رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 20 يونيو، 2016 0 تعليق

النيّات في قراءة القرآن الكريم(1)

تعظيم النيات واستحضارها تجارة قلوب الصالحين من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين؛ فإنهم كانوا يعملون العمل الواحد ولهم فيه نياتٌ كثيرة

عدد أحرف القرآن الكريم (340740) حرفاً وكل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها،  فإذا ختمت ختمة واحدة سوف تحصل على أجر يساوي : 340740× 10= 3407400 ثلاث ملايين وأربع مائة وسبعة آلاف وأربع مائة حسنة

 

رمضان هو شهر القرآن، كما قال الله تعالى: {شهرُ رمضانَ الذي أُنزلَ فيه القرآنُ هدىً للناسِ وبيناتٍ من الهُدى والفُرقان} (البقرة: 185)، وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}(القدر: 1)، وفضائل القرآن الكريم عديدة ومتنوعة، ومزاياه كثيرة، وعطاياه واسعة مجيدة؛ فما نيتك أيها المسلم وأنت تقرأ القرآن العظيم؟! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى « رواه البخاري ومسلم.

     واعلم أن تعظيم النيات واستحضارها، هي تجارة قلوب الصالحين، من الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان، والعلماء الربانيين، فإنهم كانوا يعملون العمل الواحد ولهم فيه نياتٌ كثيرة، يحصل لهم بها أجورٌ عظيمة على كل نية؛ فعندما تتعدد النيات على العمل الواحد، والطاعة الواحدة، يتضاعف الأجر، وتكثر المثوبة، فتكسب أجراً على كل نيه تنويها على العمل الواحد الذي تؤديه مرة واحدة، وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «النيِّة أبلغ من العمل» .

وهذه بعض النيات، التي يَحسن أنْ نَنْويها عند قراءة القرآن الكريم:

رجاء الشفاعة

- بقراءة القرآن الكريم، وتلاوته وتدبره، نرجو الله -تعالى- أن يُشفّعه فينا وفي أهلينا ، يوم لا يشفع أحدٌ عنده إلا بإذنه ، كما قال سبحانه: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}(البقرة: 254)، والقرآن له شفاعة لأصحابه يوم القيامة، كما صحَّت الأحاديث الكثيرة في ذلك ، منها:

- حديث أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه.  اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غَمامتان - أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان - من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإنَّ أخذها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة». رواه مسلم .

- وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : «القرآن شافعٌ مُشفَّع، وماحلٌ مصدَّق ، مَنْ جعله أمامه، قاده إلى الجنة، ومَن جعله خلف ظهره، ساقه إلى النار». رواه ابن حبان في الموارد (ص 443) والطبراني (10/244) وغيرهما .

- وإذا اجتمع القرآن والصيام، كانت الشفاعة للعبد أعظم، كما صح في الحديث: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفّعني فيه، ويقول القرآنُ-: منعتُه النومَ بالليل فشفّعني فيه، قال: فيشفعان، الحديث أخرجه أحمد -رحمه الله- (2 /174) ومحمد بن نصر المروزي في (قيام الليل) ( ص25) ، والحاكم (1 /554) .

زيادة الحسنات وتكثيرها

- ننوي بقراءة القرآن زيادة الحسنات وتكثيرها،  فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنةٌ ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقولُ الم حرف، ولكن ألفٌ حرف ، ولامٌ حرف ، وميمٌ حرف». رواه الترمذي .

     فإذا كان عدد أحرف القرآن الكريم (340740) حرفاً تقريبا؛ فسوف تحصل على أجر عظيم إذا أنت ختمتَ القرآن مرة واحدة، فكل حرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وهذا يعنى أنك سوف تحصل على أجر يساوي: 340740× 10= 3407400 ثلاث ملايين وأربع مائة وسبعة آلاف وأربع مائة حسنة، وهذا لختمة واحدة فقط فكيف بك إذا ختمته في كل شهر مرة، وهذا يعنى أنك ستختم القرآن اثنتا عشرة مرة في العام، وأنك سوف تنال من الأجر بإذن الله 3407400×12= 40888800 أربعين مليونا وثماني مائة وثمانية وثمانين ألفاً وثماني مائة حسنة .

     وبعد أن علمت هذا الأجر العظيم، فيا ترى كم سيكون نصيبك من القرآن وأجوره المباركة العظيمة؟ وكم ستعطيه من وقتك ؟!، وكما قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر :30 ).

احتساب النجاة من النار

- نحتسب في قراءته النَّجاة من النار، ومن زُحزح عن النار، وأُدخل الجنة فقد فاز، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو جُمع القرآن في إهَابٍ ، لم يَحرقه الله بالنار». رواه الدارمي في سننه (2/522) وصححه الألباني .

     قال ابن الجوزي رحمه الله : فقوله: «لو جُعل القرآن في إهاب ما احترق» المعنى: أنَّ حافظ القرآن ممتنع من النار غريب الحديث (1/48)، وقال ابن الأثير -رحمه الله-: ومنه الحديث: «لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقى في النار ما احترق». قيل : كان هذا معجزة للقرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون الآيات في عصور الأنبياء .

وقيل المعنى: مَن علّمه الله القرآن لم تَحرقه نار الآخرة ، فجعل جسم حافظ القرآن كالإهاب له . النهاية في غريب الأثر (1/83) .

احتساب ارتقاء الدرجات

- نحتسب بقراءة القرآن أيضًا ارتقاء الدرجات،؛ فننال به أرفعها في الجنات، وأكرم المنازل عند الرب الكريم

- لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ ، ورتِّل كما كنتَ تُرتّل في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند آخرِ آيةٍ تقرؤها». رواه أبو داود والترمذي، قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي -رحمه الله-: يُقَالُ أَيْ : عند دُخولِ الْجَنَّة لِصَاحِبِ الْقُرْآن  أَي : مَنْ يُلَازمُه بِالتِّلَاوَةِ والْعمل، لَا مَنْ يَقْرَؤُهُ ولَا يَعملُ بِهِ.

«اِقْرَأْ وَارْتَقِ» أَي: إِلَى درجات الجنَّة، أَو مَراتِب الْقُرَب، «وَرَتِّلْ» أَيْ: لَا تَسْتَعْجِلْ في قِرَاءَتِك فِي الجَنَّة.

«كَما كُنْت تُرَتِّلُ» أَيْ : في قِرَاءَتِك في الدُّنْيَا، وفيه إشارة إلى أنّ الجزاء على وفق الأعمال، كمًّا وكيفاً.

ويُؤْخَذ مِنْ الحدِيث: «أَنَّهُ لَا يُنَالُ هذَا الثَّواب الْأَعظَم، إِلَّا مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ، وأَتْقَنَ أَداءَهُ وقِرَاءَتَهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ». عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/338) بتصرف

- وفي الحديث أيضاً : رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللهَ يَرفع بهذا الكتابِ أقواماً ، ويضع به آخرين». رواه مسلم، ورفعة الدرجات ورفعها، تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة، وحسن الصيت، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة، وقد ورد الحديث كما في صحيح مسلم:  عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي وكان عامل عمر رضي الله عنه على مكة، أنه لقيه بعسفان فقال له: من استخلفت؟ فقال: استحلفت ابن أبزى مولى لنا ، فقال عمر رضي الله عنه : استخلفت مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال: «إن الله يَرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين». وقال  المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: عند تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : «ومن أبطأ به عمله»، من التبطئة وهما ضد التعجل، والبطء نقيض السرعة ، والمعنى: من أخره عمله عن بلوغ درجة السعادة «لم يسرع به نسبه» أي: لم يقدمه نسبه، يعني لم يجبر نقيصته لكونه نسيباً في قومه؛ إذْ لا يحصل التقرب إلى الله -تعالى- بالنسب، بل بالأعمال الصالحة، قال تعالى: {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات .

 3- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب، يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنتُ أُسْهرُ ليلك، وأُظمئ هواجرك، وإنَّ كل تاجرٍ من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فيُعطى المُلك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضع على رأسه تاجُ الوقار، ويُكسى والداه حُلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب، أنى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن». رواه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني في الصحيحة (2829) .

      وأما معنى الحديث: فقوله: كالرجل الشاحب، قال السيوطي في شرح ابن ماجة : هو المتغير اللون والجسم، لعارض من العوارض ، كمرض ، أو سفر، ونحوهما، وكأنه يجيء على هذه الهيئة، ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن، كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة، حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة. انتهى .

 والمعنى: أنه كما أتعب نفسه بصوم النهار، والهواجر: وهي جمع هاجرة، وهو نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، عند اشتداد الحر، وقيام الليل، فكَأَنَّ الصيام يتَمَثَّل بِصُورَة قارئه الَّذِي أتعب نَفسه َبالصَّوْم فِي النَّهَار، وبالسهر فِي اللَّيْل.

قال السندي : قوله: «وراء تجارته» أي: قدامه تجارته، كأنه متحفظ بها. انتهى.

     فالمعنى أن القرآن يتقدم صاحبه، ويتقدم كل تاجر؛ فقد سبق صاحب القرآن كل من قدّم أي عمل، وقوله: «فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله»، قال البغوي في شرح السنة: وقَوله: «يُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِه»، لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ شيئًا يُوضَعُ فِي يديه، وإِنَّما أَرَادَ بِهِ : يُجْعَلُ لَه الْمُلْكُ والخُلْدُ، ومَنْ جُعِلَ لَه شَيْءٌ مِلْكًا، فَقَدْ جُعِلَ في يده، ويُقَالُ: هو في يدكَ وكَفِّك، أَيِ: اسْتَوْلَيْتَ عَلَيْهِ. انتهى.

 وقوله: «تاج الوقار» في النهاية : التاج ما يُصاغ للملوك من الذهب والجواهر. انتهى. والوقار، أي: الحلم والرزانة. والحلتان: مثنى حُلة، والْحُلَّةُ: إِزَارٌ ورِدَاءٌ، ولَا تُسَمَّى حُلَّةً حتَّى تَكُونَ ثَوْبَيْنِ.  وهاتان الحلتان لا تُعدلان بالدنيا وما فيها.

     وقوله: «بأخذ ولدكما»، أي: بتعلمه القرآن، أي: بتعليمكما ولدكما القرآن، فهو مصدر مضاف إلى مفعوله، ويحتمل أن تكون: أي بتعليم ولدكما الناسَ القرآن، وتكون مصدرًا مضافا إلى فاعله، ويحتمل أن يكون المعنى: أي: بتعلم ولدكما القرآن ، وهذا يدل على أن تعليم القرآن للناس من أجل العبادات، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «خيركم من تعلم القرآن، وعلّمه». أخرجه البخاري .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك