رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 25 أغسطس، 2010 0 تعليق

شرح كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري (51)قنـوت النبـي صلى الله عليه وسلم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له منهجه وطريقه، ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، ويخسر أفراده، ويضيع  كل ذلك سدى. ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.

الباب السابع عشر:

17 - باب قول الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران: 128).

قال الإمام البخاري رحمه الله:

7346 – حدثنا أحمد بن محمد: أخبرنا عبدالله: أخبرنا معمرٌ، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنه سمع النبي [ يقول في صلاة الفجر - ورفع رأسه من الركوع - قال: «اللهم ربنا ولك الحمد - في الأخيرة - ثم قال: «اللهم العن فلانا وفلانا»، فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (طرفه في 4559).

الشرح

     الباب السابع عشر باب قول الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران: 128)، وروى فيه البخاري الحديث عن شيخه أحمد بن محمد وهو ابن موسى أبو العباس السمسار، ثقة حافظ. قال: أخبرنا عبدالله، وهو ابن المبارك المروزي، الإمام الثقة الثبت الفقيه العالم الجواد المجاهد. قال: أخبرنا معمر، وهو ابن راشد الصنعاني، عن الزهري وقد تقدما، عن سالم، وهو ابن عبدالله بن عمر بن الخطاب رحمه الله، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ثقة عابد، كان يشبّه بأبيه في الهدي والسمت.

      عن أبيه وهو ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع النبي [ يقول في صلاة الفجر، ورفع رأسه من الركوع، قال: «اللهم ربنا ولك الحمد»، فكان [ يقول بعد رفعه من الركوع: اللهم ربنا ولك الحمد، وهي إحدى صيغ التحميد بعد الرفع من الركوع، وورد أيضا عنه: اللهم ربنا لك الحمد، وورد أيضا دون قوله: اللهم، فيقول: «ربنا ولك الحمد»، وورد «ربنا لك الحمد» بدون حرف الواو.

قوله « في الأخيرة « يعني: في الركعة الأخيرة. وهو موضع القنوت في النوازل والوتر.

 قوله: ثم قال: «اللهم العن فلانا وفلانا « وهذا كان بعدما جرى ما جرى يوم أُحد من مصائب على النبي [ وصحبه رضوان الله عليهم ما رفع الله تعالى به درجاتهم، وكفر به من سيئاتهم، فالنبي [ شُج رأسه وكُسرت رباعيته، فقال: «كيف يفلح قومٌ شجوا نبيهم؟!».

وجعل [ يدعو على رؤساء المشركين مثل: أبي سفيان قبل أن يسلم، وصفوان بن أمية، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، فكان يذكرهم بأسمائهم، ويلعنهم في صلاته، فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله [ نهيا عن الدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله، وهو قوله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ < وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}  (آل عمران: 128-129).

والقنوت الذي في الحديث هو قنوت النوازل، ويكون بعد الرفع من الركوع، لا قبل الرفع من الركوع، من الركعة الأخيرة، وأما قنوت الوتر فيكون قبل الركوع وبعده، كما في الأحاديث الصحيحة.

وأما كونه في صلاة الصبح، فكان [ يقنت في كل الصلوات، لكن كان يخص الصبح والمغرب بمزيد من القنوت، وإن كان هو [ يقنت في كل الصلوات.

والرسول [ دعا شهرا أو أقل، ثم انتهى.

وفي الحديث: «أن النبي [ كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع... « رواه البخاري في المغازي (4560).

وقيل: إن هذا الحديث قد لعن رعل، وذكوان، وهما قبيلتان عربيتان كانتا قد خانتا النبي [ فقتلنا القراء من أصحابه وهم سبعون رجلا، بعثهم النبي [ إلى رعل وذكوان لأجل أن يعلموهم الإسلام، ويقرئهم القرآن، فلما كانوا ببعض الطريق غدروا بهم، وقتلوهم عن آخرهم، فقنت النبي [ يدعو عليهم بأعيانهم وبأسمائهم.

ولا مانع من كون النبي [ دعا على المذكورين جميعا في صلاته، حتى نزلت الآية فيهما.

وقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} شبيه بقوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} (البقرة: 272)، وبقوله سبحانه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: 56)، فالله تعالى يقول لنبيه [: إنما عليك البلاغ والإرشاد، ودعوة الخلق إلى الحق، والحرص على مصالح الناس ورحمتهم وهدايتهم، وأما أمر التعذيب، أو أمر المغفرة والرحمة، وكذا الهداية والإضلال، فهي بيد الله سبحانه وتعالى وحده؛ ولذا منعه تبارك وتعالى من الدعاء عليهم بالهلاك؛ لأنه جل وعلا يمنّ على من يشاء من عباده، فيتوب على من يشاء، فضلا منه ورحمة وإحسانا، ويعذب من يشاء عدلا منه وحكمة، وبظلم العبد نفسه وعمله، كما قال: {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (آل عمران: 128).

 فسبب عذابهم أنهم ظالمون، ولاحظ كيف أن الله تعالى لما ذكر التوبة نسبها إلى نفسه، فقال {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}؛ لأن الله عز وجل هو الذي يوفقهم للتوبة، ويخلق الرغبة فيها بقلوبهم، وأما إذا عذّبهم فبظلمهم لأنفسهم، فهو سبحانه وتعالى حكمٌ عدل حكيم، لا يظلم أحدا، ولا يضع العقوبة إلا في موضعها، كما قال تعالى {وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} (آل عمران: 117).

وقال {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} (هود: 101).

ولما نفى الله عن رسوله الله [ أنه ليس له من الأمر شيء، قرر أن الأمر له وحده، فقال: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} (آل عمران: 129).

فالجميع ملكٌ له وعبيد، وهو سبحانه وتعالى متصرّف فيهم، فكل من في السموات من الملائكة وغيرهم، ومن في الأرض، من الإنس والجن، والحيوان، والجماد، وغيره كله ملك لله سبحانه وتعالى، والجميع عبيد له مخلوقون مدبرون، يعذب من يشاء، ويغفر لمن يشاء أو يتوب عليه، ويعذب من يشاء بأن يكله إلى نفسه الظالمة الجاهلة، ويعذبه على ذلك.

ثم ختم الله سبحانه وتعالى الآية باسمين كريمين له، فقال: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ليدل عباده على أن رحمته غلبت غضبه، فهو سبحانه وتعالى وإن كان يعذب الظالمين، وإن كان ينتقم ممن عصاه، إلا أن رحمته سبحانه وتعالى وإحسانه قد عما الجميع، فمغفرته تغلب مؤاخذته، ورحمته تغلب غضبه تبارك وتعالى، نسأله تبارك وتعالى أن يتغمدنا جميعا برحمته، ويدخلنا في زمرة عباده الصالحين.

أما مناسبة هذا الحديث من كتاب الاعتصام، فقد قال ابن بطال المالكي ما معناه: إن مناسبة هذه الترجمة في كتاب الاعتصام كون النبي [ دعا باللعنة على من لم يذعن لطاعته، ويعتصم بقوله وبكلامه، فدعا على المذكورين لكونهم لم يذعنوا للإيمان به [، وبرسالته فاستحقوا اللعنة.

 فهذا تحذير من الدخول تحت دعاء النبي [، ولعنته على من عصاه.

 وهذه الترجمة وهذا الحديث قد مر معنا قبل ثمانية أبواب: باب هل للنبي [ أن يجتهد في الأحكام أم لا؟

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك