رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 أغسطس، 2016 0 تعليق

النيّـــات في قــراءة القرآن الكريم(6)

القرآن ربيع المؤمن كما أنَّ الغيث والمطر ربيع الأرض وكما يرتاح الناس للربيع ويميلون إليه؛ فكذلك يرتاحُ المؤمن بقراءة كلام الله عز وجل وتلاوته

مما نحتسبُه في قرائتنا للقرآن أنْ يكونَ سبباً لهدايتنا من الشُّبهات والضلالات ونُوراً لأبصارنا من الجَهالات سالكاً بنا إلى الطرق النافعة المفيدة

 

تعظيم النيات واستحضارها، هي تجارة قلوب الصالحين، من الصحابة -رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، والعلماء الربانيين؛ فإنهم كانوا يعملون العمل الواحد ولهم فيه نياتٌ كثيرة، يحصل لهم بها أجورٌ عظيمة على كل نية، فعندما تتعدد النيات على العمل الواحد، والطاعة الواحدة، يتضاعف الأجر، وتكثر المثوبة، فتكسب أجراً على كل نيه تنويها على العمل الواحد الذي تؤديه مرة واحدة، وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: النيِّة أبلغ من العمل.

ونستكمل في هذه الحلقة الكلام عن بعض النيات، التي يَحسن أنْ نَنْويها عند قراءة القرآن الكريم:

جلاء أحزاننا وذهاب همومنا

     نقرؤه ونحتسبه لجَلاء أحزاننا، وذهابِ همومنا، وتفريج كروبنا؛ فالقرآن ربيع المؤمن، كما أنَّ الغيث والمطر ربيع الأرض، وكما يرتاح الناس للربيع ويميلون إليه؛ فكذلك يرتاحُ المؤمن بقراءة كلام الله عزوجل وتلاوته. 

 1- كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في دعائه، في دعاء الهمِّ والْكُرَبِ والمحن: «اللهم إني عبدُك، ابنُ عبدك، ابن أمتك، ناصِيتي بيدِك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خَلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أنْ تجعلَ القرآنَ ربيع قلبي، ونُور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همّي». رواه أحمد وابن حبان والحاكم.  والرَّبِيعُ: هو المَطَرُ المُنْبِتُ للرَّبِيعِ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ» رواه البخاري. ومنه ما ورد في دُعاءِ  الِاسْتِسْقَاءِ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، رَبِيعًا مُرْبِعًا».

سبب لهدايتنا

     نحتسبُ قراءته أنْ يكونَ سبباً لهدايتنا من الشُّبهات والضلالات,  ونُوراً لأبصارنا من الجَهالات,  سالكاً بنا إلى الطرق النافعة المفيدة : فقد كثُرت الآيات التي تنبِّهنا إلى ذلك,  فمنها:

1- قال تعالى: {ذلك الكتابُ لا ريبَ فيه هدى للمتقين}( البقرة : 2).

وقال (هدىً) بالتعميم؛ لأنه كتاب هداية لجميع مصالح الدنيا والآخرة.

ففيه هداية الناس من الضلال إلى الحق.

 2- وقال الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاء مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}(الشورى : 52 - 53).

      فقوله (وكذلك) أي: كما أوحينا إلى سائر رسلنا، {أوحينا إليك روحا من أمرنا} قال ابن عباس: نبوة. وقال الحسن: -رحمة- والسدي ومقاتل: وحيا. وقال مالك بن دينار: يعني القرآن. (ما كنت تدري) قبل الوحي، (ما الكتاب ولا الإيمان) يعني: شرائع الإيمان ومعالمه، قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: (الإيمان) في هذا الموضع: الصلاة، ودليله : قوله -عز وجل-: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}(البقرة: 143).

     وأهل الأصول: على أن الأنبياء -عليهم السلام- كانوا مؤمنين قبل الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم  يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم، ولم يتبين له شرائع دينه.

     (ولكن جعلناه نوراً) قال ابن عباس: يعني الإيمان. وقال السدي: يعني القرآن. (نهدي به) نرشد به، (من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي) أي لتدعو، (إلى صراط مستقيم) يعني الإسلام. (البغوي ).

     (ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء) فطبيعة هذا الوحي، وهذا الروح، هذا الكتاب أنه نور، نور تخالط بشاشته القلوب التي يشاء لها الله أن تهتدي به, بما يعلمه من حقيقتها, ومن مخالطة هذا النور لها.

     (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) وهناك توكيد على تخصيص هذه المسألة, مسألة الهدى, بمشيئة الله سبحانه, وتجريدها من كل ملابسة, وتعليقها بالله وحده يقدرها لمن يشاء بعلمه الخاص, الذي لا يعرفه سواه; والرسول واسطة لتحقيق مشيئة الله, فهو لا ينشى ء الهدى في القلوب، ولكن يبلغ الرسالة , فتقع مشيئة الله.

     {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} فهي الهداية إلى طريق الله, الذي تلتقي عنده المسالك؛ لأنه الطريق إلى المالك, الذي له ما في السماوات وما في الأرض; فالذي يهتدي إلى طريقه يهتدي إلى مالك السماوات والأرض الذي إليه يتجه وإليه يصير.

 3- وقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}(فصلت : 44).  

 4- وقال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}(الإسراء : 9).

     يمدح -تعالى- كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، بأنه يهدي لأقوم الطرق، وأوضح السبل (ويبشر المؤمنين) به (الذين يعملون الصالحات) على مقتضاه (أن لهم أجرا كبيرا) أي : يوم القيامة. 

      يقول -تعالى- ذكره : إنّ هذا القرآن الذي أنـزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) يقول : للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السُّبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه,  وهو الإسلام، يقول جلّ ثناؤه: فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل، التي ضلّ عنها سائرُ أهل الملل المكذّبين به.

     قال ابن زيد في قوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) قال: التي هي أصوب : هو الصواب وهو الحقّ؛ قال: والمخالف هو الباطل. وقرأ قول الله تعالى: (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) قال: فيها الحقّ ليس فيها عوج. وقرأ (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا) يقول: قيما مستقيما.

     وقوله (وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ) يقول: ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به,  للسبيل الأقصد، الذين يؤمنون بالله ورسوله، ويعملون في دنياهم بما أمرهم الله به، وينتهون عما نهاهم عنه، بأن (لَهُمْ أجْرًا) من الله على إيمانهم وعملهم الصالحات (كَبِيرًا) يعني : ثواباً عظيما، وجزاءً جزيلا، وذلك هو الجنة التي أعدّها الله -تعالى- لمن رضي عمله. (مختصرا من ابن كثير).

 5- ونشير هاهنا، إلى الحديث القدسي المشهور، الذي يقول الله -تعالى- فيه: «يا عبادي كلكم ضالٌ إلا مَن هديتُه، فاسْتهْدوني أهدِكم» الحديث رواه مسلم.

فقوله هذا فيه فوائد عظيمة، منها :

ا- تكرار النداء في الحديث في قوله: «يا عبادي» فيه زيادة عناية بعباده، ورأفة ورحمة وشفقة عليهم؛ حيث تكرر النداء في الحديث تسع مرات، وهو أمر يُوحي بالمبالغة في ذلك.

ب - قدم في الحديث الضلالة والهدى، على الجوع والطعام، والعري واللباس، فقال: «كلكم ضال إلا من هديته» قبل قوله : «كلكم جائع» وقوله: «كلكم عار» وذلك من باب تقديم الأهم؛ فالضلال أشد خطرًا من الجوع والعري، والهداية أتم من الطعام واللباس. 

     وهذا يشعرنا بالاهتمام بالهداية أكثر من اهتمامنا بطعامنا ولباسنا، وأنْ ندرك خطر الضلال، أكثر من إدراكنا خطر الجوع والعري.

جـ - دل الحديث على أنّ كلَّ مَن لم يهده الله فهو ضال؛ ولهذا قال : «كلكم ضال» فلم يستثن من ذلك أحدًا.

د - دل الحديث بصريح لفظه: «إلا من هديته» أن الله هو الهادي المضل,  وهذا من كماله -سبحانه وتعالى-؛ فالهداية بيده، فمنه تطلب، وبه يستعان للحصول عليها؛ فعلى من طلبها أن يلتجئ لمالكها، ويستجديه ويلح عليه؛ فإنها فضل منه سبحانه ومنّة. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك