رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 أغسطس، 2017 0 تعليق

الرد على المخالف وضوابطه وآدابه (1-2)


الرد على المخالف، أصلٌ من أصول أهل السُّنة والجماعة، وعبادة عظيمة، ومقام جليل في الشريعة، وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله -عز وجل-، وهو الذي استحقّت به الأمة الإسلامية الخيرية على كل الأمم، كما قال -تعالى-: {كنتم خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس تأمرونَ بالمعروف وتنهون عن المنكر} آل عمران: 110. ولولا الرد على المخالف، لقال مَن شاء ما شاء، كما قال السلف.

 

قال الامام الذهبي -رحمه الله-: «فوالله، لولا الحُفّاظُ الأكابر، لخطبت الزَّنادقةُ على المنابر». سير أعلام النبلاء (82/11).

     لكن لا بد لمن أراد الدخول في هذه العبادة العظيمة، من مراعاة الضوابط الشرعية لها المأخوذة من الكتاب العزيز، والسنة النبوية الشريفة، وهدي سلفنا الصالح، ومن تبعهم بإحسان، التي بينها أهل العلم، وأئمة المسلمين.

وفيما يلي بيانٌ لأهم هذه الضوابط الشرعية، والشروط المرعية:

- أولا وثانيا: من شروط مَنْ يتصدّر للرد على المخالف: العلم والعدل، وضدهما الجهل والظلم.

فلا شك أنَّ الرد على المخالف، يجب أنْ يكون بالعلم والعدل.

     وهذان الشرطان، من آكد ما يجب توفره في الراد على المخالف؛ فالرد على المخالف كما قلنا عبادة عظيمة، وهو من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كما سبق، الذي تكاثرت فيه النصوص من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.

ولذا يجب أنْ يضبط هذا الباب كما ذكرنا بــ(العلم) و( العدل).

     فيكون الكلام والنقد مبنيَّيْن على العلم بالوجوه كلها: من العلم بخطأ المخالف، وثبوت خطئه عليه، ووقوفه على البيّنات التي تثبته، والعلم بوجه الخطأ في قوله أو فعله.

ويتصف الرد بالعدل، فلا يظلم في ردّه عليه ولا يتعدَّى، ولا يقوّله ما لم يَقل، ولا يُقوله لوازم قوله، ونحو ذلك مما يدخل في العدل والإنصاف.

هذا دأب السلف ومنهاجهم، ومن يقف على أيِّ كتابٍ من كتبهم في الرد على المخالفين للحق من أهل الأهواء والبدع فضلاً عن غيرهم، يتبيّن له ذلك.

     وأيضاً: فإنّ مَنْ يرد على المخالف يجب أن يكون صادقاً في نُصرته للحق، ورغبته في إصابته وموافقته حكم الله -تعالى- وشرعه، وقد بلغ السلف من (التّجرّد) في ذلك، وسلامة القلوب والصدور، واستسلام النفوس للحق، ما ضربوا به أروع الأمثلة في ذلك.

     وما أحسن قول حاتم الأصم: «معي ثلاثُ خصال، أظهر بها على خصمي، قالوا: ما هي؟ قال: أفرحُ إذا أصاب خصمي، وأحْزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل عليه». فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: «سبحان الله! ما كان أعقله من رجل». المنتظم لابن الجوزي.

     ولتأكيد اشتراط «العلم، والعدل» في الرد على المخالف، ولبيان أهميتهما، ننقل بعض ما سطّره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بعض كتبه، في بيان أهمية هذين الشرطين خاصة، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- من أكثر من ردّ على المخالفين من أهل الملّة، أو من خارج الملة، كما تدل كتبه ورسائله على ذلك.

فمن تلك النقول المهمة المفيدة:

1- ما قاله في الفتاوى (19/238): «ونحن نذكر قاعدةً جامعة في هذا الباب، لهم ولسائر الأمة، فنقول لا بدّ أنْ يكون مع الإنسان أصولٌ كلية، يَرد إليها الجزئيات، ليتكلم بعلمٍ وعدل، ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذبٍ وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم».

علم وعدل

2- وفي منهاج السنة (5/79) يبين أهمية العلم والعدل، ويوضح خطورة الجهل والظلم، في هذا الباب بقوله: «ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على المُلْك، والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين، وجب أنْ يكون الكلام بعلم وعدل، لا بجهلٍ وظلم، فإنَّ العدل واجبٌ لكلّ أحدٍ على كل أحد، في كل حال، والظلم محرمٌ مطلقاً، لا يباح قط بحال، قال -تعالى- {ولا يجرمنَّكم شنآن قوم على ألا تعْدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} سورة المائدة: 8. وهذه الآية: نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغضٌ مأمورٌ به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به، قد نهى صاحبه أنْ يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلمٍ بتأويل وشبهة؟ أو بهوى نفس؟ فهو أحقّ ألا يُظلم بل يعدل عليه، وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحقّ من عدل عليهم، في القول والعمل، والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه، ومحبته والثناء على أهله، ومحبتهم، والظلم مما اتفقوا على بغضه، وذمه وتقبيحه، وذمّ أهله وبغضهم».

حال الخلاف

3- وفي منهاج السنة (5/86) يوضح هذه المسألة أكثر فيقول: «والمقصود هنا أنه إذا وجب فيما شَجَر بين عموم المؤمنين، ألا يتكلم إلا بعلمٍ وعدل، ويُرد ذلك إلى الله والرسول، فذاك في أمر الصحابة أظهر، فلو طعن طاعنٌ في بعض ولاة الأمور، من ملكٍ وحاكم وأمير وشيخ ونحو ذلك، وجعله كافراً، معتديا على غيره في ولاية أو غيرها، وجعل غيره هو العالم العادل، المبرّأ من كلّ خطأٍ وذنب، وجعل كل مَن أحبّ الأول وتولّاه كافراً أو ظالما مستحقاً للسبِّ، وأخذ يسبه، فإنه يجب الكلام في ذلك بعلم وعدل».

الكتاب والسنة

4 - وأيضا: في منهاج السنة (5/85) يُوضح أنّ العلم يكون في الرجوع للكتاب والسنة، ويشير إلى خطورة بناء بعض المسائل على تقرير علماء أو شيوخ واجتهادهم، دون أنْ يكون لهم أدلة من الكتاب أو السنة، فيقول: «فالأمور المشتركة بين الأمة، لا يَحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحدٍ أنْ يلزم الناس بقول عالمٍ، ولا أمير، ولا شيخ، ولا ملك».

الكلام بلا علم

5 - وفي درء تعارض العقل والنقل (4/298) يسهب موضّحاً ضرورة التزام العلم والعدل في الرد، فيقول: «وتحقيق الأمر أن الكلام بالعلم الذي بيّنه الله وسوله مأمورٌ به، وهو الذي ينبغي للإنسان طلبه، وأما الكلام بلا علم فيذم، ومن تكلم بما يخالف الكتاب والسنة فقد تكلم بلا علم، وقد يتكلم بما يظنه علماً: إما برأي رآه، وإما بنقل بلغه، ويكون كلاماً بلا علم، وهذا قد يعذر صاحبه تارة وإنْ لم يتبع، وقد يذم صاحبه إذا ظلم غيره، وردّ الحق الذي معه بغياً، كما ذم الله ذلك بقوله: {وما اختلفَ الذين أُوتوا الكتابَ إلا منْ بعد ما جاءَهم العلمُ بغياً بينهم} آل عمران: 19.

البغي مذموم

     فالبغي مذمومٌ مطلقاً، سواءً كان في أنْ يلزم الإنسان الناس بما لا يلزمهم، ويذمهم على تركه، أو بأنْ يذمّهم على ما هم معذورون فيه، والله يغفر لهم خطأهم فيه، فمن ذمّ الناس وعاقبهم على ما لم يذمهم الله -تعالى-، ويعاقبهم، فقد بغى عليهم، لا سيما إذا كان ذلك لأجل هواه.

وقد قال -تعالى-: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ص: 26.

     والله -تعالى- قد قال: {وحَملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً - ليُعذب الله المُنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} الأحزاب:72-73.

التوبة من الجهل

     فالسعيد من تاب الله عليه من جهله وظلمه، وإلا فالإنسان ظلومٌ جهولٌ، وإذا وقع الظلم والجهل في الأمور العامة الكبار، أوجبت بين الناس العداوة والبغضاء؛ فعلى الإنسان أنْ يتحرى العلم والعدل فيما يقوله في مقالات الناس؛ فإنَّ الحكم بالعلم والعدل في ذلك أولى منه في الأمور الصغار.

القضاة ثلاثة

      وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «القضاةُ ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة، رجلٌ عَلِم الحقَّ وقضى به، فهو في الجنة، ورجلٌ قضى للناس على جهلٍ فهو في النار، ورجلٌ عَلِم الحق وقضى بخلافه، فهو في النار».(أبوداود) فإذا كان هذا فيمن يقضي في درهمٍ وثوب، فكيف بمن يقضي في الأصول المتضمنة للكلام في رب العالمين؟! وخلقه وأمره وعده ووعيده».انتهى

 

 

إبراز مفاسد كتب المبتدعة بالإنصاف

 

     ويبين القرافي وجوب إبراز مفاسد كتب المبتدعة وأحوالهم بالإنصاف، فيقول: «ويُنفَّر عن تلك المفاسد ما أمكن، بشرط ألا يتعدّى فيها الصدق، ولا يفتري على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة، فلا يقال على المبتدع: إنه يشرب الخمر، ولا أنه يزني، ولا غير ذلك مما ليس فيه».

- ومن العدل والإنصاف: ألا نجحد ما للعالم أو الشيخ من فضل وعلم، وأن يعذر من أخطأ بجهل أو بتأويل، وألا تفرح وتطير بخطؤه إذا أخطا، كما لو أذنب فلا تفرح بذنبه.

- يقول الإمام ابن القيم: «ومن له علم بالشرع والواقع، يعلم قطعاً أنَّ الرجل الجليل، الذي له في الإسلام قدم صالح, وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أنْ تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين».

- ويقول أيضاً في وصف المنصف: «يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر حتى كأنه هو الذي عثر بها، ولا يشمت به».

- ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومعلوم أنَّ شر الكفار والمرتدين والخوارج، أعظم من شر الظالم، وأما إذا لم يكونوا أي المبتدعون أو غيرهم يظلمون المسلمين، والمقاتل لهم يريد أن يظلمهم، فهذا عدوان منه فلا يُعاون على عدوان».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك