رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 11 مايو، 2011 0 تعليق

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(16) من علامات الساعة الكبرى

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

2137. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: « ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ، لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا، لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ «.

الشرح: الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (158) وبوب عليه النووي: باب الزمن الذي لا يُقبل فيه الإيمان.

وهو في قوله تبارك وتعالى: {هل يَنظرون إلا تأتيهم الملائكةُ أو يأتي ربُّك أو يأتي بعضُ آياتِ ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قل انتظروا إنا منتظرون} وهي آية من سورة الإنعام، الآية الثامنة والخمسين بعد المائة.

       والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه الصحابي الجليل، راوية حديث رسول الله، وحافظ سنته، وناقل هديه لمن بعده.

 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ، لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض ».

       قوله: «ثلاث» يعني: ثلاث آيات وعلامات، والآيات هي الأمور الخارقة للعادة، والتي يسميها العلماء بالمعجزات، وهي المعجزات الكائنة قبل يوم القيامة، وهذه الآيات كائتة قبل يوم القيامة، وهي دالة على قرب قيام الساعة، وتسمى أمارات الساعة، أو علامات الساعة، وأشراط الساعة، وهي التي تدل على قرب قيام الساعة، قال تعالى: {هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} (محمد: 18). أي: فهل ينتظر هؤلاء المكذبون إلا قيام الساعة فجأة، فقد جاءت علاماتها الدالة على قربها {فأنى لهم} فأين لهم وقت التوبة والتذكر، إذا جاءت الساعة، وقامت القيامة؟!

ففيه حثٌ على الاستعداد للقاء الله تعالى.

       وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هاهنا ثلاث علامات تدل على قرب قيام الساعة، فقال: « ثلاث إذا خرجن» أي: ثلاث آيات وعلامات إذا خرجن، يعني: إذا ظهرن للناس.

       قوله: «لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» هذه الآيات الثلاث إذا خرجن، لا ينفع نفساً إيمانها، أي إذا رأتها ثم آمنت، أي: تابت إلى الله من كفرها وأسلمت، فإنه لا يفيدها ذلك، فلا ينفع الكافر إيمانه إذا رآها، أي: إذا أسلم بعد رؤية هذه الآيات، فان إسلامه لا ينفعه.

 وما الحكمة في هذا؟ أو ما المانع من قبول التوبة؟

         والجواب: أن الله سبحانه وتعالى جرت عادته وسنته، واقتضت حكمته، ألا يقبل من الإيمان، إلا ما كان اختياريا، أي: برغبة الإنسان واختياره وإخلاصه، أما ما كان إيمانا اضطراريا، مدفوعا إليه ومكرها، فإن الله عز وجل لا يقبله؛ ولذلك قال الله سبحانه: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرُّشد من الغي} (البقرة: 256). فالمكره ليس إيمانه صحيحا، ولا حاجة لنا لإكراه الناس على دين الله عز وجل؛ لأن دين الله وهو التوحيد والإسلام واضح جلي، وآياته وحججه وبراهينه أظهر من أن تنكر، وإنما يجبر المرء على ما لم يتضح فائدته وصلاحه، من الأمور الخفية أو الغامضة أو الضارة.

        ولذلك لا يقبل الله عز وجل إسلام المكره على الإسلام، وهكذا إيمان الغريق إذا عاين الموت، كإيمان فرعون لما أدركه الغرق، فإنه قال لما جزم بهلاك نفسه كما حكى لنا القرآن الكريم: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} (يونس: 90). فقال الله تعالى له: {ءآلآن وقد عصيتَ قبلُ وكنتَ من المفسدين} (يونس: 91) أي: الآن تسلم وتنقاد لله ولرسوله، وقد عصيت الله وبارزته بالمحاربة وبالكفر والتكذيب؟! فلا ينفعك ذلك.

         وهكذا المريض إذا عاين الموت، أو الحريق، وغرغرت الروح، وآمن عند ذلك، فلا يقبل الله منه هذا الإيمان؛ لأن الإيمان المطلوب من العباد هو الإقلاع عن الذنوب والمعاصي والشرك، في زمن الاختيار، أي: في زمن يختار فيه الإنسان إيمانا رغبة فيه، وإخلاصا لله عز وجل، واستجابة لأمره، وإلا فالأمر كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر: 84 - 85).

        أي: لما رأوا عذاب الله وشاهدوه، وأحاط بهم، آمنوا وأقروا، وتبرؤوا من الأصنام والأوثان. قال تعالى: {فلم يك ينفعهم إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي: في تلك الحال، وهذه {سُنَّة اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} أي عادته؛ فلا يقبل إيمانهم، ولا ينجيهم من عذابه {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} خسروا دينهم ودنياهم وأخراهم.

         وقال صلى الله عليه وسلم: « إن الله ليقبل توبة العبد، ما لم يغرغر» رواه أحمد والترمذي وابن ماجة، أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه.

        وقوله تعالى: {أو كسبت في إيمانها خيرا} أي: ولا يقبل من المؤمن المقصّر المذنب، صاحب المعاصي، إذا رأى هذه الآيات، لا يقبل منه أن  يتوب عن معاصيه ولو كانت غير مكفّرة، ولا يقبل منه كذلك أن يزداد في إيمانه، بعمل الطاعات والقربات؛ لأنه عاين الساعة وشاهدها، وإنما يقبل منه ما كان له من عمل صالح سابقا، وإيمان قبل ظهور هذه الآيات، وقبل خروج هذه العلامات للقيامة، فينفعه الخير الذي كان عنده قبل، أما إذا أراد مثلا أن يزداد عملا، فكان سابقا يصلي الفريضة فقط ولا يزيد، فإنه إذا تطوع بعد هذه الآيات لا يقبل منه، ولو أراد أن  يصلي من الضحى، أو يصلي من الليل بعدها، ولم يكن يعمله قبل ظهور هذه الآيات، فإنه لا يقبل؛ لأنه إنما فعله مضطرا، والله سبحانه وتعالى إنما يحب منا الإيمان والطاعة في زمن الاختيار؛ ولهذا كان التعبد لله سبحانه وتعالى والدعاء في زمن الرخاء والراحة، يحبه الله عز وجل من العبد؛ لأنه دليل الرغبة فيما عند الله، والرهبة مما عنده، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث الترمذي: « من سرّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر من الدعاء في الرخاء ».

        أما أول هذه الأمور التي إذا حصلت وخرجت، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، فهو: « طلوع الشمس من مغربها» وفي الرواية الأخرى لمسلم: « لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا ».

       وطلوع الشمس من مغربها قال أهل العلم: هو أول الآيات الكونية الكبرى، وعلامات الساعة منها صغرى ومنها كبرى، ومنها أرضي ومنها سماوي، فالأرضي هو ما يفعله الناس، أو ما يقع من الناس، أو ما يحدث على الأرض، مثل: كثرة الجهل وقلة العلم، وذهاب العلماء، وكثرة الزنى وانتشاره، وشرب الخمر مع تسميتها بغير اسمها، ومثل عقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، وإخلاف الوعد، فهذا وما أشبهه مما يقع، هو من علامات الساعة الأرضية.

        وهناك علامات سماوية: أي تقع في السماء، وأعظم الآيات الكونية: طلوع الشمس من مغربها، وسيأتي الكلام عليها في الحديث التالي.

        أما الدجال: فالمقصود به رجل يخرج في آخر الزمان، عند ظهور المهدي ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء، عند ذلك يخرج الدجال، وهو الدجال الأكبر، وإلا فالدجالون كثر في كل زمان ومكان، ولكن هذا رأسهم وكبيرهم، ومن كفره وطغيانه أنه يدعي الإلهية ، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وتكون معه فتنة عظيمة؛ إذ إنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تخرج كنوزها، فتتبعه كنوزها كأنها يعاسيب النحل، أي: كأنها جماعات النحل، ومعه جنة ونار، جنة فيها ماء يجري، ومعه نار تلظى، فناره جنة في الحقيقة، وجنته نار، ويدعو الناس إلى الإيمان به بأنه هو الإله، فمن آمن به قذف به إلى جنته، التي هي في الحقيقة نار، ومن كفر به قذف به إلى ناره، التي هي جنة في الحقيقة.

        وأما دابة الأرض: فهي دابة تخرج في آخر الزمان، جاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (النمل: 82).

       أي: إذا جاء الوقت الذي حتمه الله، أخرج لهم دابة من الأرض وليست من السماء، تخاطب وتكلم الناس، كلاما خارقا للعادة، فتكون عليهم حجة وبرهانا.

       وهذه الدابة تخرج إلى الناس وتميزهم وتسمهم بعلامات، يعرف بها المؤمن من الكافر، كما ورد في حديث أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة، فتسم الناس على خراطيمهم – أي على أنوفهم – ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير، فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: من أحد المخطّمين» رواه أحمد (5/268) وصححه الألباني – الصحيحة (322).

       وهذه الدابة لها بعض التفاصيل المذكورة في كتب التفسير لا تصح، وقد أعرضنا عنها، وإنما ورد ذكرها في القرآن في هذه الآية من سورة النمل، وجاء ذكرها أيضا في هذا الحديث.

       وفي الحديث هنا: أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من المؤمن عملا ما يزيد في إيمانه عند خروجها، كما لا ينفع الكافر إسلامه أو إيمانه أو رجوعه وتوبته؛ لأن تصديقه صار اضطراريا وليس اختياريا، أما ما كان قبل ذلك من عمل، فإنه يكتب لأهل الإسلام وأهل الإيمان.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك