رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 14 يونيو، 2011 0 تعليق

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(21)خطر النفاق على صاحبه

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

(سورة براءة) باب: في قوله تعالى: {ولا تُصلِّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تَقم على قبره} (التوبة : 84) .

فيه حديث ابن عمر، وقد تقدم في فضائل عمر رضي الله عنه (رقم 1636) .

الشرح: أورد في الأنفال حديثا واحدا، ثم انتقل إلى سورة براءة، وهي سورة التوبة، سميت براءة؛ لأن أولها كلمة ( براءة ) فسميت بذلك؛ إذ يتبرأ فيها الله سبحانه وتعالى ورسوله [ من جميع المشركين .

      وسميت بـ«سورة التوبة» لأن الله سبحانه وتعالى تاب فيها على النبي والمهاجرين والأنصار، في غزوة العسرة كما في الآية: {لقد تابَ الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتّبعوه في سَاعة العُسرة} (التوبة : 117) .

      وأيضا : تاب الله فيها على الصحابة : كعب بن مالك وصاحبيه، وأنزل توبتهم في أواخرها، في قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خُلّفوا} إلى قوله: {ثم تابَ عليهم ليتوبوا إنّ الله هو التوّاب الرحيم} (التوبة: 118) .

      وأيضا: في هذه السورة العظيمة دعا الله سبحانه وتعالى المشركين إلى التوبة من الشرك، والدخول في الإسلام، في أكثر من موضع فقال سبحانه: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التوبة : 5).

وقال بعدها: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فإخوانكم في الدين} (التوبة : 11).

      قول المنذري: باب في قوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} هذه الآية الرابعة والثمانون من سورة التوبة.

      وقال: فيه حديث ابن عمر، وقد تقدم في كتاب الفضائل، أي في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذا الحديث إنما أشار إليه المؤلف إشارة هنا، بأنه قد تقدم في كتاب الفضائل، حيث أورده الإمام مسلم هناك، والإمام مسلم قد أورد هذا الحديث الذي له تعلق بهذه الآية من سورة التوبة، أورده في باب فضائل عمر رضي الله عنه؛ لموافقته للحق ونزول الآية بما رأى واختار .

      والحديث المشار إليه هو : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنه لما توفي عبد الله بن، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول [ الله[، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه! فقام رسول الله [ ليصلي عليه! فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله [! فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟  فقال رسول الله [: «إنما خيرني ربي، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} وسأزيد على السبعين « قال عمر : إنه منافق ! قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل آية {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} (التوبة : 84).

      وهكذا أيضا رواه البخاري في صحيحه، ورواه الإمام أحمد بزيادات فيه : أنه لما قام النبي [ رسول الله، أعلى عدو الله عبد الله بن أبي؟! القائل يوم كذا.. كذا وكذا، ويوم كذا.. كذا وكذا، يعدد أيامه».

      أي: يعدد الأيام التي كانت له فيها مواقف مشينة، بل كفرية وفيها محادة لله ورسوله، صدرت عن عبد الله بن أبي؛ لأنه كان رأسا من رؤوس النفاق، وقد آذى الله ورسوله في غير ما مناسبة، فمن ذلك كلمته المشهورة التي حكاها القرآن عنه في الآية: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} (المنافقون : 8)، هذه كلمته، ونقلها الله سبحانه وتعالى عنه في كتابه، وهو وأصحابه أيضا القائلون: {لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} (المنافقون: 7)، أي : ضيقوا عليهم الإنفاق، واقطعوا عنهم الأموال؛ حتى تضيق عليهم الأحوال، ويشتد عليهم الفقر والحاجة، فيتفرقوا عن رسول الله[ بسبب الجوع والفقر، وهذا كله من الصد عن سبيل الله تعالى، والمكر الخبيث، والبغض للنبي [ وأصحابه، بل كراهية الإسلام وانتشاره وقوته وعلوه!

      وهذه الحيل وهذا المكر وهذه الخطط الشيطانية تتكرر في كل عصر ومصر، فاليوم يضيق الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على أهل الإسلام، ويضيق على الجمعيات الخيرية، والهيئات الدعوية في جمع الأموال والتبرعات، ويضيق عليهم في نقل الأموال للمحتاجين والفقراء، أو بناء المساجد وغيرها، في مختلف بلاد المسلمين، مع اتهامهم بشتى أنواع التهم المنفرة، كل ذلك لمنعهم من العمل والدعوة لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى في الأرض، لكن الله سبحانه وتعالى {مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف: 8).

       فالنبي [ لما عدّد له عمر رضي الله عنه أيام عبدالله ابن أبي وما فعل مع نبي الله والمسلمين تبسم، حتى إذا أكثر عليه قال: «أخر عني يا عمر، إني خيرت فاخترت، قيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ}، ولو أعلم أني لو زدت» على السبعين غفر لهم زدت، ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه، قال عمر: فعجبت من جرأتي على رسول الله [ وسلم، والله ورسوله أعلم « أي : كيف تجرأت ووقفت على النبي [ وقلت له: أتصلي على عدو الله، أتصلي عليه وقد قال كذا وكذا؟! يوم كذا وكذا، وعدد أيامه، قال عمر: فوالله ما كان إلا يسيرا، حتى نزلت هاتان الآيتان: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} (التوبة :  84)، فما صلى رسول الله [ بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل .

       وفي هذا الحديث : أن رسول الله [ كان من هديه ومن سننه أنه يصلي على موتى الصحابة ويدعى إلى ذلك من قبلهم .

       ومن هديه [ أيضا : أنه كان يقف على القبر بعد أن يدفن صاحبه ولا ينصرف مباشرة، إذ كان يدعو له، وكان يقول لأصحابه إذا وقف على القبر: «استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل» رواه أبو داود (3221).

ففي هذا الحديث استحباب الاقتداء بالنبي [ في هذه السنة المهجورة عند الناس .

      فهذا لعموم المسلمين، ولكن في هذه الآية منعه الله عز وجل من الصلاة على المنافقين، الذين ظهر نفاقهم، وبان كفرهم للمسلمين بأفعالهم وأقوالهم؛ ولهذا قال الله تعالى له: لا تصلِّ عليهم، ولا تقم على قبورهم، ولا تستشفع لهم؛ فإن الشفاعة فيهم لا تقبل لأنهم ليسوا أهلا لذلك .

       وقد يقول قائل : إذاً لماذا النبي [ فعل ذلك مع عبد الله بن أبي؟! والجواب: أولا: لا شك أن ما فعله النبي [ كان اجتهادا منه، لا يخالف نصاً صريحا، بل كان مراعاة لمصالح يراها [، وترغيبا منه لقوم بن أبي في الإسلام، وسعياً في تأليف قلوب أتباعه، وتثبيتهم على الدين وهي مصلحة كبيرة.

      وأيضا: كان النبي [ رؤوفاً رحيماً كما وصفه الله تعالى بقوله: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}، فلعله طمع أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه، وإن كان مَن كان، لكن الله سبحانه وتعالى نهاه عنه .

      وأما إلباسه ثوبه، فقد ذكر بعض أهل السير: أن النبي [ إنما أعطاه ثوبه وكساه قميصه، لأن عبد الله بن أبي كان قد كسا العباس عم النبي [ مثله، وذلك لما قدم العباس المدينة، وطلب له قميص فلم يوجد على قدره إلا ثوب عبد الله بن أبي؛ لأنه كان ضخما طويلا فأعطاه ثوبه، ففعل النبي [ به ذلك مكافأة له، ورد له الجميل.

      وقوله: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك»  يدل على أنه [ كان يطمع في حصول المغفرة له؛ لأنه كان يظهر الإسلام، والمنافق تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، وأنه خير فيه لقوله تعالى: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} وأن ذكر السبعين مراد، وليس للمبالغة، ولذلك قال [: سأزيد عليها . وقد يكون قد قاله تألفا لقومه .

      وهذا النهي عن الصلاة على المنافقين وعن القيام على قبورهم، لمن ظهر نفاقه وفجوره أو الاستغفار له، هو نهي للأمة وليس للرسول [ وحده، فالأمة عليها أن تتابع نبيها في ذلك، ولكن على المسلم أن يأخذ بالظاهر ولا يسأل عن السرائر، فمن ظهرت منه أمارات الإسلام والإيمان، صلينا عليه ووقفنا على قبره،  أما من ظهرت منه أمارات الكفر بعمل أو قول، اجتنبناه ولم نصل عليه، أما من كان تاركا لبعض الفرائض، أو مسرفا على نفسه بالكبائر وهو أقرب إلى الكفر، فهذا ينبغي يصلى عليه ألا الأكابر من المسلمين، من العلماء والفضلاء والمشهورين بالصلاح، فهؤلاء لا يصلون عليه زجراً له ولأمثاله من العصاة.

      وكان عمر بن الخطاب ] لا يصلي على جنازة من جهل حاله حتى يصلي عليها حذيفة بن اليمان؛ لأنه كان يعلم المنافقين بأعيانهم؛ إذ كان النبي [ قد أخبره بأسماء المنافقين، وكان يكتم هذا السر؛ ولذلك كان يقال له : صاحب السر، يعني الذي لا يعلمه غيره من الصحابة .  وقول الله عز وجل {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ} يعني : أنه لا تصح الصلاة على هؤلاء الكفار، ومن أظهر الكفر بالله ورسوله، لا تصح الصلاة عليه .

      {وماتوا وهم فاسقون} الفسق هو الخروج عن الطاعة، وهي في الأصل دون الكفر، لكن قد يجتمع مع الكفر، فقد يكون الرجل كافرا وفاسقا، وقد يكون كافرا ليس عنده ما يفعله أهل الفسق والكبائر، فقد يكون كافرا بالله عز وجل لكنه لا يشرب الخمر، ولا يأتي الفواحش والمنكرات، فإذا جمع بين هذا وهذا قيل له: كافر فاسق، وقد تجتمع به أيضا صفة الظلم للخلق، والصد عن سبيل الله، وهذا مما يزيد في عذابه، كما قال تعالى: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا  إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} (النساء : 167 – 168).

      وقال سبحانه: {الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون} (النحل : 88 ) أي : ضاعفنا لهم العذاب .

      فهناك الكفار، وهناك أئمة الكفر، ودعاة الضلال، ممن جمع بين ضلال نفسه وإضلال غيره، وهذا أشد، وعذابه عند الله أكبر .

      وفي الحديث : جواز الإعلام بوفاة الميت، وأن ذلك لا يدخل في النعي المنهي عنه . وفيه : جواز العمل بالظاهر إذا كان النص محتملا .

وفيه : جواز تنبيه المفضول الفاضل على ما يظن أنه سها عنه .

هذا ما تيسر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا  محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك