رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 نوفمبر، 2011 0 تعليق

شرح كتاب التفسـير من مختصر صحيح مسلم للمنذري ( 36 )- حديث الإفك (6)

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم  وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

      هذه الحلقة الأخيرة في شرح حديث الإفك الذي وقع على أشرف النساء مطلقا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

   قالت : فأنزل الله عز وجل: {ِإنَّ الَّذِينَ جَاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور : 11).

قوله {إن الذين جاؤوا بالإفك} : وهذا شروع في بيان الآيات النازلة في شأن عائشة رضي الله عنها، وهي تقريبا ثماني عشرة آية، تنتهي بقول الله تعالى: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (النور : 26).

والإفك: هو أقبح الكذب وأفحشه، وهو مأخوذ من أفك الشيء، إذا قلبه عن وجهه، فالإفك هو الحديث المقلوب، وهو ما اتهمت به عائشة رضي الله عنها، وهو إفك وكذب عظيم ، وقد حاول بعض أهل البدع أن يزعم أن هذه الآيات ليست نازلة في عائشة؟ فيكذّب - والعياذ بالله - بالأحاديث الصحيحة الواردة في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم وفي المسند وفي السنن وغيرها؟! وهذا إفكٌ جديد يضاف إلى ما اتهمت به عائشة رضي الله عنها من الإفك والكذب العظيم، وهو أيضا مخالف لإجماع المسلمين والمحدثين، وقد ذكر غير واحد من أهل التفسير : إجماع المسلمين على أن المراد بهذه الآيات هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وقصتها مشهورة في ذلك مستفيضة، وأن الله عز وجل برأها مما قاله فيها أهل النفاق؛ ولذا قال: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} والعصبة: هم من الثلاثة إلى العشرة، وقيل: من العشرة إلى الخمسة عشر، وقيل غير ذلك، فالعصبة المقصود بها هنا: الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض {منكم} أي ناسٌ ينتسبون إليكم، فمنهم الصادق الغافل؛ لأن بعض المؤمنين كما ذكرنا اغتر بما أشاعه أهل النفاق ، فوقع فيما وقعوا فيه، ومنهم من هو منتسبٌ لكم في الظاهر، ولكنه منافق في الحقيقة ، {لا تحسبوه شراً لكم } أي : بل هو خيرٌ لكم ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم  ولعائشة وأبي بكر وصفوان بن المعطل رضي الله عنهم وكل من تأذى بما حدث، وهو تسلية لهم، فيقول لهم الله تعالى:  لا تحسبوا هذا الأمر شراً لكم ، بل هو خيرٌ لكم، وقد يقول قائل : كيف يكون خيرا لهم وهو اتهام وقذف ورمي لعائشة رضي الله عنها؟!

- والجواب كما قال أهل العلم: إن الخير هو ما زاد نفعه على ضره ، والخير الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وأبي بكر وغيرهم هو الثواب العظيم، الذي هو ثواب الصبر على هذه المصيبة، وكونه مما يتضايق منه الإنسان ويهتم له ويبكي، وهذا أيضا فيه تكفير للسيئات ، ورفع للدرجات ، ثم ما نزل من بيان براءة عائشة رضي الله عنها بنت الصديق ]، ودفاع الله عنها ، وأنها في غاية الشرف والفضل، وهذه تزكية لأم المؤمنين عائشة أولا، ثم لبقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى لا يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم  إلا الصالحات العفيفات الكريمات.

- وقوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} أي : لكل امرئ من هذه العصبة التي تكلمت بالإفك والكذب، ما اكتسب من الإثم، أي لكل واحد منهم نصيب من الإثم والذنب بسبب كلامه، {والذي تولى كبره}  أي: الذي حمل معظمه وكان يشيعه ويذيعه منهم ، له عذاب عظيمٌ ، والمقصود بذلك عند عامة أهل التفسير : عبد الله بن أبي ابن سلول كبير المنافقين لعنه الله ، فهو الذي أشاع هذا الإفك وروّج له ، وخدع به بعض الناس ، ولذا فله عذابٌ عظيم في الدنيا والآخرة ، زيادة على غيره ، وقد توعد الله المنافقين بأنهم {في الدّركِ الأسفل من النار ولن تجدَ لهم نَصيرا}.

- قولها «عشر آيات ، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات ببراءتي» أي : أنزل الله تعالى في شأن قصتها عشر آيات فيها ببراءتها.

- قالت: «فقال أبو بكر ] - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره- : والله لا أنفق عليه شيئا بعد الذي قال في عائشة»  مسطح كما قلنا هو ابن خالة أبي بكر رضي الله عنهما، وكان ينفق عليه لقرابته وفقره، فإنه كان من فقراء المهاجرين، وبعدما أنزل الله عز وجل براءة عائشة قال أبو بكر - بعدما وقع فيها واتهمها - أنا أنفق عليه، وأحسن إليه ، وهو يقابلني بالإساءة ؟؟! والله لا انفق عليه ، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور: 22) ولا يأتل : أي لا يحلف ، كما قال عز وجل :{لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} (البقرة : 226).  يُؤْلُونَ : أي يحلفون ألا يقربوا نساءهم.

{أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ} يعني أبا بكر ]؛ لأنه كان تاجراً وكان عنده مال وسعة { أن يؤتوا أولي القربى} أي: لا يحلف أولو الفضل منكم والغنى ألا يعطوا ويتصدقوا على أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله تعالى.

- ثم قال سبحانه: {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني بسبب صدقاتكم وعطفكم عليهم، وبصفحكم عن المسيئين منهم لكم، فإنّ الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر للناس إساءتهم، يغفر الله تعالى لك إساءتك، وكما تصفح عنهم يصفح الله عنك.

- قال حبان بن موسى قال: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله سبحانه وتعالى، يعني: أعظم آية يرجو بها الإنسان ثواب الله ومغفرته وفضله.

- قولها : «فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا» أي : لما نزلت هذه الآية: {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} قال أبو بكر عفا الله عنه ذلك طلبا لمغفرة الله سبحانه، ورغبة فيما عند الله عز وجل، ولا شك أن هذا أمر فيه شدةٌ على النفس، ويحتاج إلى الصبر، كما قال الله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت : 35). وقال الله عز وجل قبلها :{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت : 34).

 فإذا أساء إليك أحد فقابل الإساءة بالإحسان؛ فإن ذلك يقلب العداوة إلى صداقة ، فأنت إذا أحسنت إلى الإنسان ملكت قلبه ، وصار أخا لك ، كما قال القائل: أحسنْ إلى الناس تَستعبدْ قُلوبهم

- فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ،  فالله عز وجل لما قال : {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} رجع أبو بكر عن يمينه وارجع النفقة التي كان ينفقها على مسطح، وقال : لا أنزعها منه أبدا.

- قالت عائشة : «وكان النبي صلى الله عليه وسلم  سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم  عن أمري : «ما علمتِ» أو «ما رأيتِ»؟ وهذا لم يذكر فيما سبق من الحديث ، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   قد سأل زينب بنت جحش وهي من أمهات المؤمنين سألها عن عائشة ما تقول فيها ؟ أو ماذا تعلم عن عائشة؟ هل علمت شيئا أو هل رأت شيئا؟ فقالت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها : «أحمي سمعي وبصري» أي: لم أسمع شيئا بأذني، ولم أر شيئا بعيني، فلذلك أصون جوارحي عنه، فلا أتكلم بشيء؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا} (الإسراء : 36) أي لا تقل: رأيتُ، وأنت لم تر، وسمعتُ، وأنت لم تسمع ، وعلمتُ، وأنت لم تعلم.

- ثم قالت : «والله ما علمت إلا خيرا» أي إنها على البراءة من ذلك فيما سبق. قولها: «وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم » أي أن زينب كانت تفاخرها وتضاهيها بجمالها ومكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو أن غيرتها وهواها غلبا دينها وورعها، لتكلمت في عائشة؛ لأن الإنسان أحيانا إذا أبغض إنسانا ربما تكلم فيه بغير حق، كما أنه إذا أحب إنسانا مدحه بغير حق ، والواجب العدل كما قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}  (الأنعام : 152).

- وقال عز وجل: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة : 8).

      فلا يحملك البغض لجماعة أو لقوم، أو لطائفة، أو لقبيلة، على ألا تقول فيهم بالعدل، بل اعدل ولو كانوا أعداءك، فهذا دين الله سبحانه وتعالى، بل ولو كانوا كفارا فقل فيهم بما تعلم من الحق؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الحق ويحب الحق ويأمر بالحق، ويكره الباطل.

 - قولها: «فعصمها الله بالورع» فزينب بنت جحش  ضرة عائشة، ومعلوم ما يكون بين الضرائر من الغيرة والكراهية، لكن حماها الله وعصمها بتقواها وورعها، من أن تقول بما قاله أهل الإفك من القذف.

- قولها : «وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها» أي إن أخت زينب وهي حمنة بنت جحش وقعت فيما قال أهل الافك؛ لأنها غارت لأختها وأخذتها الحمية فتكلمت في عائشة تعصبا لأختها ، فهلكت فيمن هلك، وحدّها النبي صلى الله عليه وسلم  حد القذف.

- يقول الزهري: «هذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط» يعني إلى هنا انتهى الحديث الذي حدثه به الرهط الذين سبق ذكرهم رحمهم الله تعالى.

      وهذا الحديث فيه فوائد ومباحث كثيرة، ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري وذكرها الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ، وذكرنا كثيرا منها ، ولعلنا نذكر ما تيسر من كلام الإمام النووي هنا مختصرا مع التعليق عليه: إحداها: جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة؛ لأن الزهري قد سمع حديث الجماعة ورواه عنهم قطعة واحدة.

- الثانية: صحة القرعة بين النساء، يعني: عند السفر وفي العتق وتقدم الكلام عليه.

- الثالثة : وجوب الاقتراع بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن.

- والرابعة: لا يجب قضاء مدة السفر للنسوة المقيمات ، أي بعد القرعة ، وهذا مجمع عليه إذا كان السفر  طويلا ، وحكم القصير حكم الطويل على المذهب الصحيح ، وخالف فيه بعض الشافعية.

- الخامسة: جواز سفر الرجل بزوجته سواء في الغزو أو في غيره.

- السادسة: جواز غزوهن، أي غزو النساء مع الرجال.

- السابعة: جواز ركوب النساء في الهوادج.

- الثامنة: جواز خدمه الرجال لهن في تلك الأسفار، بأن يحمل الرجال الهودج.

- التاسعة: ارتحال العسكر يتوقف على أمر الأمير، فهو الذي يأمر بالارتحال ويأمر بالنزول.

- العاشرة: جواز خروج المرأة لحاجة الإنسان بغير إذن الزوج . وهذا من الأمور المستثناة ، أي المرأة إذا أرادت أن تقضي حاجتها وتذهب إلى الخلاء ، لا تحتاج أن تستأذن الزوج في هذا الأمر.

- الحادية عشرة : جواز لبس النساء القلائد في السفر كالحضر.

- الثانية عشرة : أن من يُركب المرأة على البعير وغيره لا يكلمها إذا لم يكن محرما ، إلا لحاجة؛ لانهم حملوا الهودج ولم يكلموا من يظنونها فيه.

- الثالثة عشرة : فضيلة الاقتصاد في الأكل في النساء وغيرهن، وألا يكثر منه بحيث يهبله اللحم، أي يحمل اللحم الكثير بسبب كثرة الأكل.

وهذا كان حال النساء والرجال في زمن المختار [.

- الرابعة عشرة: جواز تأخر بعض الجيش ساعة، ونحوها لحاجة تعرض للجيش إذا لم يكن ضرورة في الاجتماع.

- الخامسة عشرة: إعانة الملهوف ، وعون المنقطع ، وإنقاذ الضائع ، وإكرام ذوي الأقدار ، لما فعل صفوان [ في هذا كله.

- السادسة عشرة: حسن الأدب مع الأجنبيات، ولا سيما في الخلوة بهن عند الضرورة في برية أو غيرها، كما فعل صفوان رضي الله عنه من إبراكه الجمل من غير كلام ولا سؤال، وأنه ينبغي أن يمشي أمامها ، لا بجنبها ولا وراءها؛ وذلك حتى لا ينظر إليها ويفتن بها.

- السادسة عشرة:  استحباب الإيثار للركوب ونحوه ، كما فعل صفوان.

- السابعة عشرة: استحباب الاسترجاع عند المصائب - يعني قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون - سواء كانت في الدين أو الدنيا ، وسواء كانت في نفسه أم من يعز عليه.

- الثامنة عشرة : تغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي ، سواء كان صالحا أو غيره ، فصفوان صحابي بدري من البدريين ، ومع ذلك عائشة غطت وجهها عنه؛ لأن المرأة فتنة ويخشى على الصالحين أيضا من فتنة النساء، فالرجل رجل يخاف عليه الفتنة ، وليس فتنة النساء قاصرة على غير الصالحين.

- التاسعة عشرة جواز الحلف من غير استحلاف، أي أن يحلف حتى لو لم يستحلفه الجليس، إذا كان يريد أن يؤكد كلامه.

- العشرون: يستحب أن يستر عن الإنسان ما يقال فيه، إذا لم يكن فيه فائدة ،كما كتموا عن عائشة هذا الأمر شهرا ، ولم تسمع بعد ذلك إلا بعارض عرض, وهو قول أم مسطح : تعس مسطح. فإذا سمعت ما يقال في أخيك شيئا يكرهه ، فلا تبلغه إياه ، إذا لم كان هناك فائدة ؛ لأنه يضيق الصدر ويجلب الهم والغم.

- الحادية والعشرون: استحباب ملاطفة الرجل زوجته وحسن المعاشرة؛ لأن عائشة تقول: فقدت اللطف الذي كنت أجده من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- الثانية والعشرون : أنه إذا عرض عارض يقلل من اللطف بأن سمع عنها شيئا أو نحو ذلك يقلل من اللطف ونحوه ؛ لتفطن هي أن ذلك لعارض فتسأل عن سببه فتزيله. فإذا تفطنت المرأة لضيق زوجها تسأل عن السبب الذي قلل هذا العارض، فإذا كان سببا من جهتها ، فلتبادر في إزالته.

- الثالثة والعشرون: استحباب السؤال عن المريض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم  كان دائما فيقول: «كيف تيكم؟».

- الرابعة والعشرون: يستحب للمرأة إذا أرادت الخروج لحاجة، أن يكون معها رفيقة تستأنس به ، ولئلها يتعرض لها أحد.

- الخامسة والعشرون : كراهة الإنسان لصاحبه أو قريبه إذا آذى أهل الفضل ، أو فعل غير ذلك من القبائح ، كما فعلت أم مسطح في دعائها عليه. أي أن أم مسطح دعت على ابنها عندما آذى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهذا من الحب في الله والبغض في الله عند الصحابة رضي الله عنهم.

- السادسة والعشرون: فضيلة أهل بدر والذب عنهم، كما فعلت عائشة في ذبها عن مسطح؛ فقد دافعت عنه، فقالت : أتسبين رجلا من أهل بدر؟!

- السابعة والعشرون : أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها، كما قالت عائشة للرسول عليه الصلاة والسلام:  أتأذن لي أن آتي أبوي؟

- الثامنة والعشرون: جواز التعجب بلفظ التسبيح، أي أن يقول المسلم : سبحان الله، إذا تعجب.

- التاسعة والعشرون: استحباب مشاورة الرجل بطانته وأهله وأصدقاءه فيما ينوبه من الأمور.

- الثلاثون: جواز البحث والسؤال عن الأمور المسموعة عمن له به تعلق، أما غيره فمنهيٌ عنه، وهو تجسس وفضول.

     أي شيء يخصك أنت ، يجوز لك أن تسأل عنه وتتحرى، أما ما يخص غيرك فلا تبحث عنه؛  لأنه يدخل في التجسس، أو في الفضول، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

- الحادية والثلاثون: خطبة الإمام عند نزول أمر مهم؛ إذ إن النبي [ صعد المنبر وخطب في الناس في الحادثة.

- الثانية والثلاثون: اشتكاء ولي الأمر إلى المسلمين من تعرض له بأذى في نفسه أو أهله أو غيره ، واعتذاره فيما يريد أن يؤذيه به.

      فولي أمر المسلمين إذا تعرض له بعض الناس بالأذى في عرضه وغيره، فله أن يقول للناس: هناك أناس يؤذونني بكذا وكذا ، فلا تلوموني إن عاقبتهم وآذيتهم.

- الثالثة والثلاثون: فضائل ظاهرة لصفوان ابن المعطل رضي الله عنه بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم  له بما شهد، وبفعله الجميل في إركاب عائشة وحسن أدبه في جملة القضية.

- الرابعة والثلاثون: فضيلة لسعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما.

      وذلك لما أخذتهما الحمية مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: مرنا بما تشاء إن كان منا نقتله، قالوه حبا لرسول الله [.

- الخامسة والثلاثون: المبادرة لقطع الفتن والخصومات والمنازعات، وتسكين الغضب.

- السادسة والثلاثون: قبول التوبة والحث عليها.

فالنبي صلى الله عليه وسلم   قبل توبة هؤلاء بعد الحد، وكذلك قبل أبو بكر توبة مسطح.

- السابعة والثلاثون: تفويض الكلام إلى الكبار دون الصغار لأنهم أعرف.كما جاء في كلام عائشة رضي الله عنها.

- الثامنة والثلاثون: جواز الاستشهاد بآيات القرآن العزيز، ولا خلاف أنه جائز ، فلا مانع من الاستشهاد بآية مشابهة لحالك ، للحاجة للاستدلال.

- التاسعة والثلاثون : استحباب المبادرة بتبشير من تجددت له نعمةٌ ظاهرة ، أو اندفعت عنه بلية ظاهرة.

- الأربعون : براءة عائشة من الإفك ، وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز ؛ فلو تشكك فيها إنسان - والعياذ بالله - صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين.

- يقول الإمام النووي: لو تشكك فيها إنسان - والعياذ بالله - صاركافرا مرتدا بإجماع المسلمين، فأي إنسان يشكك في براءة عائشة بعد نزول آيات القرآن  فهذا كافر مرتد بإجماع المسلمين؛ لأن الذي يشك في كلام الله يكون مكذبا له، ومشككا في صدق الله، والعياذ بالله، وهذا كله ردة عن الدين وكفر.

-  قال ابن عباس وغيره : لم تزن امرأة نبيٍ من الأنبياء عليهم السلام، وهذا إكرام من الله تعالى لهم. وقد تكون المرأة كافرة  لكن الله تعالى يكرم نبيه من أن تقع امرأته في فاحشة.

- الحادية والأربعون : تجديد شكر الله تعالى عند تجدد النّعم.

- الثانية والأربعون : فضائل لأبي بكر الصديق بقوله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ... } الآية.

- الثالثة والأربعون: استحباب صلة الأرحام وان كانوا مسيئين. كما فعل أبو بكر مع مسطح.

- الرابعة والأربعون: العفو والصفح عن المسيء.

- الخامسة والأربعون: استحباب الصدقة والإنفاق في سبيل الخيرات.

- السادسة والأربعون: أنه يستحب لمن حلف على يمين ، ورأى غيرها خيرا منها ، أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه.

- فإذا حلف شخص فقال: والله لا أعطيه شيئا ، ثم رأى المصلحة خلاف هذا، فإنه يكفّر عن يمينه ويفعل الذي هو خير ، ولا يحتج باليمين ولا يقول أنا حلفت ، كما قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ} (البقرة : 224).

- السابعة والأربعون : فضيلة زينب أم المؤمنين رضي الله عنها، لما أمسكت لسانها وحمت سمعها وبصرها.

- الثامنة والأربعون: التثبت في الشهادة.

- التاسعة والأربعون: إكرام المحبوب بمراعاة أصحابه ومن خدمه وأطاعه، كما فعلت عائشة بمراعاة حسان وإكرامه ؛ إكراما للنبي [. وذلك أن حسان بن ثابت ] ذُكر في الأحاديث والسيرة أنه هو ممن تكلم ووقع فيما قاله بعض المنافقين، لكن النبي [ أكرمه ومدحه ، فكانت عائشة تكرمه وتمدحه بعد ذلك إكراما لرسول الله وكرامته.

- الخمسون : أن الخطبة تبدأ بحمد الله تعالى، والثناء عليه بما هو أهله.

- الحادية والخمسون : أنه يستحب للخطيب أن يقول بعد الحمد والثناء والصلاة على النبي [ والشهادتين: أما بعد، وقد كثرت فيه الأحاديث الصحيحة.

- الثانية والخمسون: غضب المسلمين عند انتهاك حرمة أميرهم، واهتمامهم بدفع ذلك؛ لأنه مثل أعلى للرعية ، فإذا تجرأ الناس، وصار كل يتكلم في عرضه أو ينال منه في المجالس، فإن ذلك يضيع هيبة السلطان، ويضعف الأمر إذا صدر منه، أو يضعف الطاعة، وهذا كله خلاف ما جاء في الأحاديث النبوية.

- الثالثة والخمسون: جواز سب المتعصب لمبطل ،كما سب أسيد بن حضير سعد بن عبادة لتعصبه للمنافق، وقال: إنك منافق تجادل عن المنافقين . وأراد: أنك تفعل فعل المنافقين ، ولم يرد النفاق الحقيقي.

 هذا آخر الفوائد الذي ذكرها الإمام النووي رحمه الله تعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك