رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 5 أغسطس، 2010 0 تعليق

شرح كتاب “الاعتصام بالكتاب والسنة” من صحيح الإمام البخاري (1)

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه  ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى،  وأحسن الهدي هدي محمد[، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

 

فلا يخفى على الجميع ما من الله سبحانه وتعالى به على هذه الأمة المباركة من اليقظة والصحوة بعد الغفلة، والتوجه نحو دين الله سبحانه وتعالى من الذكور والإناث، وهي يقظة شاملة - بحمد الله سبحانه وفضله -كل البلاد العربية والإسلامية على اختلافها وتباعدها، وتنوع أجناسها ولغاتها.

 ولاشك أن هذه اليقظة والرجوع إلى الدين، تحتاج إلى الضوابط والقواعد الشرعية، التي تجعل من هذا الرجوع، ومن هذه اليقظة: يقظة صحيحة أولا, ونافعة ثانيا, ومباركة ثالثا, ومؤيدة بنصر الله سبحانه وتعالى رابعا, وإذا فقدت الصحوة أو فقدت اليقظة الإسلامية بتعبير أصح وأدق، الضوابط التي تضبط لها منهجها وطريقها ورجوعها إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإنها ستخسر جهدها ووقتها، وتخسر أبناءها، وتضيع سدى.

ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: "الاعتصام بالكتاب والسنة" من صحيح الإمام البخاري.

ومن خلال شرحنا لهذا الكتاب (1) ، الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به جميعا، سنتعرف على كثير من الضوابط التي تضبط لنا رجوعنا إلى الله تعالى، وتضبط لنا منهجنا، وتبين لنا الطريق الذي يجب أن يسلكه المسلم عموما، والداعية خصوصا في رجوعه إلى الله تعالى، وفي سعيه لإرجاع أمته إلى الله سبحانه وتعالى وإلى دينها الحق, والله سبحانه وتعالى، إنما كتب التأييد والنصر لعباده المؤمنين العالمين العاملين، وأما دون ذلك فلا يكون الإنسان مؤيدا من عند الله عز وجل، وإن تحقق على يده بعض النصر المؤقت أو بعض المصالح، فإن مجرد وجود المنفعة والمصلحة، لا يجعل الأمر مشروعا أو جائزا، كما هو معلوم.

 وقد اخترنا كتاب: "الاعتصام بالكتاب والسنة" من صحيح الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث.

1 – وقد شرح هذا الكتاب في الدورة العلمية التي أقيمت بجمعية إحياء التراث الإسلامي فرع ضاحية صباح الناصر سنة 1427 هـ، والإمام الحافظ - بل جبل الحفظ - كما يصفه الحافظ ابن حجر في التقريب، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، الذي وفقه الله عز وجل وأعانه، لوضع أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، وهو "صحيحه" المعروف باسمه، فذكر فيه أصح ما ثبت لديه من الأحاديث النبوية والسنن، ومعها فقهه الواسع، وعلمه الغزير بالأحاديث، والذي بثه في تراجمها ، كما هو معلوم من طريقته في كتابه عند أهل الحديث.

وهذا الكتاب - أعني صحيح البخاري- قد انبرى لشرحه كثير من الأئمة والحفاظ، من أشهرهم وأوسعهم كتاب الإمام الحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلاني، الذي يوصف بأنه خاتمة الحفاظ، وهو صاحب الشرح المشهور: بفتح الباري، حتى قال الإمام الشوكاني في مدح كتابة: "لا هجرة بعد الفتح" لعظمة هذا الكتاب وسعته وبيانه, وسماه بعض المعاصرين: بقاموس السنة، لما فيه من جمع للأحاديث النبوية واستقصاء طرقها وأسانيدها؛ فإن الإمام الحافظ ابن حجر شرح هذا الكتاب في ستة عشر سنة، وحشد فيه الطرق والأحاديث من السنن والمسانيد والمعاجم والأجزاء الحديثية وغيرها، مما لا تجد له مثيلا.

وقد اختصر كتاب الحافظ ابن حجر (الفتح) حافظ الهند وعلامته: صديق حسن خان في كتابه "عون الباري", وذلك في خمسة مجلدات كبار.

كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة:

بدأ الإمام البخاري رحمه الله "كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة" بخمسة أحاديث, ومن عادته أن يكتب البسملة في أول الكتاب, فإن كتابه مقسم على كتب، والكتب مقسمة على أبواب , والبسملة -كما هو معلوم - يؤتى بها تبركا وتيمنا، وتشبها بكتاب الله سبحانه وتعالى، الذي يبدأ فيه القارئ بالبسملة.

 والاعتصام طلب لعصمة، وهي مأخوذة من قول الله سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (آل عمران: 103) الآية، فقال أهل العلم: إن الإمام البخاري قد انتزع هذه التسمية في هذا الكتاب من الآية الكريمة.

والكتاب: هو القرآن, هذا هو العرف الشرعي، وهو المنزل على محمد[ بواسطة جبريل عليه السلام، والمتعبد بتلاوته.

والسنة في اللغة: هي الطريقة والهدي.

وأما في الشرع فهي: ما جاء عن النبي[ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلْقية أو خُلقية، هذا عند الأصوليين والمحدثين.

وأما عند الفقهاء؛ فإنهم يريدون بالسنة ما يوافق المستحب، ويرادف كلمة المستحب والمندوب، فيقولون: هذا العمل سنة, وهذا واجب.

والاعتصام بالكتاب والسنة يعني: الالتجاء إليهما؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد عصم كتابه عن الخطأ والزلل، كما قال الله سبحانه وتعالى عنه: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (فصلت: 42). قال الإمام ابن بطال - وهو من فقهاء المالكية: "لا عصمة لأحد إلا في كتاب الله أو في سنة رسول الله[، أو في إجماع العلماء على معنى أحدهما".

يعني: لا عصمة لأحد بعد رسول الله[، إلا في كتاب الله أو في سنة رسوله[؛ فالكتاب معصوم عن الخطأ والزلل, والسنة كذلك معصومة؛ لأنها وحي من عند الله كالقرآن، فالرسول[ لا يتكلم من عند نفسه، بل كما قال الله عز وجل مزكيا منطقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 4-3).

وقوله: "أو في إجماع العلماء على معنى أحدهما" أي: إذا أجمع العلماء وأولهم صحابة رسول الله[ على معنى آية أو على معنى حديث، فإن هذا الإجماع معصوم عن الزلل والخطأ، لقول الرسول[: «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة». وفي لفظ: «أبى الله أن يجمع الأمة على ضلالة». رواه الترمذي وابن أبي عاصم في السنة والطبراني وغيرهم، من عدة طرق يقوي بعضها بعضا.

وبهذا نعلم أن الأمة ليست بحاجة إلى أفراد معصومين! كما ادعت الإمامية في أئمتها أنهم معصومون عن الخطأ! وأنه لا يصح أن يكون الإمام العام إلا معصوما! ولا يكون القائد إلا معصوما!

فالأمة لا تحتاج إلى إمام معصوم ؛ لأن عندها كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما محفوظان ومعصومان عن الخطأ، وبهما يعرف الخطأ من الصواب, وهما الميزان اللذان توزن بهما الأعمال والأحوال، والرجال والطوائف، فإذا أردت أن تعرف هل هذا العمل صحيح أو خطأ؟ حق أو باطل؟ فاعرضه على الكتاب أو على السنة أو على عمل السلف على معنى آية أو حديث، تعرف حاله .

وقول الله سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ } (آل عمران: 103) جاء بعد قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران 102 - 103 ) فالله تعالى قد أمر بالتقوى - حق التقوى - في الآية التي قبلها, وهي كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:  أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

ثم بين الطريق إلى التقوى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } (آل عمران: 103), إذن، إذا أردنا أن نتقي الله عز وجل حق التقوى؛ فعلينا أن نعتصم بحبل الله، وحبل الله، قال المفسرون هو: كتاب الله, وقال آخرون: هو الإسلام, ولا تضاد بين المعنيين؛ لأن الإسلام كتابه القرآن والسنة.

وتأمل كيف أن الله سبحانه وتعالى سمى كتابه "حبلا" لأن الحبل في الأصل ما يصل بين الشيئين, فكتاب الله عز وجل واصل بين الله وبين عباده, والحبل كذلك ما يصل به الإنسان إلى الأماكن العالية, إذا أراد أن يرتقي أخذ بالحبل وصعد, فمن أخذ بالقرآن ارتفعت منزلته، وعلا قدره عند الخلق، وحصلت له الرفعة في الدنيا والآخرة كما قال[: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين"(صحيح مسلم).

وأيضا الحبل يحصل به النجاة، فإذا سقط إنسان في حفرة أو في بئر دلينا له بحبل فأنقذناه به من الهلكة, فكذلك الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة من الهلكة، وهذه استعارة بديعة كما قال العلماء، تدل على هذه المعاني العظيمة الجليلة.

وأورد بعد ذلك الإمام البخاري رحمه الله تعالى في الباب الأول خمسة أحاديث، نبدأ بأولها إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة.

والله تعالى أعلى وأعلم، ومنه نستمد العون في القول والعمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك