رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 19 أكتوبر، 2010 0 تعليق

شرح كتاب « الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري (10)

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له  منهجه وطريقه ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، وتخسر أفراده، ويضيع كل ذلك سدى. ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.

• الحديث السابع:

7282 – حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن همام, عن حذيفة قال: يا معشر القراء، استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا, لقد ضللتم ضلالا بعيدا.

الشرح :

الحديث السابع - حديث حذيفة الموقوف, حذيفة هو ابن اليمان، صحابي جليل من السابقين، صاحب سر رسول الله، رضي الله عنه وعن أبيه, فهو وأبوه صحابيان, قتل أبوه رضي الله عنه يوم أحد خطأ بأيدي الصحابة.

يروي البخاري -رحمه الله- من طريق شيخه أبي نعيم, واسمه الفضل بن دكين الكوفي، إمام مشهور ثقة حافظ، قال: حدثنا سفيان وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري, قال: عن الأعمش، مر معنا واسمه سليمان ابن مهران الأعمش، وهو أحد القراء والثقاة المشاهير وكان فيه تشيع, والتشيع عند السابقين ليس كالتشيع في زماننا, فالتشيع عند السابقين يعني: إظهار المحبة لعلي وأهل بيته والتفضيل لهم، من دون طعن في الصحابة، فضلا عن الطعن في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أما من طعن في الصحابة فهو رافضي, ومن طعن في الشيخين فهو من غلاة الروافض, فهؤلاء لا يروى عنهم ولا كرامة.

وأهل الحديث اجتنبوا الرواية عن الرافضة؛ لأنهم ليسوا بأهل أن يروى عنهم, لكذبهم واختلاقهم للروايات ونفاقهم وطعنهم في الدين، لكن من كان فيه تشيع من الرواة قبلوا روايته، إذا سلم من الوهم والكذب؛ لأن هذا الخطأ اليسير الذي قد يخطئ فيه المسلم لا يسقط روايته، خصوصا إن كان إماما وحافظا للحديث، مما يجعل أهل الحديث يتسامحون معه.

عن إبراهيم, وإبراهيم هو ابن زيد النخعي، الإمام الثقة الفقيه المشهور، وله مذهب مشهور، يذكر في الكتب الفقهية فيقولون: هذا مذهب النخعي، فقد كان إماما في الفقه، عن همام وهو ابن الحارث بن قيس النخعي ثقة عابد, فالسند كله كوفيون.

عن حذيفة رضي الله عنه قال : «استقيموا يا معشر القراء « القراء : جمع قارئ، والمراد بهم العلماء بالقرآن والسنة والعباد, فحذيفة رضي الله عنه يخاطبهم فيقول: يا معشر القراء , يعني يا علماء المسلمين, ويا طلبة العلم , ويا أهل القرآن والسنة والطاعة والعبادة، استقيموا، يعني: اسلكوا طريق الاستقامة , والاستقامة هي التمسك بالقرآن والسنة بفهم سلف الأمة، قولا وفعلا وتركا.

كيف يكون التمسك بالقرآن والسنة قولا وفعلا وتركا؟

القول والفعل معروف , والترك هو أن تترك ما سكت عنه الكتاب والسنة، وأعرض عنه سلف الأمة, يعني: لا تحدث شيئا ليس له أصل في القرآن والسنة, فالقرآن والسنة مثلا سكتا عن شهر رجب، فلا تجعل في رجب عبادة ما أنزلها الله تعالى, ولا تخص رجبا بعبادة, لا بصيام ولا بقيام ولا بتجمع؛ لأن القرآن والسنة تركا هذا الشهر فلم يخصاه بشيء، فنتركه ولا نبتدع فيه عملا.

فهذا من الاستقامة التي يغفل عنها بعض المسلمين, ويظن أن من الاستقامة أن يكثر العبادة والطاعة دون مراعاة لضوابط الكتاب والسنة، ودون النظر إلى ما جاء في القرآن أو في السنة من الأعمال الصالحة المشروعة، وهذا يخالف الاعتصام بالكتاب والسنة؛ فإن من الاعتصام بالكتاب والسنة أن تسكت عما سكت الله تعالى عنه في كتابه، أو عما سكت عنه رسوله [, ولأن الباعث لهذه العبادات كان موجودا على عهد النبي [ ومع ذلك فلم يفعله، وكثرة الطاعات مطلوبة, لكن الله تعالى ورسوله أغفلاه.

وكذلك الأمر في غيره من الأعمال المخترعة كالاحتفال بالمولد والإسراء والمعراج والهجرة، فالصحابة رضي الله عنهم ما احتفلوا بمولده [، وما تجمعوا فيه واحتشدوا، أو سردوا الروايات في سيرته، أو قصوا القصص وأنشدوا الأشعار أو قاموا الليل، كل هذا ما فعلوه رضي الله عنهم أجمعين, وهم الذين لا يُسبقون في محبته [، والمسارعة للقيام بأمره وسنته.

فالاستقامة إذ: تمسك بالقرآن والسنة، وفهم سلف الأمة، قولا وفعلا وتركا.

قوله «استقيموا «: أي اسلكوا كما قلنا طريق الاستقامة، فإن فعلتم فقد سبقتم سبقا بعيدا، وهو بالفتح, ويروى بالضم: سُبقتم، فإن كان بالفتح «سَبقتم» يكون الخطاب موجها لمن أدرك الإسلام أو أوائل الإسلام من صحابة رسول الله [, أي أنتم يا معشر القراء قد سبقتم غيركم من الناس إلى الدخول في الإسلام والإيمان به,  سبقتم غيركم من الناس إلى كل خير، وكل من جاء بعدكم لا يمكن أن يصل إلى ما وصلتم إليه؛ لأن الصحابة لا يدرك شأنهم في هذا المجال.

وإن كان بالضم «سُبقتم» فإنه يعني: أنتم يا معشر القراء قد سبقكم من كان قبلكم من المهاجرين والأنصار, ويمكن أن يقال أيضا: فقد ُسبقتم سبقا بعيدا إذا أنتم أخذتم بالكتاب والسنة وتمسكتم بهما، فقد سبقكم إلى ذلك من تقدمكم.

قوله: «فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» أي: إن أخذتم عن الاستقامة يمينا وشمالا، فقد ضللتم ضللا بعيدا عن الصراط المستقيم، وفارقتم التقوى، وصرتم من الخاسرين.

وكلام حذيفة رضي الله عنه - كما يقول الشراح - مأخوذ من وصية الله سبحانه المذكورة في قوله تعالى { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(الأنعام : 153).

وجاء في حديث ابن مسعود: أن الرسول [ خط خطا مستقيما, وخط عن يمينه وشماله خطوطا صغارا, ثم قال: «هذا صراط الله، وهذه سبل الشيطان, على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153). وهذا الأثر: فيه الإشارة إلى فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين مضوا على الاستقامة، وماتوا أو استشهدوا بين يدي الرسول [ , وشهد النبي [ جنائزهم، أو ماتوا بعده على فرشهم، ولكن على الاستقامة التي يحبها الله تبارك وتعالى, فإن أردتم أن تكونوا مثلهم فاستقيموا كما استقاموا, أي: خذوا بالصراط المستقيم دون الالتفات للطرق  يمينا وشمالا؛ فقد يزين الشيطان للسالك إلى الله سبحانه وتعالى طريقا من الطرق, ويقول له هذا طريق مختصر، وهين لين فاترك طريقك الذي تريده, اترك طريق السنة النبوية, أو اترك  طريق السلف لأنه طريق طويل وشاق,  وأما هذا الطريق فهو طريق مختصر ويفي بالغرض!!

ولكن في الحقيقة والواقع المشاهد أن كل من انحرف عن الصراط المستقيم فقد ضل ضلالا بعيدا, وجنى على نفسه وعلى دعوته وعلى جماعته وأتباعه، وأدركه العذاب والتفرق والتشرد, وربما أصابه السجن والقتل والأذى الذي لا يطيقه، فرجع عن طريق التدين بالكلية كما سمعنا ورأينا، وكل ذلك بسبب مخالفته للسنة في دعوته إلى الله عز وجل، وفي سيره إلى ربه سبحانه.

نسأل الله عز وجل الثبات على الصراط المستقيم، وأن يعيذنا وإخواننا طرق الجهالة والبدع.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك