رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 يناير، 2011 0 تعليق

شرح كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري (65) وأمرهم شورى بينهم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له منهجه وطريقه، ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، ويخسر أفراده، ويضيع  كل ذلك سدى. ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.

الباب الثامن والعشرون

28 – باب قول الله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} ( الشورى: 38)، {وشاورهم في الأمر} (آل عمران: 159).

    وإن المشاورة قبل العزم والتّبين، لقوله: {فإذا عزمت فتوكل على الله} (آل عمران: 159). فإذا عزم الرسول[ لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله.

     وشاورَ النبي[ أصحابه يوم أُحد في المقام والخروج فرأوا له الخروجَ، فلما لبس لأمته وعَزَم قالوا: أقم، فلم يَمل إليهم بعد العزم، وقال: «لا ينبغي لنبيّ يلبس لأمته فيضعها، حتى يحكم الله». وشاور علياً وأسامة فيما رمى به أهلُ الإفك عائشة، فسمع منهما حتى نزل القرآنُ، فجلد الرّامين ولم يلتفت إلى تنازعهم، ولكن حكم بما أمره الله.

     وكانت الأئمة بعد النبي[ يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وَضَح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره، إقتداء بالنبي[، ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة، فقال عمر: كيف تقاتل وقد قال رسول الله[: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله الله ، فإذا قالوا: لا إله إلا الله ، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله». فقال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرّق بين ما جمع رسول الله[، ثم تابعه بعد عمر ، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة، إذ كان عنده حكم رسول الله[ في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وأرادوا تبديلَ الدين وأحكامه ، وقال النبي[: «من بدل دينه فاقتلوه». وكان القراء أصحاب مشورة عمر ُكهولا كانوا أو شبانا، وكان وقّافا عند كتاب الله عز وجل.

     هذا كله من كلام الإمام البخاري، ثم قال: الحديث الأول: 7369 – حدثنا الأويسيُّ: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب: حدثني عروة، وابنُ المسيب، وعلقمة بن وقاص وعبيدالله، عن عائشة - رضي الله عنها - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، قالت : ودعا رسول الله[ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - حين استلبث الوحي ، يسألهما وهو يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة: فأشار بالذي يعلم من براءة أهله، وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فقال: «هل رأيتِ من شيءٍ يريبك؟». قالت: ما رأيتُ أمراً أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجنُ فتأكله، فقام على المنبر فقال: «يا معشر المسلمين، مَن يعذرني من رجلٍ بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا». فذكر براءة عائشة .

وقال أبو أسامة، عن هشام. (طرفه في: 2593).

الحديث الثاني: 7370 ٍ– حدثني محمد بن حرب: حدثنا يحي بن أبي زكريا الغسانيّ، عن هشام، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله[ خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «ما تشيرون عليّ في قوم يسبون أهلي، ما علمتُ عليهم من سوء قط».

     وعن عروة قال: لما أُخبرت عائشة بالأمر قالت: يا رسول الله، أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها، وأرسل معها الغلام، وقال رجل من الأنصار: سبحانك، ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. (طرفه في: 2593).

الشرح : الباب الثامن والعشرون وهو الباب الأخير من هذا الكتاب الجليل، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري رحمه الله، هو في الشورى، فقال: باب قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38)، وقوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: 159)، فابتدأه بهاتين الآيتين من كتاب الله تبارك وتعالى، ففي الآية الأولى من سورة الشورى: يخبر الله سبحانه وتعالى فيها أن من خصال المؤمنين، وصفات الصالحين، أن أمرهم شورى بينهم، أي: أنهم يتشاورون فيما بينهم في الأمور المهمة، التي تحتاج لمشاورة ونظر ، لما للشورى من فوائد، ومصالح دينية ودنيوية عامة وخاصة.

أما الآية الثانية: فهي من سورة آل عمران {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إن الله يحب المتوكلين} (آل عمران: 159).

     وقد أمر الله تعالى فيها نبيه[ أن يشاور أصحابه، فكان يقول لهم: أشيروا عليّ أيها الناس، وهو أعلم الأمة بكتاب الله وأتقاها، فما بالك بغيره من الناس ؟! وهذا مما يدل على وجوبها ، والحث على العمل بها ، وأنها عبادة يؤجر عليها المسلمون .

     وللشورى فوائد جمة ، فمن فوائدها: تنوير الأفكار، وسعة الأفق، بما يحصل لك من التنبيه إلى ما يغيب عنك من الأدلة والنصوص الشرعية، وما يغيب عنك أيضا من وجوه الأمر الواقع، التي شهدها غيرك، لذلك لا يكاد المتشاورون من أهل العلم والفضل يخطأون، بل يكمل بعضهم بعضا بالتشاور ويبتعدون عن الخطأ.

     وقد روى البخاري في الأدب المفرد في هذا: عن الحسن قال: ما تشاور قوم قط بينهم، إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم.

أي : بيّن الله تعالى لهم أرشد أمرهم، وأنفعه وأصلحه.

      ومن فوائدها: تطييب النفوس والخواطر، فإن الإنسان إذا استشير، وعلم أنه يسمع له ويؤخذ برأيه، طابت نفسه ورضي، حتى ولو لم يؤخذ برأيه، فإنه ينقاد بعد ذلك للجماعة وهو راض، وجاء في حديث عن أبي هريرة عند الترمذي ورجاله ثقات، أنه قال: «ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من النبي[ وفيه انقطاع.

     والمشاورة كما نبه البخاري إنما تكون: قبل العزم والتبيين، لأن الله تعالى يقول لنبيه[: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (آل عمران: 159).

     فإذا عزم النبي[ على الأمر، وتوكّل على الله وحوله وقوته بعد المشورة، لم يكن لبشر أن يتقدم على الله ورسوله، بل يمضي عزمه، ولا يرجع. والمشاورة إنما تكون في الأمور التي لا حكم فيها للشرع صريحا، أو لا دليل فيها من الكتاب ولا السنة أصلا، أي: هي محل للاجتهاد والنظر والبحث، وكذا في كيفية العمل بالنص وتطبيقه واقعا. وكذا في أمور الدنيا وأنظمتها، وفي الحرب والسلم والمعاهدات وما أشبه ذلك.

     وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} قال: في بعض الأمر . وهذا صواب، لأن المشاورة إنما تكون فيما لا نص فيه، وأما الأحكام الشرعية الواضحة أو فيما فيه نص فلا مشاورة، وهذا مما هو معلوم عند أهل الإسلام، لأن الله تبارك وتعالى أمر بطاعته وطاعة رسوله[، وحرم التقدم بين يدي الله ورسوله فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} ( الحجرات: 1).

     ولذا فالمشاورة المأمور بها شرعا عند المسلمين، ليست كالمشاورة عند الكفرة المجرمين الذين يتشاورون فيما بينهم في كل شيء، ولو في أمر قد سبق فيه لله عز وجل حكم وقضاء، أو لرسوله[، أمرا أو نهيا، فهم إذا اجتمعوا وصوتوا على إباحة ما حرم الله استباحوه! فمن ذلك: أنهم يتشاورون على إباحة اللواط، أو إباحة السحاق، أو إباحة الزواج المثلي، وهو أن يتزوج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فإذا قالت الأكثرية بإباحة ذلك أباحوه! ويتشاورون على إباحة الإجهاض وقتا الأجنة للفاجرة من النساء، فإذا كان قول الأكثرية على إجازة ذلك أجازوه! وهكذا في سلسلة من القبائح والفواحش مما تأباه الفطر السليمة، والعقول الصحيحة، والتي نسمعها عنهم ونقرأها في وسائل الإعلام المختلفة، وللأسف الشديد!!

     فهذا ليس دين الله تعالى، ولا منهج ولا عمل أمة الإسلام الصالحة المباركة، والتي هداها الله تبارك وتعالى بأعظم كتاب سماوي، وأرسل إليهم أعظم رسول عرفته البشرية[

     ثم ذكر الإمام البخاري تعليقا – وقد رواه في المغازي موصولاً -  مثالا لمشاورة النبي[ لأصحابه، وذلك قبل الخروج لغزوة أحد، هل يبقى في المدينة أم يخرج إلى عدوه لقتالهم؟ وكان رأي النبي[ أن يبقى في المدينة، فإن المدينة حصنٌ ودرع لأهلها، لكن كان هناك فتية وشباب فاتهم يوم وقعة بدر، فكانوا متشوقين للقتال، لنيل الفضل والأجر، فأشاروا على النبي[ بالخروج لمقاتلة الأعداء، فلما رأى النبي[ ميل أصحابه إلى ذلك، قال: نعم ، فدخل بيته، ولبس لأمته، يعني: لبس عدة الحرب من درعٍ ومغفر على رأسه، واستعد للقتال، فلما خرج إليهم بعد أن لبسها، ندموا فقالوا: يا رسول الله، أقم. أي: لنترك الخروج ونقيم! فالرأي رأيك، فقال[: «ما ينبغي لنبيٍ أن يضع لأمته بعد أن لبسها، حتى يحكم الله بينه وبين عدوه».

وورد في الصحيح: أن النبي[ كان قد رأى رؤيا، ورأى فيها أنه في درع حصينة، وقال: ورأيت بقرا تُنحر، فأولّت الدرع الحصينة المدينة ، والبقر التي تنحر أصحابي الذين قتلوا يوم أح « وهذا نوع من مشاورة النبي[ وأصحابه.

     ثم ذكر البخاري مثالا آخر وحادثة أخرى في مشاورة النبي[  لأصحابه : وهي عندما رمى أهل الإفك أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة - رضي الله عنها- رموها بما رموها به من الإفك والكذب والبهتان، وجرى كلامهم على ألسنة بعض المؤمنين والمؤمنات، فخاضوا فيما خاض فيه أهل الإفك، فالنبي[ شاور فيها عليا وشاور حبه أسامة بن زيد -رضي الله عنهما - وذلك قبل أن ينزل الوحي ببراءة عائشة -رضي الله عنها- لذلك استشارهما في شأن عائشة -رضي الله عنها- فسأل عليا وأسامة عن الأمر، فأما علي فقال له: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك.

     يقول علي -رضي الله عنه: إذا ضاق بك الأمر فالنساء سواها كثير، يعني فارقها، إشارة إلى طلاقها، وكانت عائشة بعد ذلك تكره هذه الكلمة من علي -رضي الله عنه .

     لكن عليا -رضي الله عنه - ومعلوم صدقه وتقواه ودينه، وحبه لنبيه[، إنما أراد أن يرفع عن النبي[ الحرج والهم والكرب الذي كان فيه، ثم أرشده أن يسأل جاريتها لقربها منها، ومعرفتها بحالها، لأنها كانت تدخل بيت النبي[ وتطلع على أحوال عائشة وهي «بريرة»  فقال لها[: «هل رأيت من شيء يريبك؟ « يعني: هل رأيت شيئا فيه ريبة أو شك، أوخلاف الدين والتقوى من أمر عائشة؟ فقالت: ما رأيت منها أمرا أكرهه، أكثر من أنها جارية حديثة السن صغيرة كانت تنام عن العجين» أي: أنها تعجن العجين، ثم يغلبها النوم، فتأتي الداجن- والداجن يعني الشاة - التي تكون في البيت وغيرها، فتأكل هذا العجين، أي: هذا هو العيب الذي رأته بريرة عليها. وأما أسامة رضي الله عنه فقال: إننا لا نعلم من أهلك إلا خيرا.

     فعمل النبي[ بقول أسامة ومشورته، ولم يفارق عائشة -رضي الله عنها- ثم قام النبي[ على المنبر واستعذر المسلمين، وقال: «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي» يقصد بذلك عبدالله بن أُبي سلول كبير المنافقين الذي كان يشيع هذا الخبر بين الناس، بل هو {الذي تولى كبره} كما قال الله تبارك وتعالى، وتوعده ربه جل وعلا بالعذاب الأليم، ثم قال[: «والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، فذكر براءة عائشة -رضي الله عنها- وأرضاها».

     ثم بعد نزل القرآن الكريم ببراءة عائشة الصديقة، فجلد النبي[ من رمى عائشة بالإفك، ولم يلتفت إلى تنازع أصحابه السابق ومشورتهم، ولم يلتفت إلى ما قاله علي أو أسامة أو ما قالته الجارية، وإنما حكم في المسألة بما حكم الله سبحانه وتعالى به في كتابه، ومضى لحكم الله ولم يشاور فيه أحد، وهذا دليل على أن المشورة تسقط إذا وجد النص، أو  وجد الدليل.

     وروى أحمد وأصحاب السنن: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما نزلت براءتي قام رسول الله على المنبر، فدعا بهم وحدّهم.

وفي لفظ: فأمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم .

     وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى أيضا: «وكانت الأئمة يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة، ليأخذوا بأسهلها» يعني: إذا لم يكن فيها نص، كانوا يتشاورون فيما بينهم ، ويستشيرون الأمناء، أي: أهل الأمانة والعلم والتقوى، وهذا يعني أنه ليس كل أحد يستشار، ويتخذ مستشارا وهو ليس بأهل لذلك، وإنما يستشار الأمين، وهو المؤتمن الذي أئتمنه الناس على دينهم ودنياهم، وأما غير المؤتمن فإنه لا يستشار ولا يلتفت إلى قوله ولا إلى رأيه.

     وأما قوله « ليأخذوا بأسهلها» أي بأسهل الأمور ، لأن التسهيل من دين الله تعالى ، قال سبحانه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة. وكذا الأمر بالتسهيل والتيسير، والنهي عن التشديد، مأمور به في سنة رسوله[ إذ يقول: «يسروا ولا تعسروا» متفق عليه.

وما خير رسول الله[ بين أمرين، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما.

قوله: «فإذا وضح الكتاب والسنة لم يتعدوه»

     وقد ورد من استشارة الخلفاء الراشدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثرة منها: ما ذكره البخاري هاهنا من مشاورة أبي بكر -رضي الله عنه- الصحابة في قتال أهل الردة، فأخرج البيهقي بسند صحيح : عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنة رسول الله[ قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلمائهم واستشارهم، وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك.

     وتقدم معنا قبل حديث: وكان القراء أصحاب مجلس عمر -رضي الله عنه- يعني بالقراء: حفظة كتاب الله تعالى والعالمون به ، العارفون بأحكامه، فهؤلاء هم أصحاب الشورى في مجلس عمر. وأما مشاورة عمر للصحابة فالأخبار فيها كثيرة، منها: مشاورة عمر -رضي الله عنه- للصحابة في حدّ شارب الخمر، وهي مذكورة في كتاب «الحدود» من صحيح البخاري.

     ومشاورة عمر في إملاص المرأة، يعني إذا ضربت  وهي حامل فأملصت، يعني: أجهضت، ماذا تكون دية الجنين. وكذا مشاورة عمر الصحابة لقتال الفرس، وهي مذكورة في كتاب الجهاد من الصحيح.

     ومشاورة عمر للمهاجرين والأنصار لما أراد دخول الشام ، فبلغه وقوع الطاعون بها فتردد بالدخول، وحدثه بعد ذلك عبدالرحمن بن عوف، أن النبي[ منع من الدخول عليه فرجع ولم يدخل. وروى ابن سعد في الطبقات: عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن، يعني: علي ابن أبي طالب. وغير ذلك كثير . فالصحابة رضي الله عنهم أئمتهم وخلفاؤهم كانوا من أكثر الناس مشاورة.

     وذكر البخاري أخيرا: مشاورة الصديق أبي بكر رضي الله عنه الصحابة في قتال مانعي الزكاة، وأنه أخذ بحكم رسول الله[ وهو أنه كان قد قال: «من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة فهذا قد عصم دمه وماله»، وأما من نقص شيئا من ذلك، وأراد التفرقة بين الصلاة والزكاة، وترك بعض أحكام الدين، فإن هذا يكون قد بدل دينه، وقد قال[: «من بدل دينه فقاتلوه» فلم يلتفت إلى قول عمر وقد ثبت لديه الحكم بالنص، وتبين لعمر بعد ذلك صواب اختيار الصديق وقوله.

وهذا خاتمة كتاب الإعتصام من الصحيح، ختم الله لنا جميعا بخير، وقد ورد فيه من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها مائة وسبعة وعشرون حديثا، عدا الآثار.

نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما قرأنا وبما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علما، إنه هو العليم الحكيم، وهو سبحانه وتعالى الهادي إلى الصواب، لا شريك له.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك