان معناه: حفرت في الجزء المتوسّط منها، ولا تقول: حفرت وسط الدار، إلا أنْ تعم الدار بالحفر، وعلى هذا فالصواب في الرواية السكون. انتهى.

في أي موضع يقوم الإمام؟

وقد اختلف الفقهاء: في أي موضع يقوم الإمام من الجنازة؟ بعد إجماعهم على أنه لا يقوم ملاصقاً لها، وأنه لا بد من فرجة بينهما؛ على ما حكاه الطبري.

فذهب قوم: إلى أنه يقوم عليها وسطها؛ ذكراً كان أم أنثى!

وقال آخرون: المرأة يقوم عليها وسطها؛ كي يسترها عن الناس، وأما الرجل فعند رأسه، لئلا ينظر الإمام إلى فرجه، وهو قول أبي يوسف، وابن حنبل.

وقال ابن مسعود بعكس هذا في المرأة والرجل، وذُكر عن الحسن التوسعة في ذلك، وبها قال أشهب وابن شعبان.

وقال أصحاب الرأي: يقوم فيها بحذاء الصدر.

قال النووي -رحمه الله-: السُّنة أنْ يقف الإمام عند عَجِيزة المرأة بلا خلاف للحديث; ولأنه أبلغ في صيانتها عن الباقين.

وفي الرجل وجهان: الصحيح: باتفاق المصنفين, وقطع به كثيرون وهو قول جمهور أصحابنا المتقدمين: أنه يقف, عند رأسه.

     والثاني: قاله أبو علي الطبري عند صدره, والصواب ما قدمته عن الجمهور, وهو عند رأسه، ونقله القاضي حسين عن الأصحاب. انتهى من (شرح المهذب: 5/183، وما رجّحه النووي هو ما اختارَه ابنُ المنذرِ في الإقناع: 1/161)، وابنُ حزمٍ في المحلى (3/383).

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي على الجنازة

وقد روى أبو داود أيضاً ما يرفع الخلاف: فعن أنس - وصلى على جنازة - فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي على الجنازة؟ كصلاتك يكبر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم.

وهذا الحديث يدل على أن محل مقام الإمام كذلك، وهو يبطل تأويل من قال: إن مقام النبي - صلى الله عليه وسلم- وسط جنازة أم كعب؛ إنما كان من أجلِ جنينها حتى يكون أمامه، بل كان ذلك؛ لأنه حُكم مشروعيته كذلك.

     ولما رواه الإمام أحمد (12701)، وأبو داود (3141): عن نافع أبي غالب الخياط قال: «شَهِدْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ؛ فَلَمَّا رُفِعَ أُتِيَ بِجِنَازَةِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقِيلَ لَهُ: يا أَبا حَمْزَةَ، هذِهِ جِنَازَةُ فُلَانَةَ ابْنَةِ فُلَانٍ، فَصَلِّ علَيها، فَصَلَّى عليها؛ فَقَامَ وَسْطَهَا، وفِينا العَلَاءُ بنُ زِيادٍ العَدَوِيُّ؛ فَلَمَّا رأَى اخِتلَافَ قِيَامِهِ على الرَّجُلِ والمَرأَةِ، قال: يا أَبَا حَمْزَةَ، هكذَا كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ حَيْثُ قُمْتَ، ومِنْ المَرْأَةِ حَيْثُ قُمْتَ؟ قال: نَعَمْ. قال: فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا الْعَلَاءُ فقال: احْفَظُوا». وصححه الألباني -رحمه الله.

وقال الشوكاني -رحمه الله-: «وإلى ما يقتضيه هذان الحديثان حديث سمرة، وأنس -رضي الله عنهما- من القيام عند رأس الرجل، ووسط المرأة ذهب الشافعي، وهو الحق». (نيل الأوطار: 4/80)، وهو ما اختاره الأمير الصنعاني.

     وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «ويُسَنُّ أنْ يقف الإمام عند رأس الرجل وعند وسط المرأة؛ لثبوت ذلك عن النبي، من حديث أنس وسمرة بن جندب -رضي الله عنهما- وأما قول بعض العلماء: إن السّنة الوقوف عند صدر الرجل؛ فهو قول ضعيف، ليس عليه دليل فيما نعلم». مجموع فتاوى ومقالات: 13/142).

فوائد الحديث

وفي الحديث فوائد منها: أنه يُشترَطُ أنْ يكونَ الميِّتُ بين يدَيِ الإمامِ، وتبطُلُ صلاةُ مَن تَقدَّم عليه، وهو مذهبُ الجمهورِ من أهل العلم، من الحَنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة.

وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  صلَّى خلفَ الجِنازة، ولم يتقدَّمْ عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي». رواه البخاري (631) وغيره.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك