رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 28 مارس، 2016 0 تعليق

الجَــــدَل في الكتاب والسُّنة (3)

جاءت أقوال السلف محذِّرة من مجادلة أهل البدع ومخاصمتهم، ومجالستهم والخوض معهم

 اتفق علماء السلف من أهل السُّنة: على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات ، وعلى الزجر عن الخوص في علم الكلام وتعلمه

 

 

يكثر في أيامنا هذه الجدل والنقاش في أمور كثيرة، والتنازع في موضوعات مختلفة، والتحاور في وسائل التواصل المتنوعة، ولابد للمسلم من التزام الحدود الإسلامية في ذلك، ومراعاة الضوابط الشرعية، والآداب المرعية؛ فالمؤمن لا يخرج في شيء من نواحي حياته عن شريعة ربه {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }(الأنعام: 162-163)، ونستكمل الحديث في هذا الموضوع من خلال بيان موقف السلف من هذه القضية. فنقول أما سلف الأمة الصالح فقد جاء نهيهم عن الجدال المذموم السابق بيانه، كمن يجادل في الدين بغير علم، وفي الحق بعدما تبين، أو يجادل المستكبر والمصر على الباطل في كثير من الآثار عنهم نقلها العلماء والمصنفون في العقيدة،  كالأمام الآجري في الشريعة في: باب ذم الجدال والخصومات في الدين.

والإمام ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) في: باب ما يُكره فيه المناظرة والجدال والمراء .

والحافظ إسماعيل الأصفهاني في (الحُجة في بيان المَحجة) في : فصل في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والاستماع إلى أقوالهم .

والحافظ ابن بطة في الإبانة الكبرى في: باب النهي عن المراء في القرآن .

والإمام اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) في: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم  في النهي عن مناظرة أهل البدع، وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم الحادثة وأرائهم الخبيثة .

وغيرهم ممن كتب في التوحيد والعقائد.

     فقد جمعت هذه المصادر العقائدية الحديثية، المئات من الروايات عن السلف، في ذمّ الجدال والمراء والخُصومة في الدّين، وقد جاءت أقوال السلف فيها محذِّرة من مجادلة أهل البدع ومخاصمتهم، ومجالستهم والخوض معهم، بل يهجرون ويُحْذرون، خلافاً لحال كثير من أهل زماننا، من بعض الدعاة وطلاب العلم؛ فهذا هو الأصل، حاشا بعض صور المجادلة النافعة التي يأتي ذكرها، والآثار المنقولة عنهم في هذا لا تكاد تحصر لكثرتها، ونقلها قد يطول ، ونقتصر على ذكر ما تيسر منها في هذا الباب، ومَن أراد مزيد الاطلاع، فعليه بمراجعة تلك المصادر، وهي متوفرة بحمد الله:

 1- فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: «إنَّ التكذيب بالقَدَر، شِركٌ  فُتح على أهل الضلالة، فلا تُجادلوهم فيجري شركهم على أيديكم».

 2- وعن أبي قِلابة -رحمه الله تعالى- أنه قال: «لا تُجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أنْ يَغمسوكم في الضَّلالة ، أو يُلبسوا عليكم في الدِّين بعض ما لبس عليهم» .

 3- وعن الحسن البصري ومحمد بن سيرين -رحمهما الله- أنهما كانا يقولان: «لا تُجالسوا أصحابَ الأهواء، ولا تُجادلوهم، ولا تسمعوا منهم. رواه ابن بطة».

 4- وعن عون بن عبد الله -رحمه الله- أنه قال: «لا تُجالسوا أهلَ القَدَر، ولا تُخاصموهم؛ فإنهم يَضربون القرآنَ بعضه ببعض!».

 5- وعن الفضيل بن عياض -رحمه الله-: «لا تُجادلوا أهل الخُصومات؛ فإنهم يخوضون في آيات الله!».

 6- وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد -رحمه الله تعالى- قال: «أدْركنا أهلَ الفضل والفقه مِنْ خيار أَولية الناس، يَعيبون أهلَ الجدل والتنقيب ، والأخذ بالرأي أشدَّ العيب، وينهوننا عن لقائهم ومجالستهم، ويحذرونا مقاربتهم أشدَّ التحذير». الإبانة الكبرى (2/532).

 7- وعن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- قال: «أصولُ السُّنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم وترك البدع ، وكل بدعةٍ فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين».

 8- وروى الحافظ ابن بطة: عن حنبل ابن إسحق -رحمه الله- قال: كتبَ رجلٌ إلى أبي عبد لله - يعني الإمام أحمد - رحمه الله- كتاباً يستأذنه فيه ، أنْ يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع، وأنْ يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم، ويحتج عليهم، فكتب إليه أبو عبد الله: « بسم الله الرحمن الرحيم ، أحسنَ الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كُنا نسمعُ، وأدركنا من أهل العلم: أنهم كانوا يَكرهون الكلام، والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم، والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم؛ فإنهم يَلبسون عليك ولا هم يرجعون؛ فالسلامة إنْ شاء الله في ترك مجالستهم، والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم».

 9- وقال الحافظ ابن بطة بعد نقله للآثار عن السلف في النهي عن الجدال في الدين، قال : «فاعلم يا أخي أني لم أرَ الجدال والمناقضة، والخلاف والمماحلة، والأهواء المختلفة، والآراء المخترعة، من شرائع النبلاء، ولا من أخلاق الفضلاء، ولا من مذاهب أهل المروءة، ولا ممن حُكي لنا عن صالحي هذه الأمة، ولا من سير السلف، ولا من شيمة المرضيين من الخلف».

 10- وقال الإمام البغوي -رحمه الله تعالى-: «واتفق علماء السلف من أهل السُّنة: على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات ، وعلى الزجر عن الخوص في علم الكلام وتعلمه». شرح السنة (1/216) .

 11- وقال الإمام اللالكائي مبيناً ما جَنته مناظرة المبتدعة من جناية على المسلمين، وما أصبح لهم بسبب مناظرتهم من صيتٍ وجاه، حتى أصبحوا أقراناً لعلماء أهل السُّنة في نظر العامة! قال: «فما جَنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة، يموتون من الغيظ كمداً ودرداً، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلاً، حتى كثرت بينهم المشاجرات، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع مَنْ لم يكنْ عرفها من الخاصة والعامة، حتى تقابلت الشُّبه في الحجج ، وبلغوا من التدقيق في اللجج؛ فصاروا أقراناً وأخدانا، وعلى المداهنة خلاناً وإخوانا، بعد أنْ كانوا في الله أعداءً وأضداداً، وفي الهجرة في الله أعواناً ، يكفرونهم في وجوههم عياناً، ويلعنونهم جهاراً، وشتّان ما بين المنزلتين، وهيهات ما بين المقامين». شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/19-20) .

 12- وقال الإمام ابن أبي زيد المالكي في (الرسالة) عن منهج أهل السنة: «وترك المراء والجدال في الدِّين، وترك كل ما أحْدَثه المُحدثون».

      فظهر من خلال هذه الآثار: ذمّ السلفُ الصالح للمجادلة عموما، ولمجادلة أهل البدع خصوصا، وإعراضهم عن مجادلتهم وتحذيرهم الناس منها، وعَدَّها بدعة في الدِّين حدثت، كما ثبت قبل ذلك ذم الله للجدال وأهله، وذمّ الرسول صلى الله عليه وسلم  أيضاً، بما تقدم نقله من النصوص آنفاً، التي هي عُمدة السلف في تقرير ما ذهبوا إليه من ذم الجدال ، والمجادلين في الدّين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك