رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 نوفمبر، 2010 0 تعليق

شرح كتاب « الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري (13)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله.

ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له  منهجه وطريقه ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، وتخسر أفراده، ويضيع سدى.

ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.

• الحديث العاشر:

قال البخاري : 7286 – حدثني إسماعيل: حدثني ابن وهب, عن يونس, عن ابن شهاب حدثني عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة: أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر, فنزل على بن أخيه الحر بن قيس بن حصن وكان من النفر الذين يدنيهم عمر, وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته , كهولا كانوا أو شبانا, فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال سأستأذن لك عليه , قال ابن عباس فاستأذن لعيينة, فلما دخل قال: يا ابن الخطاب, والله ما تعطينا الجزل وما تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم بأن يقع به, فقال الحر: يا أمير المؤمنين, إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله ليه وسلم: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» وإن هذا من الجاهلين , فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه, كان وقافا عند كتاب الله (طرفة في: 4642) .

الشرح:

الحديث العاشر في هذا الباب حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ترجمان القرآن، والذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم كما مر معنا بقوله: «اللهم علمه الكتاب».

يروي البخاري رحمه الله الحديث عن طريق شيخه إسماعيل وهو بن أبي أويس الأصبحي المدني, واسم أبي أويس: عبد الله، وإسماعيل بن أبي أويس , هو ابن أخت الإمام مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة, قال: حدثني ابن وهب وهو عبد الله بن وهب المصري ثقة إمام من أئمة أهل الحديث, وله تصانيف في الحديث, منها الجامع في الحديث «جامع ابن وهب» طبع أخيرا .

 قال: عن يونس وهو ابن يزيد الأيلي, قال عن ابن شهاب وهو الزهري قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وهو ابن مسعود التابعي في الحديث السابق, أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وهو الفزاري, أسلم عام الفتح وأعطاه النبي [ من سهم المؤلفة قلوبهم, وكان مشهورا في الجاهلية بالشجاعة والجفاء , ولما مات النبي [ ارتد عيينة وافق طليحة الأسدي في ادعائه النبوة، فلما غلب المسلمون قوم طليحة في قتال المرتدين، فرّ طليحة، وأسر عيينة بن حصن فيمن أسر، فأتى به إلى أبي بكر فاستتابه، فتاب ورجع إلى الإسلام.

وفي الحديث هاهنا: أن عيينة بن حصن قدم المدينة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس بن حصن الفزاري، والحر بن قيس مذكور في الصحابة، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه، أي: كان من الطائفة التي كان يقرّبها عمر، وكان عمر يدني القراء, كما في قوله: «وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا» والقراء: هم العلماء والحفاظ والعباد, وكان العلماء هم أصحاب مجلس عمر, فانظر إلى من كان يجلس عمر رضي الله عنه إليه، كان يجلس إلى العلماء وحفاظ القرآن والحديث, هؤلاء هم أصحاب مشورته سواء كان هؤلاء العلماء شبانا أو كانوا شيوخا وكهولا, فإن العلم قد يؤتاه الشيخ الكبير في السن, وقد يؤتاه الصغير في السن أحيانا بمثابرته وقوة طلبه، وقوة حافظته وعزيمته.

وهذا يفيد أن الحر بن قيس كان من القراء، لأن ابن عباس يقول: وكان من النفر الذين يدنيهم عمر, ومن الذي يدنيه عمر؟ كان يدني القراء  فهذا يشعر أن الحر كان منهم.

قوله: «فقال عيينة لابن أخيه - يعني الحر - قال يا ابن أخي: هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه» يعني هل لك موضع عناية عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه, أي: تدخلني عليه في خلوته, لأن عمر لم يكن يحتجب عن الرعية إلا وقت راحته وخلوته , فأراد عيينة أن يدخل على عمر بن الخطاب في وقت خلوته, ولاحظ أن عيينة قال تستأذن لي على هذا الأمير! ولم يقل على أمير المؤمنين, وهذا من جفائه وجهله, فقال الحر عند ذلك: سأستأذن لك عليه، أي: سأطلب لك موعدا تدخل عليه في خلوته.

قوله: «فاستأذن لعيينة فلما دخل قال يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل, ما تعطينا الجزل: يعنى ما تعطينا العطاء العظيم الكثير. «ولا تحكم فينا بالعدل!!», فلم يقل له أولا: يا أمير المؤمنين، ثم خاطبه بهذه المخاطبة التي لا تليق بمقام عمر رضي الله عنه ولا بعدله, ولا بفضله ولا بمكانته من الإسلام والمسلمين.

قوله: «فغضب عمر حتى هم أن يقع به» يعنى أن يضربه. وفي رواية  «حتى هم أن يوقع به» يعني: يأمر من يضربه, وهذا الضرب تعزير من أجل التأديب، لأنه أساء الأدب إلى أمير المؤمنين, وقال له مالا ينبغي, ويجوز له أن يؤدبه لأنه بمنزلة الوالد للمسلمين, والوالد له أن يؤدب أبناءه إذا أساؤوا الأدب معه بالقول أو بالفعل.

قوله: فقال الحر يا أمير المؤمنين: إن الله قال لنبيه : {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وإن هذا من الجاهلين».

ذَّكر الحر بن قيس رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذه الآية الكريمة من آخر سورة الأعراف، والتي يقول الله تعالى فيها لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف: 199), أي: يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الجامعة لحسن الخلق، بأن يأخذ العفو من أخلاق الناس, يعني: أن يأخذ منهم ما سهل تناوله من أخلاقهم, وسمحت به نفوسهم، فلا تكلفهم فوق طاقتهم .

فالإنسان إذا أخذ العفو ومن أخلاق الناس العفو، فلم يكلفهم مالا يطيقون ، لم ينفروا عنه , لكن إذا كنت تكلف صديقك وصاحبك وزميلك شيئا لا يطيقه، وتطلب منه ما لا يقدر عليه، فإنه سينقطع عنك وينفر, وهذا كقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «يسروا ولا تعسروا». وقوله: [: «إني بعثت معلما وميسرا ، ولم أبعث معنتا ولا متعنتا».

وقوله: {وأمر بالعرف} أي: بكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال والأخلاق.

قوله: {وأعرض عن الجاهلين} وهذه أيضا من صفات أهل الإيمان، إنهم يعرضون عن أهل الجهل وأهل السفه، كما قال الله تعالى في آيات في كتابه يصف فيها عباده عباد الرحمن, يقول عز وجل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان : 63), وقال سبحانه وتعالى أيضا: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}(القصص : 55) .

خذ العفو وأمر بالعرف: يعني أؤمر بالمعروف, العرف هو المعروف والمعروف كل ما مدحه الشرع ومدح فاعله ومدح صاحبه فهو معروف, وأعظم المعروف هو توحيد الله تعالى, ثم أركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين, فالله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بمكارم الأخلاق , وأمته مأمورة بما أمر الله به نبيها [ ، من حسن المعاشرة مع الناس، والإحسان إليهم ومداراتهم والإغضاء عن هفواتهم وزلاتهم .

قوله: «قال فوالله ما جاوزها - يعني عمر رضي الله عنه لما سمع هذه الآية ما جاوزها – «وهذا من كلام بن عباس إذ يقول: وكان وقافا عند كتاب الله , فعمر رضي الله عنه لما ذكر بهذه الآية ما جاوزها، يعني ما عمل بغير ما دلت عليه بل لما ذُكر بالله فتذكر، وهذه حال المؤمن الذي يؤمن بكتاب الله تعالى ويتبع رسوله [ أنه إذا ذُكر تذكر وإذا نبه تنبه, فلا يعاند ولا يصر؛ لأن هذا خلاف صفة أهل الإيمان ، فإنهم وقافون عند كتاب الله متبعون كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور: 51). ويقول عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36).

هذه حال أهل الإيمان , أما حال أهل النفاق فالله تعالى يقول عن المنافقين: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} (النور: 48) «هذا حال أهل النفاق إذا دعوا إلى الله وإلى كتاب الله وسنة رسوله وكلامه: {إذا فريق منهم معرضون} أما المؤمن فإنه وقاف عند كتاب الله لا يتجاوزه .

ومصيبة المسلمين اليوم أنهم يقرؤون ويعلمون، ولكنهم لا يعملون؟! إلا من رحم الله.

 وقال العلماء والدعاة: مصيبة المسلمين اليوم من أمرين اثنين:

الأمر الأول : الجهل : فهناك قسم كبير من الأمة جاهل لا يعلم أمر الله تعالى ونهيه ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم  ونهيه ، فهو جاهل يعيش في عماية , هذا حال كثير من المسلمين اليوم .

 والأمر الثاني : أن كثيرا من المسلمين اليوم يعلمون ولا يعملون , يعلم أن الله حرم عليه الربا , ولكنه يأكل الربا ويقترض ويتبايع بالربا.

فالمرأة تعلم مثلا أن الله أوجب عليها الحجاب, لكنها لا تلتزم بالحجاب, الرجل يعلم أن الله حرم الغش والربا ولكنه يغش ويتعامل بالربا، وهكذا, فالدين ضائع بين جهل طائفة، وعصيان طائفة أخرى، ومن يعلم أشد ذنبا ممن لا يعلم، إذ فيه شبه من قول أهل الكتاب سمعنا وعصينا؟!

 فعمر رضي الله عنه وصفه ابن عباس بأنه كان وقافا عند كتاب الله تعالى, لا يمكن أن يتجاوز الآية إذا تليت عليه أو يتجاوز الحديث إذا ذكر به, وهذه والله هي خصلة أهل الإيمان المعتصمين بنصوص الكتاب والسنة التي مدح الله تعالى بها عباده المؤمنين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك