رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 يونيو، 2011 0 تعليق

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(20)الأمان من العذاب

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

سورة الأنفال: باب: في قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.

2141. عن أَنَس بْن مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ، أَو ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

الشرح: الحديث في سورة الأنفال، وقد أورد فيها المؤلف حديثاً واحدا، في قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الأنفال: 33- 34 ).

       والحديث عن أنس بن مالك ]، وقد رواه الإمام مسلم في كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، وأورده الإمام المنذري في كتاب التفسير من مختصره هنا؛ وذلك لأن المنذري جمع أحاديث التفسير من صحيح مسلم في مكان واحد، والإمام مسلم وأن كان قد ذكرنا سابقاً أنه قد أفرد أحاديث التفسير في كتاب في آخر صحيحه، إلا أنه قد فرّق بعض الأحاديث المتعلقة بالتفسير في خلال كتابه الصحيح.

       قال أنس ابن مالك رضي الله عنه: «قال أبو جهل، وأبو جهل هو عمرو بن هشام عدو الله ورسوله، وكان يسمى بأبي الحكم، فسمّاه النبي [ بأبي الجهل! وجاءت تسميته في بعض الأحاديث - وان كان في سندها كلام – تسميته بفرعون الأمة، وهكذا كان لعنه الله، فقد كان رأساً في الكفر والإلحاد، والمحادّة والمعاندة لله تعالى، والمعاداة لرسوله [، وقد قتل يوم بدر كافرا.

       قال: قال أبو جهل: « اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك، فأمطر علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم» وقد حكى الله سبحانه وتعالى عنه في كتابه هذه المقالة، التي تدل على جهله وسفاهته، وقلة عقله، وظلمه لنفسه وقومه، إذ قال: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} أي: إن كان ما يدعو إليه محمد [ هو الحق الذي أرسلته به. وقال مجاهد وعطاء والسدي وغيرهم إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث (انظر تفسير الطبري 11/142 – 145).

وقد تكون هذه المقالة قد تكررت على لسان هؤلاء جميعا.

       وقوله: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الأنفال: 32) أي: أنزل علينا عذابا، إن كنا قد عصيناك بترك اتباع محمد [؟! وهذه مقالة الأغبياء والسفهاء، والجهلة الظالمين؛ لأنه إن كان يريد التوصل إلى الحق الذي يعتقده بدليل أو ببرهان، فكان الواجب عليه أن يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأرشدنا إليه، أو اهدنا له، وبينه لنا، لكن قال هذه المقالة التي تدل على الغباء والسفاهة وقلة العقل، وقد قالها من قبله الجهلة والكفرة من الأمم السابقة، فاستعجلوا العذاب والعقوبة من الله عز وجل، كما قال سبحانه عنهم: {ويستعجلونك بالعذابِ وولولا أجلٌ مسمّى لجاءهم العذاب وليأتينّهم العذابُ بغتةً وهو لا يَشعرون} (العنكبوت: 53).

       وقال تعالى أيضا: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس دافع له من الله ذي المعارج} (المعارج: 1 – 3)، قال ابن عباس: إن السائل: هو النضر بن الحارث ابن كلدة. وقال تعالى أيضا: {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} (ص: 16) أي: عجل لنا قسطنا وما قسمت لنا من العذاب عاجلا غير آجل؟! إن كان محمد [ صادقا!

       وقال الجهلة من قوم شعيب \: {فأسقط علينا كِسفاً من السماء إن كنت من الصادقين} (الشعراء: 187) أي: أنزل علينا قطعا من العذاب من السماء. وهذا يدل على الجحود والإنكار من الأمم لما جاءت به الرسل صلى الله عليهم وسلم من الهدى ودين الحق والتحدي والعناد.

       وكأنما ما جاءت به الرسل، وما جاء به محمد [ ليس بيّنا ولا ظاهرا ولا واضحا، ولا دلت عليه الدلائل المتكاثرة والآيات والمعجزات! بل كأن ما جاءوا به كان خفيا، فقال هنا «إن كان هذا هو الحق من عندك»، وهذا لا شك أنه معاندة ومكابرة لرسول الله [.

       قوله: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: يكون قذف بالحجارة من السماء ورجم، أو أي عذاب أليم ينزل من السماء، فقال الله سبحانه وتعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما كان الله ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم، حتى يخرجهم.

       والمقصود هو رسول الله [، أي: ما كان الله عز وجل ليَعم بالعذاب أمةً فيها نبيها، حتى يتوفاه الله عز وجل، أو يخرجه من بين ظهرانيها، كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} (الزخرف: 41).

       يعني: إذا توفاك الله أو ذهب بك، فإنه سينتقم من قومك المكذبين المستكبرين؛ فلهذا قال عز وجل هنا: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال: 33).  قوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} قال ابن عباس: كان فيهم أمانان، يعني: أمانان من العذاب: الأمان الأول: وجود النبي [ بينهم، والأمان الثاني: الاستغفار.

       فذهب الأمان الأول بوفاة النبي [، وبقي الأمان الثاني وهو الاستغفار، فوجود النبي [ في الأمة، أمان من عذاب الله سبحانه وتعالى، والأمان الثاني الاستغفار، هذا ما دلت عليه الآية الكريمة.

       وما المقصود بالاستغفار في قوله: {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فهل كان المشركون يستغفرون الله؟! قال أهل التفسير: كانوا يقولون في طوافهم: غفرانك غفرانك. وقال آخرون: كانوا إذا خلوا بأنفسهم: استغفروا الله عز وجل من قولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأنزل علينا حجارة من السماء؛ إذ كانوا يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذا القول قبيح، وكلام عظيم، فكانوا إذا رجعوا إلى بيوتهم وخلو بأنفسهم، خافوا الله عز وجل وخافوا من عذابه، فكانوا يستغفرون الله عز وجل.

       والقول الثالث: وهو قول أيضا راجح وقوي: أن معنى الآية: أن الله عز وجل لم يكن معذبهم وفيهم المسلمون الذين يستغفرون الله تعالى، فلما خرج المسلمون من بين أظهرهم، أي لما هاجروا إلى المدينة، عذّبهم الله عز وجل في يوم بدر وما بعدها. فالمقصود إذاً من كان من المسلمين بمكة. والمعنى الرابع: وهو معنى قد يمكن دخوله في الآية، أي: وفي أصلابهم من يستغفر الله، يعني سيخرج من أصلاب المشركين من يستغفر الله.

       والمعنى الخامس: أن هذه دعوة من الله لهم أن يتوبوا وأن يستغفروا الله، إذا أرادوا أن يرفع الله عز وجل عنهم البلاء والعذاب، والحجارة من السماء التي طلبوها، فعليهم أن يستغفروا الله سبحانه وتعالى.

       إذاً دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان من عذاب الله تعالى وعقوبته، وأمان من سيئات الأعمال، فمن خاف من سيئات أعماله، أي السيئات التي تصيبه بسبب ما كسبت يداه، بسبب ظلمه، أو بسبب فسقه، بسبب تعديه لحدود الله، فعليه أن يستغفر الله عز وجل، والآيات والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جدا، كقوله تعالى {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا} (هود: 3).

       وكقول نوح عليه السلام لقومه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا  ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح: 10 – 12) وغيرها من الآيات التي يمكن الرجوع إليها في مظانها.

       وقول الله عز وجل: {وما لهم ألا يعذبهم الله} أي هم مستحقون لعذاب الله عز وجل في الحقيقة، وأهل لذلك، لماذا؟ قال الله عز وجل في بيان ذنبهم {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الأنفال: 34).

       وهذا ذنبٌ عظيم ذكره الله سبحانه وتعالى عنهم، وهو أنهم كانوا يصدون عن البيت الحرام، فيمنعون المؤمنين من الحج والعمرة والطواف بالبيت الحرام، وهذا حصل منهم بعد هجرة النبي [، بل قبل هجرته [، فكانوا يمنعون من يقرأ القرآن عند البيت الحرام، ويمنعون من الصلاة عنده، كما يمنعون المسلمين من الطواف بالبيت الحرام، ويسبونهم فيقولون: هؤلاء الصابئة هؤلاء كذا وكذا، فيؤذونهم إذا طافوا بالبيت الحرام، قال عز وجل: {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أولياؤه إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (الأنفال: 34).

       وقوله: {وما كانوا أولياءه} فيه قولان: الأول: أن الضمير في (أولياؤه) عائد إلى الله عز وجل، أي: أن هؤلاء المشركين ليسوا أولياء لله؛ لأن أولياء الله هم الصحابة المؤمنون المتقون، أما المشركون فليسوا من أهل الولاية. والقول الثاني: {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} عائدٌ إلى البيت الحرام، أي: إن هؤلاء المشركين ليسوا بأحق من المسلمين بالبيت الحرام؟! بل أهل الإيمان أحق بالبيت الحرام من المشركين.

       لماذا؟ لأن البيت الحرام إنما أسس على التوحيد والإيمان والإسلام، ولعبادة الله وحده لا شريك له، وهؤلاء المشركون أدخلوا إلى البيت الأصنام والرجس والشرك والكفر بالله سبحانه وتعالى والأخلاق الرديئة؛ ولهذا كان أهل الإيمان والإسلام أحق بالبيت الحرام، لأنه إنما بُني البيت لأجل ذكر الله وتوحيده، كما قال تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والقائمين والركع السجود} (البقرة: 125).

       يطهره من ماذا؟ يطهره من النجاسات الحسية، ومن النجاسات المعنوية، والتي هي أشد من النجاسة الحسية، ألا وهي الشرك بالله سبحانه وتعالى، وكل ظلم وخلق قبيح.

       فالصحابة في الحقيقة هم أولياء الله، وهم الذين أحق بالبيت الحرام، الذين اتقوا الله تعالى بفعل أوامره، وترك زواجره.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك