رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 5 أكتوبر، 2015 0 تعليق

سؤال وجواب في فتن آخر الزمان وسبل النجاة منها -3

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد:  فالحديث عن أوصاف فتن آخر الزمان وأحوالها، وعن الموقف الأمثل للمسلم لاتقائها والسلامة منها، حديث مهم، وضروري للنجاة منها، والسلامة من شرها، ولا سيما في هذه الأيام العصيبة، التي توالت فيها الفتن وتنوعت، وعمّت وطمّت، عافانا الله جميعا من شرورها.

وقد تحدثنا في الحلقة السابقة

السؤال الخامس : إذن ما هي أسبابُ النَّجاة مما ذكرتم من فتنٍ عظيمة ؟

الجواب : لقد تركنا نبينا صلى الله عليه وسلم على مثلِ البيضاء ، ليلها ونهارها سواء ، لا يَضل عنها إلا هالك، كما صح لفظه في الحديث الشريف، وكان من بيانه لنا أن بين لنا أسباب النجاة والوقاية من الفتن ، فمن أسباب النجاة من الفتن ما يلي :

 - أولاً: الاعتصام بالكتاب والسُّنة ، وفهمهما على ضوء فهم السلف الصالح : وذلك يعنى العلم بدين الله تعالى ، والعمل بذلك العلم والتمسك به ، بعد فهمه على ضوء فهم السلف الصالح رضي الله عنهم ، وذلك ليبقى الفهم منضبطا صحيحا ، والمنهج قويما لا عوج له .

     والتمسك بالكتاب الكريم أولاً ، هو أعظم أسباب العصمة والنجاة من الفتن، قال تعالى (واعتَصموا بحبلِ الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذْ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شَفا حُفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آيته لعلكم تهتدون) آل عمران : 103.

 فقوله عز وجل : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ) الحبل : السبب الذي يُتوصل به إلى المراد ، وما تحصل به النجاة . والاعتصام هو التمسك به .

 واختلفوا في معنى الحبل هاهنا ، فقال ابن عباس : معناه تمسّكوا بدين الله ، وقال ابن مسعود : هو الجماعة ، وقال : عليكم بالجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر الله به ، وإنَّ ما تكرهون في الجماعة والطاعة ، خير مما تحبون في الفرقة .

 وقال مجاهد وعطاء : بعهد الله ، وقال قتادة والسدي : هو القرآن . وقال مقاتل بن حيان : بحبل الله : أي بأمر الله وطاعته . 

 وقال صلى الله عليه وسلم : « إنّ هذا القرآنَ طَرفُه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به ، فإنكم لنْ تَضلوا ، ولن تَهْلكوا بعده أبداً « رواه ابن حبان وصححه والألباني .

 وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : « إنّ هذا القرآن هو حبلُ الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، وعصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه  « .

 قوله ( ولا تفرقوا ) أي : كما افترقت اليهود والنصارى ، وأهل الشرك .

 وقال ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما) النساء : 175.

      أي : فأمَّا الذين صدَّقوا بالله اعتقادًا وقولا وعملا ، واستمسكوا بالنور الذي أُنزل إليهم ، وهو كتابه الكريم ، ووحيه إلى رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ، فسيدخلهم الجنة رحمةً منه وفضلا ، ويوفقهم إلى سلوك الطريق المستقيم ، المفضي إلى روضات الجنات .

 وقال تعالى أيضا : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) المائدة : 15-16.

 أما الأصل الثاني : فهو ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 فمن أسباب النجاة من الفتن والعصمة من الضلال : التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعها ، والعمل بها ، ونشرها والدعوة إليها .

      وهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان ، يؤمنون بهذا الأصل الأصيل ، ويحتجون به ويعلمونه الأمة ، وقد ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة ، وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح ، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة ، فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته ، وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم ؛ لأنه رسول الله إلى الجميع .

      ولأنه صلى الله عليه وسلم هو المفسِّر لكتاب الله ، والمبين لما أجمل فيه ، بأقواله وأفعاله وتقريراته ، ولولا السُّنة النبوية لم يَعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات ، وصفاتها وما يجب فيها ، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الزكاة ومقاديرها ، والصيام والحج والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات ، وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات .

ومما ورد في ذلك من الآيات :

1- قال تعالى في سورة النساء أيضا: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) آية: 80 .

فجعل طاعة صلى الله عليه وسلم بمنزلة طاعته تبارك وتعالى .

2- وقال تعالى في سورة آل عمران : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) آية : 132 .

 3- وقال تعالى في سورة النساء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) آية : 59 . 

      وهذا دليل على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم ، وردِّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله ، ولو كانت سنته لا يحتج بها ، أو كانت كلها غير محفوظة، فهذا يعني أن الله تعالى قد أحال عباده على شيء لا وجود له؟! وهذا من أبطل الباطل ، ومن الكفر بالله، وسوء الظن به .

 4- وقال عز وجل في سورة النحل: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) آية : 44.

 5- وقال فيها أيضا: ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لهم الذي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) آية : 64 .

 ففي هاتين الآيتين : أن من وظائف النبي صلى الله عليه وسلم شرح الكتاب الكريم ، وبيان وتوضيح المجمل منه وتفصيله ، وكيفية العمل به .

 فكيف يكل الله سبحانه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم تبيين المنزل إليهم من كتابه ، وسنته لا حُجة فيها ؟! أو لا وجود لها ؟!

 أما الأحاديث فهي كثيرة ، ومنها :

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ، ويَسخط لكم ثلاثا ، يَرضى لكم أنْ تعبدوه ولا تُشركوا به شيئا ، وأنْ تعتصموا بحبلِ الله جميعاً ، وأنْ تُناصحوا مَن ولّى الله أمرَكم ، ويَسخط لكم : قيلَ وقال ، وإضاعةَ المال ، وكثرةَ السؤال « . رواه مسلم .

 2- وروى مسلم في صحيحه : عن زَيْدِ بنِ رضي الله عنه قَال : قَامَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوما فِينَا خَطِيبًا بمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بين مَكَّةَ والمدينَةِ ، فَحمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى علَيه ووَعَظَ وذَكَّرَ ، ثُمَّ قَال : « أَمَّا بعدُ ، أَلا أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنَّما أَنا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِىَ رسولُ رَبى فَأُجِيبَ ، وأَنَا تَارِكٌ فيكم ثَقَلَينِ : أَوَلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ ، فِيه الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ واسْتَمْسِكُوا بِهِ «. فَحَثَّ عَلَى كتَابِ اللَّهِ ورغَّبَ فِيه ، ثُمَّ قَال : «وأَهلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهلِ بَيْتِي «.

 3- وورد أيضا في صحيح مسلم : عن جابر رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خُطبة الوداع يوم عرفة :» تَرَكْتُ فيكُم ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ ، إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ ، وأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ «. قَالوا : نَشهدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْتَ وأَدَّيْتَ ونَصَحْتَ . فقَال بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ ، ويَنْكُتُهَا إِلَى النَّاس : « اللَّهُمَّ اشْهَدِ ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ «.

 4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ، ما تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرّقا حتى يردا على الحوض « . أخرجه مالك مرسلاً ، والحاكم مسنداً وصححه .

 ثانيا : من أسباب النجاة من الفتن : الأخذ عن العلماء :

     ونعني بهم العلماء الربانين ، المشهورين بالاتباع للسنن ، والمعروفين بالصلاح والاستقامة ، وسؤالهم والرجوع إليهم ، والأخذ عنهم ، والالتفاف حولهم وتوقيرهم ، فقد أمرنا الله تعالى بذلك ، فأمرنا بسؤال أهل الذكر ، وهم  أهل العلم بالكتاب والسنة ، فقال ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) النحل :43 . والأنبياء : 7 .

 فالواجب على مَن لم يعلم ، أنْ يسأل من يعلم ، كما أمر الله تعالى في هذه الآية.

قال القرطبي : « لم يختلف العلماء أنّ العامة عليها تقليد علمائها ، وأنهم المراد بقول الله عز وجل : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء :7 . ولم يختلفوا أنْ العامة لا يجوز لها الفُتيا ، لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم «.

 وقال سبحانه مؤدِّباً للمؤمنين ( وإِذَا جاءَهُم أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء : 83.

      فالله جل وعلا قد أنعم علينا بكتابه ، وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبوجود العلماء الراسخين في العلم في كل زمان ومكان ، فعلينا أنْ نرجع إليهم في مشكلاتنا ومهماتنا ، فما كان من الأمور يتعلق بالعامة فإنه يرجع فيه إلى جهات الفتوى المعتمدة من دور الإفتاء ، والمجامع الفقهية ، ولا يخوضون فيه في مجالسهم بغير علم ، كما قال الله جل وعلا في هذه الآية .

 وأما إنْ كانت المسألة تتعلق بالأفراد ، فإنها ترد إلى أهل العلم ، فيرجع العامي إلى من يثق بعلمه وبدينه ، فيسأله عما أشكل عليه ، ولا يذهب إلى غيره ويكثر من الأسئلة لئلا يتحير .

      وليعلم كل مَنْ يفتي فإنه مسئولٌ أمام الله عز وجل عما يقول ، فإنْ الذي يفتي يُخبر عن حكم الله سبحانه وتعالى ، فلا بد أنْ يكون عنده علمٌ بذلك ، ونيةٌ صالحة ، ولا يأتي بشيء من عنده واستحسانه ، فإن هذا من القول على الله بغير علم ، والقول على الله بغير علمٍ أشد من الشرك ، كما قال سبحانه وتعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف : 33 . فجعل القول على الله بغير علم فوق الشرك، والشرك إنما هو قولٌ على الله بغير علم .

 وقال سبحانه وتعالى محذّراً: (ولا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النحل : 116.

 وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بتوقير علمائنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : « ليس منّا من لم يَرحم صغيرنا ، ويُوقّر كبيرنا ، ويَعرف لعالمنا حقه « . رواه أحمد وغيره .

      فالواجب الأخذ عن العلماء الراسخين في العلم ، الذين يعظّمون السنة النبوية ويظهرونها ، ويدعون إليها ، ويحرصون على جمع الكلمة ولم الشمل ، والحذر من شق الصف والدعوة إلى الفرقة والاختلاف ، فطاعتهم سداد ، والأخذ عنهم هدى ورشاد ، وصلاح للعباد والبلاد ، كما أمر الله تعالى بذلك فقال : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء : 59.

 وأولوا الأمر على التحقيق هم : العلماء والأمراء ، كما نصَّ على هذا غيرُ واحد من الصحابة وغيرهم ، فالعلماء يلون أمر الدّين ، والأمراء يلون أمر الدنيا، وبهذا تستقيم الأمور ، وتنتظم حياتهم.

وقد تقدم الحديث : « إنّ الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكنه يقبضه بقبضِ العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً ، اتخذ الناس ُرؤوسا جُهالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا « متفق عليه .

 ثالثا : لزوم الجماعة، وطاعة أولى الأمر: فإنَّ الجماعة رحمةٌ ، والفرقة عذاب ، ويد الله على الجماعة ، ومَنْ شد شذ في النار، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، ومن خرج على الطاعة وفارق الجماعة فمات ، مات ميتة جاهلية ، دل على كل هذا أحاديث نبوية صحيحة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم .

 وفي الحديث أيضا : « ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاصُ العمل لله ، ومناصحة أولياء الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين ، فإنَّ دعوتهم تُحيط من ورائهم « . رواه أحمد والترمذي .

 فهذه الثلاث تُنقي القلب ، ولا يبقى فيه مع وجودها غشٌ ولا دغل فيه ، فيسلم من الفتن .

 رابعا : تقوى الله تعالى وطاعته : فهي من أعظم أسباب الوقاية والنجاة من الفتن ، كما قال ربنا تبارك تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق : 2-3 .

 فجعل للتقوى فائدتين ‏:‏ أنْ يجعل له مُخرجا ، وأنْ يرزقه من حيث لا يحتسب‏.

 ‏والمخرج هو موضع الخروج ، وإنما يطلب الخروج من الضيق والشدة ، وهذا هو الفرج والنصر والرزق ، فَبَين أن التقوى فيها النصر والرزق .

 وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ) يقول : ينجيه من كل كربٍ في الدنيا والآخرة ( ويرزقه من حيثُ لا يحتسب ) .

 وقال سبحانه : ( ومن يتقّ الله يجعل له من أمره يسراً ) الطلاق : 4.

 وقال : ( يأيها الذين آمنوا إنْ تتقوا الله يجعل لكم فُرقانا ) الأنفال : 29. أي : بصيرة وقدرة على التفريق والتمييز بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والهدى والضلال .

  ففي رواية عن ابن عباس قال : ( فرقانا) نجاة . وفي رواية عنه : نصرا .

 وقال محمد بن إسحاق : ( فرقانا ) أي : فصلا بين الحق والباطل .

      قال ابن كثير : وهذا التفسير من ابن إسحاق أعم مما تقدم ، وقد يستلزم ذلك كله ؛ فإن من اتقى الله بفعل أوامره ، وترك زواجره ، وفق لمعرفة الحق من الباطل ، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ، ومخرجه من أمور الدنيا ، وسعادته يوم القيامة ، وتكفير ذنوبه - وهو محوها - وغفرها : سترها عن الناس - سبباً لنيل ثواب الله الجزيل ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كِفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم  ) الحديد : 28 .انتهى

 وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه : في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة ، كان أول ما أوصاهم به التقوى ، فقال : «أُوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة» الحديث.

 فالتقوى أنْ يجعل العبدُ بينه وبين عذاب الله وقاية، باتباع أوامره، واجتناب نواهيه وزواجره .

نسأل الله تعالى أنْ يعصمنا جميعاً من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، إنه سميع مجيب .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك