رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 أغسطس، 2017 0 تعليق

الرد على المخالف وضوابطه وآدابه (4) بيان الضعف في الحديث الضعيف واجبٌ؛ لأنّ ترك البيان يُوهم المطلع عليه أنه حديثٌ صحيح


ذكرنا فيما سبق أن الضابط الثالث من ضوابط الرد على المخالف لدى علماء السلف: الاعتماد على الدليل الشرعي، والبرهان العقلي والفطري السليم، وذكرنا أن العلماء وضعوا بعض القواعد المتعلقة بهذا الضابط، وذكرنا منها قولهم: (إنْ كنتَ ناقلاً فالصحة، أو مدّعياً فالدليل)، واليوم نستكمل الحديث عن آثار السلف في عدم جواز الاستدلال بالحديث الضعيف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (مجموع الفتاوى) (1/250) في (القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة):

     ولا يجوز أنْ يُعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوَّزوا أنْ يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أنّ العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي حديث لا يعلم أنه كذب، جاز أنْ يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحدٌ من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديثٍ ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع، فيجوز أنْ يُروى في الترغيب والترهيب ما لم يُعلم أنه كذب، ولكن فيما علم أن الله رغَّب فيه أو رهب منه، بدليل آخر غير هذا المجهول حاله اهـ.

عدم الجواز مطلقًا

وقال القاضي أبو بكر بن العربي بعدم جواز العمل بالحديث الضعيف مطلقاً، لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها.. انظر في ذلك تدريب الراوي (1/252).

بيان الضعف

     وقال العلامة أحمد شاكر -رحمه الله- في الباعث الحثيث: «والذي أراه أنَّ بيان الضعف في الحديث الضعيف: واجبٌ في كلّ حال، لأنّ ترك البيان يُوهم المطلع عليه أنه حديثٌ صحيح خصوصاً إذا كان الناقل له من علماء الحديث، الذين يرجع إلى قولهم في ذلك».

الرد على تسويغ بعضهم

     وقد يسوغ بعضهم ذلك بقوله: يجوز رواية الأحاديث الضعيفة في المواعظ والترغيب والترهيب، وما أشبه ذلك، وممن روي عنه التساهل في روايتها من المتقدمين: سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل.

فنقول: قد بيَّن العلماء أن التساهل المذكور إنما هو الأخذ بالحديث الحسن، لا الضعيف المردود:ـ

     قال العلامة أحمد شاكر: «وأما ما قاله أحمد بن حنبل وعبدالرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك: «إذا روينا في الحلال شدَّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا» فإنما يريدون به فيما أرجح -والله أعلم- أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة فإن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح؛ والحسن لم يكن في عصرهم مستقراً واضحاً، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو الضعف فقط». انتهى (المصدر السابق).

     وما قاله أحمد شاكر قد قاله قبله الحافظ ابن رجب الحنبلي في (شرح علل الترمذي)(ص 259) فقد قال: «وكان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريبٌ من مراد الترمذي بالحسن»، وهذا واضح ولله الحمد.

عدم اعتماد الأئمة على الضعيف

     ثم قال (ص 85): «وما كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف؛ الذي ليس بصحيح ولا حسن، فقد غلط عليه...».

     وقال العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر كلام أحمد شاكر السابق: «وجملة القول: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يَدَعوا العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقاً، وأنْ يوجهوا همَّتهم إلى العمل بما ثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ففيها ما يُغني عن الضعيفة، وفي ذلك منجاةٌ من الوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأننا نعرف بالتجربة أنَّ الذين يخالفون في هذا قد وقعوا فيما ذكرنا من الكذب؛ لأنهم يعملون بكل ما هبَّ ودبّ من الحديث! وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: «كفى بالمرءِ كذباً؛ أن يحدِّث بكلِّ ما سمعَ».

     وعليه أقول: كفى بالمرء ضلالاً أن يعملَ بكلِّ ما سمع، وتحقيقاً مني للنصح المذكور، صنفت ولا أزال أصنف من الكتب ما به يستعين القراء على تمييز الصحيح من الضعيف، والطيب من الخبيث، مما يدور على ألسنة الناس، أو سُجّل في بطون الكتب من الحديث»، مقدمة: صحيح الجامع الصغير.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك