رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 19 يوليو، 2016 0 تعليق

النيّـــات في قــراءة القرآن الكريم(2)

نحتسب بقراءة القرآن  امتثال أمر الله -تعالى- لنا فقد أمرنا سبحانه بقراءة كتابه وتلاوة آياته، وكذلك أمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم وحثنا على ذلك

 القرآن كان وسيلة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والآية الربانية المصاحبة له دوماً والحق المؤيد له بالحجج والبراهين القرآنية في جميع الأحوال.

 

تعظيم النيات واستحضارها، هي تجارة قلوب الصالحين، من الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان، والعلماء الربانيين؛ فإنهم كانوا يعملون العمل الواحد ولهم فيه نياتٌ كثيرة، يحصل لهم بها أجورٌ عظيمة على كل نية، فعندما تتعدد النيات على العمل الواحد والطاعة الواحدة، يتضاعف الأجر، وتكثر المثوبة، فتكسب أجراً على كل نيه تنويها على العمل الواحد الذي تؤديه مرة واحدة، وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «النيِّة أبلغ من العمل» .

 

ونستكمل في هذه الحلقة الكلام عن بعض النيات، التي يَحسن أنْ نَنْويها عند قراءة القرآن الكريم :

احتساب الامتثال لأمر الله -تعالى-

نحتسب بقراءة القرآن  امتثال أمر الله -تعالى- لنا، فقد أمرنا سبحانه بقراءة كتابه، وتلاوة آياته، وكذلك أمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم وحثنا على ذلك، وتوعد الله --عز وجل-- مَن أعرض عن تلاوته واتباعه، وغفل عنه

1- فقال --عز وجل-- آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم ، والأمر نافذ إلى أمته: {واتلُ ما أُوحي إليك من كتاب ربّك لا مُبدّل لكلماته ولنْ تجدَ من دونه مُلتحدا}(الكهف: 27).  

     فقوله --عز وجل--: {واتل}. أي : واقرأ يا محمد {ما أوحي إليك من كتاب ربك}. يعني القرآن، واتبع ما فيه {لا مبدل لكلماته}، قال الكلبي: لا مُغير للقرآن. وقيل: لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه. {ولن تجد} أنت {من دونه}. إن لم تتبع القرآن (ملتحدا) قال ابن عباس  -رضي الله عنهما-: حرزا. وقال الحسن : مدخلا . وقال مجاهد: ملجأ. وقيل : معدلا . وقيل : مهرباً . وأصله من الميل . (انظر تفسير البغوي) .

وقال الحافظ ابن كثير في هذه الآية: {واتلُ ما أوحي إليك من كتابِ ربك..}، يقول -تعالى- آمراً رسوله -عليه الصلاة والسلام-، بتلاوة كتابه العزيز، وإبلاغه إلى الناس. (لا مبدل لكلماته) أي: لا مُغير لها ولا مُحرّف ولا مُؤوّل .

وقال ابن جرير: واتبع يا محمد ما أنـزل إليك من كتاب ربك هذا، ولا تتركن تلاوته واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه، والعمل بحلاله وحرامه، فتكون من الهالكين، وذلك أن مصير مَن خالفه، وترك اتباعه، يوم القيامة إلى جهنم .

 (لا مبدل لكلماته) يقول لا مُغير لما أوعد بكلماته التي أنـزلها عليك، أهل معاصيه، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك .

     وقوله: {ولن تجد من دونه ملتحدا}. يقول: وإنْ أنت يا محمد، لم تتلُ ما أوحي إليك من كتاب ربك؛ فتتبعه وتأتم به، فنالكَ وعيدُ الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده، لن تجد من دون الله موئلاً تئل إليه، ومعدلاً تعدل عنه إليه؛ لأنَّ قدرةَ الله محيطةٌ بك وبجميع خلقه، لا يقدر أحدٌ منهم على الهرب من أمرٍ أراد به، إنْ أنت يا محمد، لم تتلُ ما أوحي إليك من كتاب ربك، فإنه لا ملجأ لك من الله، كما قال -تعالى-: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وانْ لم تفعل فما بلغتَ رسالته والله يعصمك من الناس}( المائدة : 67 ). انتهى

وقال القرطبي: قيل هو من تمام قصة أصحاب الكهف. أي: اتبع القرآن فلا مبدل لكلمات الله، ولا خُلف فيما أخبر به من قصة أصحاب الكهف . انتهى

الآية الربانية

2- وقال -تعالى-: {اتلُ ما أُوحي إليك من الكتابِ وأقم الصلاة}(العنكبوت : 29). 

أي: اتل ما أوحى إليك ربُّك من آيات القرآن؛ فهو وسيلتك للدعوة, والآية الربانية المصاحبة لك دوماً، والحق المؤيد لك بالحجج والبراهين القرآنية، في جميع الأحوال.

قال القرطبي: قوله: {‏اتل‏} أمر من التلاوة والدؤوب عليها، وقد مضى في (طه ) الوعيد فيمن أعرض عنها، وفي مقدمة الكتاب الأمر بالحض عليها، والكتاب يراد به القرآن ‏.‏ انتهى

وما أشار القرطبي -رحمه الله- إليه في سورة طه، هو قوله -تعالى-: {كذلك نقصُّ عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنَّا ذكرا مَن أعرضَ عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا}(طه  99 - 101).

     فيقول -تعالى- لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كما قصصنا عليك خبر موسى -عليه السلام- وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع، كذلك نقص عليك الأخبار الماضية، كما وقعت من غير زيادة ولا نقص، هذا {وقد آتيناك من لدنا}. أي: عندنا ذكرا، وهو القرآن العظيم، الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}(فصلت: 42)، الذي لم يعط نبيٌ من الأنبياء منذ أنْ بعثوا إلى أنْ ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، كتاباً مثله ولا أكمل منه، ولا أجمع لخبر ما سبق، وخبر ما هو كائن، وحكمه الفصل بين الناس; ولهذا قال -تعالى-: {من أعرض عنه} أي: كذَّب به، وأعرض عن اتباعه، أمراً وطلبا، وابتغى الهُدَى في غيره، فإنَّ الله يُضله ويهديه إلى سواء الجحيم; ولهذا قال : «من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا». أي: إثما، كما قال الله -تعالى-: {ومنْ يَكفر به من الأحزابِ فالنارُ موعده}(هود: 17).

     وهذا عامٌ في كلِّ مَن بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال -تعالى-: {لأُنْذركم به ومن بلغ}(الأنعام: 19). فكل مَنْ بلغه القرآن فهو نذيرٌ له وداع؛ فمن اتبعه هُدي، ومَن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة; ولهذا قال -سبحانه-: {من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً  خالدين فيه}. أي: لا محيد لهم عنه، ولا انفكاك {وساءَ لهم يوم القيامة حملا}. أي: بئس الحمل حملهم .

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة ربه

3- ومن أوامر الله -عز وجل- بتلاوة القرآن، قوله -تعالى- على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : {إنما أُمرتُ أنْ أعبدَ ربَّ هذه البلدة الذي حرَّمها وله كلُّ شيء وأُمرت أنْ أكون من المسلمين وأنْ أتلو القرآنَ فمن اهْتَدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فقلْ إنما أنا من المُنذرين وقل الحمدُ لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربُّك بغافلٍ عما تعملون}(النمل : 91-93).

     فقد أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة ربّه -تعالى- وهو ربّ البلدة الذي حرّمها، وهي مكة، التي صارت حراماً قدرا وشرعاً، بتحريم الله لها، كما ثبت في الصحيحين: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا يُنفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا مَن عرّفها، ولا يختلى خلاها» الحديث.

وقوله : «وله كل شيء»: من باب عطف العام على الخاص، أي: هو ربُّ هذه البلدة، وربُّ كل شيء ومليكه، {وأمرت أن أكون من المسلمين} أي: الموحدين المخلصين، المنقادين لأمره المطيعين له.

     وقوله: {وأن أتلو القرآن}. أي: على الناس وأبلغهم إياه، كقوله: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم}(آل عمران: 58)، وكقوله: {نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون}(القصص: 3). أي: أنا مُبلِّغ ومنذر، {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين}. أي : لي سوية الرسل الذين أنذروا قومهم، وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم، وخلصوا من عهدتهم، وحساب أممهم على الله -تعالى-، كقوله -تعالى-: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}(الرعد: 40)، وقال: {إنما أنتَ نذيرٌ والله على كل شيء وكيل}(هود: 12)، وقوله: {وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}. أي : لله الحمد الذي لا يُعذّب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، والإعذار إليه; ولهذا قال: {سيُريكم آياته فتعرفونها}، كما قال -تعالى-: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}(فصلت: 53). وقوله: {وما ربك بغافل عما تعملون}. أي: بل هو شهيد على كل شيء.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك