رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 أبريل، 2016 0 تعليق

الجَــــدَل في الكتاب والسُّنة (6)

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أنواع من الجدال المحمود، فمن ذلك: تحاجِّ آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام

 مذهب أهل السنة على ما في المعالم أن لله علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء، لا يقف عليها غيره فيجب على المرء الإيمان به

 

يكثر في أيامنا هذه الجدل والنقاش في أمور كثيرة، والتنازع بموضوعات مختلفة، والتحاور في وسائل التواصل المتنوعة، ولابد للمسلم من التزام الحدود الإسلامية في ذلك، ومراعاة الضوابط الشرعية، والآداب المرعية؛ فالمؤمن لا يخرج في شيء من نواحي حياته عن شريعة ربه {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162-163). ونستكمل الحديث عن الجدال المحمود في السنة النبوية فنقول:

وأما من السُّنة النبوية: فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أنواع من الجدال المحمود، فمن ذلك: تحاجِّ آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام:

- ففي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدمُ، أنتَ أبونا، خيَّبتنا وأخْرجتنا من الجنة! فقال له آدمُ: أنتَ موسى! اصطفاك اللهُ بكلامه، وخطَّ لك التَّوراة بيده، أتلومني على أمرٍ قدّره الله عليَّ، قبل أنْ يَخْلقني بأربعين سنة، فحَجَّ آدمُ موسى، فحج آدم موسى، ثلاثاً».

2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَحاجَّت الجنة والنار، فقالت النار: أُوثرت بالمُتكبِّرين والمُتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاءُ الناس وسقطهم؟ - زاد في رواية: وغرتهم - فقال الله -عز وجل- للجنة: أنتِ رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنتِ عذابي، أُعذِّب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدةٍ منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله - وفي رواية: حتى يضع الله -تبارك وتعالى- رجله؛ فتقول: قط قط قط؛ فهنالك تَمتلئ، ويُزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله مِنْ خَلقه أحدا، وأما الجنة فإنَّ الله يُنشئُ لها خَلقاً» أخرجه البخاري ومسلم.

     فقوله: «تحاجّت» أي اختصمت كما في رواية للبخاري. وفي رواية أخرى له ولمسلم «تحاجَّت». أي: تخاصمت وتجادلت وتعارضت. قوله: «بالمتكبرين والمتجبرين» قيل هما بمعنى واحد، وقيل: المتكبر المتعاظم بما ليس فيه، والمتجبر الممنوع الذي لا يُوصل إليه. وقيل: الذي لا يكترث بأمر. قوله: «ضعفاء الناس وسقطهم» السقط: أي المحتقرون بينهم، الساقطون من أعينهم، هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس، وبالنسبة إلى ما عند الله: هم عظماء رفعاء الدرجات، لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة الله عندهم، وخضوعهم له في غاية التواضع لله، والذلة في عباده، فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح، أو المراد بالحصر في قول الجنة «إلا ضعفاء الناس» الأغلب. من شرح الحافظ ابن حجر (8/597).

وقوله في رواية «يدخلني الضعفاء والمساكين» قيل: معنى الضعيف هاهنا الخاضع لله -تعالى- بذُلِ نفسه له -سبحانه وتعالى- ضد المتجبّر والمُتكبّر.

وقوله: «أنت عذابي» أي: سبب عقوبتي ومنشأ سخطي وغضبي.

وقوله: «وقَالَ للجنة أنتِ رحمتي» أي مُظهِرها، وسَمَّيت الجَنَّة رحمته؛ لأن بها تظهر رحمة الله -تعالى-.

     وحاصل اختصام الجَنَّة والنار: افتخار إحداهما على الأخرى بمن يسكنها، فتظن النَّار أنها بمن أُلْقِيَ فيها من عظماء الدنيا، أبَرُ عند الله من الجنة، وتظن الجَنَّة أنها بمن يسكنها من أولياء الله -تعالى- أبَرُ عند الله، فأُجِيبَتَا بأنه لا فضلَ لإحداهما على الأخرى من طريق من يسكنهما، وفي كليهما شائبةُ شِكاية إلى ربهما؛ إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا مَا اختصت به، وقد ردَّ الله الأمر في ذلك إلى مشيئته.

وقَالَ النووي: هذا الحديث على ظاهره، وأنَّ الله يخلق في الجَنَّة والنار تمييزاً، يُدرِكان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج، ولا يلزم مِن هذا أن يكون ذلك التمييز دائماً.اﻫـ

وقال الطيبي -رحمه الله-: هذه المحاجّة جارية على التحقيق، فإنه -تعالى- قادرٌ على أن يجعل كل واحدة مميزة مخاطبة، أو على التمثيل.

     قلت: الأول هو المعول؛ لأنَّ مذهب أهل السنة على ما في المعالم أن لله علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء، لا يقف عليها غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية، فيجب على المرء الإيمان به، ويكل علمه إلى الله سبحانه. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح.

3- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يومَ القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراويْن: البقرة، وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنَّهما غَمَامتان، أو كأنهما غيَايتان، أو كأنهما فِرقان مِن طير صَوَاف، تُحاجَّان عنْ أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإنَّ أخذها بَرَكة، وتركها حَسْرة، ولا تستطيعها البَطَلة » رواه مسلم.

     يقول صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوا القرآن» أي: اغتنموا قراءته وداوموا على تلاوته «فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا» أي: مشفعا «لأصحابه» أي: القائمين بآدابه «اقرؤوا» أي: على الخصوص «الزهراوين» تثنية الزهراء تأنيث الأزهر، وهو المضيء الشديد الضوء، أي: المُنيرتين لنورهما وهدايتهما، وعِظم أجرهما فكأنهما بالنسبة إلى ما عداهما عند الله، مكان القمرين من سائر الكواكب، وقيل: لاشتهارهما شبهتا بالقمرين «البقرة وسورة آل عمران» وقيل: سميتا زهراوين لكثرة أنوار الأحكام الشرعية، والأسماء الحسنى العلية فيهما.

     قوله: «فإنهما» أي: ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما، أو هما يتصوران ويتجسدان ويتشكلان، «تأتيان» أي تحضران «يوم القيامة كأنهما غمامتان» أي: سحابتان تظلان صاحبهما عن حرِّ الموقف، قيل: هي ما يغم الضوء ويمحوه لشدة كثافته، «أو غيايتان» وهي بالياءين ما يكون أدون منهما في الكثافة، وأقرب إلى رأس صاحبهما، كما يفعل بالملوك فيحصل عنده الظل والضوء جميعا، «أو فرقان» بكسر الفاء، أي: طائفتان «من طير» جمع طائر «صواف» جمع صافَّة، وهي الجماعة الواقفة على الصف، أو الباسطات أجنحتها، متصلاً بعضها ببعض، وهذا أبين.

«أو» في الحديث يحتمل الشك من الراوي، أو التخيير في تشبيه هاتين السورتين، والأولى أن يكون لتقسيم التَّالين؛ لأنّ «أو» من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا مَنْ تردد مِنَ الرواة، لاتساق الرواة عليه على منوال واحد.

     قال الطيبي: أو للتنويع، فالأول: لمن يقرؤهما ولا يفهم معناهما. والثاني: لمن يجمع بينهما. والثالث: لمن ضم إليهما تعليم الغير، «تحاجان» أي: السورتان تدافعان الجحيم والزبانية، أو تجادلان وتخصمان الرب أو الخصم «عن أصحابهما» وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة.

     وقوله: «اقرؤوا سورة البقرة» قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص بعد تعميم، أمر أولاً بقراءة القرآن وعلق بها الشفاعة، ثم خص الزهراوين وأناط بهما التخلص من حر يوم القيامة بالمحاجة، وأفرد ثالثا البقرة وأناط بها أمورا ثلاثة؛ حيث قال: «فإن أخذها» أي المواظبة على تلاوتها والتدبر في معانيها والعمل بما فيها «بركة» أي: منفعة عظيمة «وتركها» بالنصب ويجوز الرفع، أي تركها وأمثالها «حسرة»، أي ندامة يوم القيامة، كما ورد: «ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها» (ولا يستطيعها) بالتأنيث والتذكير، أي لا يقدر على تحصيلها (البطلة)، أي أصحاب البطالة والكسالة لطولها، وقيل: أي السحرة؛ لأن ما يأتون به باطل، سماهم باسم فعلهم الباطل، أي لا يؤهلون لذلك أو لا يوفقون له، ويمكن أن يقال: معناه لا تقدر على إبطالها أو على صاحبها السحرة لقوله -تعالى- فيها وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله الآية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك