رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 يناير، 2011 0 تعليق

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

      فالقرآن كلام الله تعالى، وكلامه سبحانه صفة من صفات كماله وجلاله وجماله، وصفات الله عز وجل ليس يماثلها شيء ولا يشبهها، ولا يحيط العباد بشيء منها، كما قال سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11).

      وقال سبحانه عن عظمة كلماته، وسعتها وكثرتها {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} (الكهف: 109).

أي: لو كانت بحار الدنيا كلها حبرا تكتب به كلمات الله تعالى، لانتهت من أولها إلى آخرها، ولم تنته كلمات الله!

وهذا من باب التقريب؛ لأن هذه البحار مخلوقة، وكل مخلوق منتهٍ فانٍ، وأما كلام الله سبحانه – الذي هو صفة من صفاته – فلا حد له ولا انتهاء، فأي عظمة وجلال وكمال فوق هذا؟!

وللإمام السعدي -رحمه الله تعالى- في مقدمة تفسيره، وصف مجمل رائع لكتاب الله تعالى، إذ يقول:

      الحمد لله الذي أنزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال والحرام، والسعداء والأشقياء، والحق والباطل، وجعله برحمته هدى للناس عموما وللمتقين خصوصا، من ضلال الكفر، والمعاصي والجهل، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم.

      وأنزله شفاء للصدور، من أمراض الشبهات والشهوات، ويحصل به اليقين والعلم، في المطالب العاليات، وشفاء للأبدان من أمراضها وعللها، وآلامها وأسقامها.

وأخبر أنه لا ريب فيه، ولا شك بوجه من الوجوه، وذلك لاشتماله على الحق العظيم، في أخباره، وأوامره ونواهيه.

وأنزله مباركا، فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة، فسببها الاهتداء به واتباعه.

وأخبر أنه مصدق ومهيمن، على الكتب السابقة، فما شهد له، فهو الحق، وما رده فهو المردود، لأنه تضمنها وزاد عليها.

وقال تعالى فيه: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} (المائدة: 16).

فهو هاد لدار السلام، مبين طريق الوصول إليها، وحاث عليها، كاشف عن الطريق الموصلة إلى دار الآلام، ومحذر عنها.

وقال تعالى مخبرا عنه: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيمُ خبيرُ} (هود: 1). فبين آياته أكمل تبيين، وأتقنها أي إتقان، وفصلها بتمييز الحق من الباطل، والرشد من الضلال، تفصيلا كاشفا للبس، لكونه صادرا من حكيم خبير، فلا يخبر إلا بالصدق والحق واليقين، ولا يأمر إلا بالعدل والإحسان والبر، ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية.

وأقسم تعالى بالقرآن، ووصفه بأنه «مجيد» والمجد: سعة الأوصاف وعظمتها، وذلك لسعة معاني القرآن وعظمتها.

ووصفه بأنه «ذو الذكر» أي: يتذكر به العلوم الإلهية، والأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة، ويتعظ به من يخشى.

وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} (يوسف:2).

وأنزله بهذا اللسان لنعقله ونفهمه، وأمرنا بتدبره، والتفكر فيه، والاستنباط لعلومه.

وما ذاك إلا لأن تدبره مفتاح كل خير، محصل للعلوم والأسرار.

فلله الحمد والشكر والثناء، على أن جعل كتابه هدى وشفاء، ورحمة ونورا، وتبصرة وتذكرة، وعبرة وبركة، وهدى وبشرى للمسلمين.

فإذا عُلم هذا، علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه، والاهتداء بها، وكان حقيقا بالعبد أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في تعلمه وتفهمه، بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.

أما عن مكانة علم التفسير والعناية به:

فقد قال العلامة الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن، وبيان ذلك: إن علم التفسير قد حاز الشرف من جهات ثلاث: من جهة الموضوع، ومن جهة الغرض، ومن جهة شدة الحاجة إليه.

أما من جهة الموضوع: فلأن موضوعه كلام الله سبحانه، الذي هو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة.

وأما من جهة الغرض، فلأن الغرض منه الاعتصام بالعروة الوثقى، والوصول إلى السعادة الأبدية التي لا تفنى، إذ  به معرفة مراد الله سبحانه من كلامه المنزل على نبيه صلواته وسلامه عليه، ومعرفة مواضع أمره فتؤتى، ومواضع نهيه فتجتنب.

وأما من جهة شدة الحاجة إليه: فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى.

قال مجاهد: أحب الخلق إلى الله تعالى أعلمهم بما أنزل.

وقال الحسن: والله ما أنزل الله آية، إلا وهو يُحب أن تُعلم فيما أنزلت، وما أراد الله بها.

وذكر ابن الجوزي في زاد المسير (1/4): عن إياس بن معاوية أنه قال: مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا، وليس عندهم مصباح، فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة، لا يدرون ما فيه، فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه.

وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة: عن أنس أن رسول الله [ قال: « إن لله أهلين من الناس» قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته».

فالمفسرون لكتابه تعالى، هم الجديرون لأن يكونوا أهل الله وخاصته؛ لأنهم هم أعلم الناس بكتاب ربهم جل جلاله، وتقدست أسماؤه، ومعانيه وأحكامه.

و قال تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} (البقرة: 269).

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.

وأخرج ابن أبي حاتم: عن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني،لأني سمعت الله يقول: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} (العنكبوت: 43).

وبين الله تعالى أنه إنما أنزل الكتاب ليتدبر ويفهم، فقال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} (ص: 29).

وحث عباده على تدبره فقال: { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } (النساء: 82).

وذم المعرضين عن الكتاب وفهمه، فقال: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبُ أقفالها} (محمد: 24).

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في مقدمة تفسيره: فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانة، وتعلم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} (آل عمران: 187).

وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} (آل عمران: 77)، فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا، بإعراضهم عن كتاب الله المنزل عليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله.

فعلينا أيها المسلمون أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون} (الحديد: 16- 17)، ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا هذا، إنه جواد كريم. انتهى كلامه رحمه الله.

وبعد:

فنبدأ بحول الله تبارك وتعالى وقوته هذا الشرح لكتاب «التفسير» من مختصر صحيح الإمام مسلم، للإمام المنذري رحمه الله.

وقد ذكر في هذا الكتاب كما قال: ما ورد في تفسير الكتاب مرفوعا وموقوفا من صحيح مسلم.

والتفسير لغة: مأخوذ من الكشف والبيان، من فسر عن الشيء بمعنى كشف عنه، فيقال: فسر عن ذراعيه يعني كشف عن ذراعيه.

فالتفسير معناه: الكشف والبيان، ويقصد به بيان ما تتضمنه الآيات من المعاني والمقاصد.

قال أهل العلم: وأحسن طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، فما جاء مجملا في مكان، بين في مكان آخر، فكتاب ربنا سبحانه وتعالى يبين بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، وهذا التفسير يكون أحيانا متصلا بالآية، أو مقارنا لها، وأحيانا يتأخر عنه في سوره أخرى.

فمن الأول: قول الله سبحانه وتعالى: {والسماء والطارق < وما أدراك ما الطارق < النجم الثاقب} (الطارق: 1-3).

فهاهنا في الآية تفسير لما سبق في أولها أن الله سبحانه وتعالى يبين معنى الطارق بأنه النجم الثاقب.

وأحيانا يتأخر التفسير عن الآية، فيبحث عنه في موضع آخر. كقوله {الحمد لله رب العالمين} فلم يبين لنا ربنا سبحانه في هذا الموضع ما المراد: بالعالمين، ولكن جاء في سورة الشعراء تفسيره، في قوله: {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما أن كنتم موقنين} فهذا تفسير لما جاء في أول القرآن.

وثانيا: يلي ذلك تفسير القرآن بالحديث النبوي؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام {لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم).

وهو عليه  الصلاة والسلام قد فسر كثيرا من آيات الكتاب الكريم، ولا يعني ذلك أن النبي [ كان يفسر كل آية تنزل على أصحابه، وإنما كان يفسر لهم الغامض، أو يوضح لهم بعض المجمل، وذلك لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يفهمون الخطاب القرآني بسجيتهم، وبمعرفتهم بكلام العرب ولغاتها، ولهذا كانت الآيات إذا نزلت عليهم عرفوا المقصود والمراد منها، وكان النبي [ أحيانا يوضح الآيات أو يبين المقصد عمليا، كما بين قول الله عز وجل بفعله إذ قال الله عز وجل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فكان النبي [ يصلي لهم، ويبين لهم كيف تكون الصلاة، وما هي شروطها وأركانها، فهذه السنة العملية فيها بيان لقول الله سبحانه وتعالى.

ثالثا: أما الطريقة الثالثة لتفسير القرآن، فهي تفسير القرآن بأقوال الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أعلم الناس بالتفسير، لأنهم شاهدوا التنزيل، وعاصروا الرسول [، وسمعوا الآيات وهي تنزل عليه في الأحوال المختلفة، فهم من أعلم الناس بتفسير كتاب الله بالإضافة لمعرفتهم باللغة العربية وكلام العرب وخطابهم.

رابعا: أن يفسر القرآن بأقوال التابعين وهم تلاميذ الصحابة المشهورين، كسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم، ممن أخذوا التفسير عن ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وأمثالهم.

خامسا: أن يفسر القرآن بلغة العرب: فإذا لم يجد الإنسان شيئا مما سبق، رجع إلى كلام العرب لمعرفة معاني كتاب الله تعالى وألفاظه، بالقواعد التي وضعها العلماء في هذا.

وان شاء الله تعالى نأخذ في كل حلقة ما تيسر من الأحاديث التي رواها الإمام مسلم في صحيحه وجمعها الإمام المنذري في هذا الكتاب الذي سماه كتاب التفسير، وهو أحد الكتب في مختصر صحيح الإمام مسلم الذي اختصره الإمام المنذري.

وليس بالضرورة أن يكون الحديث الذي يذكره الإمام المنذري هاهنا، يكون قد رواه الإمام مسلم في كتاب التفسير، لأن الإمام مسلم أحيانا قد يروي حديثا في التفسير في غير مكانه، لأنه يحتج به في مسألة تدل عليها الآية، أو يحتج به على قضية معينة أخرى، لكن الإمام المنذري جمع ما جاء في صحيح مسلم من أحاديث التفسير في هذا الموضع، وجدير بالإشارة أن الإمام مسلم لم يبوب صحيحه، إنما هو وضع الكتب كتاب العلم, كتاب الوضوء, كتاب الصلاة, كتاب الزكاة وهكذا، أما التبويبات التي داخل صحيح الإمام مسلم فهي من عمل الإمام النووي رحمه الله تعالى.

وجدير بالذكر أيضا: أن الإمام يحي بن شرف الدين النووي هو من أحسن من تعرض لشرح صحيح الإمام مسلم وانتشر كتابه في الأفاق.

أما هذا الكتاب - وهو مختصر صحيح الإمام مسلم - فقد شرحه أبو الطيب صديق خان المعروف بالقنوجي البخاري، في كتاب: سماه السراج الوهاج في كشف مطالب مسلم بن الحجاج.

ونبدأ إن شاء الله تعالى في سورة البقرة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك