رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 14 يناير، 2016 0 تعليق

الربا في العصر الحديث (3)

أما في العصر الحديث: فنجد الربا الخبيث في كثير من المعاملات المعاصرة، المدنية والتجارية والمصرفية وغيرها، وقد انتشر في المعاملات مثل انتشار مرض السرطان في الجسد، وأصبح الناس يأكلون الربا أو يوكلونه، إلا مَنْ رحم الله -تعالى- فمن لم يأكله ناله غباره, مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : «يأتي على الناسِ زمانٌ يأكلونَ فيه الربا». قيل: الناس كلُّهم يا رسول الله؟ فقالصلى الله عليه وسلم : «مَنْ لم يأكله، ناله مِنْ غُباره» رواه أحمد (2/492) وأبو داود (3/626) والنسائي (7/243) وابن ماجة ( 2/765)  وأبو يعلى ( 11/6233).

الفَرْق بين البيع والربا:

 حاول المرابون قديمًا وحديثًا أنْ يوهموا غيرهم - وربما أنفسهم - بأن البيع مثل الربا! فكان ردُّ القرآن الكريم عليهم حاسماً وجازماً، فقال -تعالى-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(البقرة: 275)، فالفرق بينهما شاسع.

 1- الفرق بين الحلال الطيب الذي يُؤجر صاحبه عليه، وبين الحرام الخبيث الذي يؤزر صاحبه عليه.

 2- البيع مبادلةُ عينٍ وسلعة بثمن، أما الربا فهو الزيادة على الثمن عند حلول الأجل، وتعذر التسديد.

 3- البيع تبادل المنافع برضا الطرفين، أما الربا فهو استغلال الغني لحاجة الفقير، أو عجزه عن الوفاء والسداد.

 4- الربح في البيع مقابل الجهد والتعب في التجارة، وتداول السلع وجلبها، أما في الربا فهو مقابل الزمن والأجل فقط  أو مقابل الإقراض للمال؛ فليس له حينئذ عوض معتبر شرعًا، ولا تعب ولا جهد.

 5- البائع والتاجر قد يربح وقد يخسر، أما المرابي فربحه مؤكد مضمون، وقد يزيد مع الزمن!

 6- البيع عام يتناول السلع الزراعية والصناعية وغيرها، أما الربا فهو في هذا الزمان يتعلق أساسًا بالنقود فقط، ويقوم على توليد النقد من النقد، وهذا خلاف المقصود من النقود، وأنها ثمن للمبيعات.

 7- البيع يسد حاجات الناس، ويوفّر لهم السلع الحاجية والضرورية، ويسهل لهم حياتهم، وأما نظام الربا فإنه يستغلهم ويظلمهم ؛ بل إن المرابين قد يرتبون ويخططون لاحتياج الناس، ثم يستغلونهم بذلك!.

 8- إن عمليات البيع والشراء تؤدي إلى الإثراء والإنعاش الاقتصادي للأفراد والمجتمعات والدول، بينما يؤدي الربا إلى تخريب الاقتصاد، ودماره وإتلافه، وفقر الناس ووقوعهم في شباك القروض الصعبة.

  9- الربا يُؤدي إلى النزاع بين الناس والشقاق، والحقد والحسد، والكراهية والتباغض، وليس شيء من ذلك في البيع؛ لأن الأصل في البيع التبادل بين الناس بالتراضي والقبول، وحصول المساواة والعدل بين القيمة والسلعة في الغالب.

 وغير ذلك من الفروق الواضحة الجلية، بين البيع والربا، التي ذكرها أهل العلم قديما وحديثاً، التي تدل على أنّ الأول حلالُ طيب، مفيد لعباد الله -تعالى-  وأن الثاني خبيث ومحرم، ضارٌ بالناس، ومفسدٌ لمعايشهم.

 الحِكمة في تحريم الربا:

في تحريم الربا حِكمٌ ربانية جليلة وعظيمة:

1- أولاً الربا قبل كل شيء، معصية عظيمة لله -تعالى- وكبيرة من الكبائر، يجب الانتهاء عنها، سواءً علمنا الحكمة من تحريمه، أم لم نعلم، وهذا واجب المؤمنين والمؤمنات، وهو السمع والطاعة، والرضا بحكم الله -عز وجل- وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال -تعالى- مثنياً على أصحاب نبيهصلى الله عليه وسلم  أنهم قالوا: «سَمعنا وأطعنا غُفرانك ربَّنا وإليك المصير» (البقرة: 285).

وقال تعالى أيضا: {إنما كان قولَ المؤمنين إذا دُعوا إلى اللهِ ورسولهِ ليَحكم بينهم أنْ يقولوا سَمعنا وأطعنا وأولئك هُم المُفلحون}(النور:51).

     أي: هذا قول المؤمنين الصادقين في إيمانهم، لا كقول الذين أعرضوا عن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم  حين قالوا: «آمنَّا بالله وبالرسول وأطعنا» فلما دعوا إلى حكم الرسول صلى الله عليه وسلم  «إذا فريقٌ منهم مُعرضون» أي: عصوا أمره، وأرادوا حُكم الجاهلية. فإن إعراضهم نقيض الطاعة التي أعلنوا بها.

وجيء بصيغة الحصر بـ (إنما) لدفع أنْ يكون مخالف هذه الحالة في شيء من الإيمان، وإنْ قال بلسانه إنه: مؤمن.

     وأخبر -تعالى- في الآية قبلها: أن الذين يُعرِضون عندما يُدعوْن إلى التحاكم إلى القرآن والسُّنة، فيُعرضون عن ذلك، بأنهم ليسوا بالمؤمنين؟! ولو أنهم يظهرون الإيمان؛ فالفاصل الذي يميز بين المؤمن الحق، وبين الذي   يدعي الإيمان، أو يُرائي بإيمانه، أنه حين يُدْعى إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيقضي في القضية، أن المؤمن يُسلّم ويرضى، والمنافق يعرض ويأبى!.

وهذا يبين الفرق بين الحالين، فلا يلتبس من عنده الإيمان المزوّر، بمن عنده الإيمان الصادق، وعلّل الله -تعالى- ذلك، بأنّ المؤمن لا يرتاب في عدل الله -تعالى- والرسول صلى الله عليه وسلم  ، وحكمة الشرع، وعدم مصانعته أو محاباته لأحدٍ على حساب أحد.

 2- التعامل بالربا ظلمٌ للعباد، وتعد على أموالهم بغير حق، فإنَّ فيه أخذاً لأموال الآخرين بغير عِوض؛ إذْ المرابي يأكل أموال الناس دون أنْ يستفيدوا شيئاً بمقابله.

3- الربا يَحمل على حبِّ الذات، والتكالب على جمع الأموال وتحصيلها من غير الطرائق المشروعة.

4- تحريم الربا رحمة بالعباد؛ إذ أنه يؤدي إلى تضخم الأموال وزيادتها على حساب سلب أموال الفقراء، ويعوّد المُرابي الكسل والخمول، والابتعاد عن الاشتغال بالمكاسب المباحة النافعة، كالتجارة والصناعة والزراعة ونحوها من المكاسب الحلال.

5- الربا فيه قطعٌ للمعروف بين الناس، وسدٌ لباب القرض الحسن، الذي فيه اجر الصدقة، فعن ابنِ مَسعودٍ: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  قَال: «إِنَّ السَّلَفَ يَجْرِي مَجْرَى شَطْرِ الصَّدَقَةِ».

وجاء بلفظ: «ما مِنْ مسلمٍ يُقرض مسلماً قرضاً مرتين، إلا كان كصدقتها». رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، وحسنه الألباني.

وفيه بيان فضيلة القرض، وأنّ مَن أقرض مسلماً مرتين، كمن تصدَّق بمبلغ القرض مرة واحدة.

6- الربا فيه تحكُّم طبقةٍ من التجار المرابين بأموال الأمة، واقتصاد البلاد.

7- الربا يأتي بكوارث اقتصادية، وخسائر مالية، وهو وإن زاد مال المرابي أولا؛ فإن الله -تعالى- يمحق بركته، ولا يبارك فيه، ولا يلبث أن يضمحل، قال -تعالى-: {يَمْحَقُ الله الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}(البقرة: 276).

وقد روى الإمام أحمد : عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إنَّ الربا وإنْ كثر؛ فإنّ عاقبته تصير إلى قُل».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك